اختار الرئيس الإيراني الجديد مسعود پزشكيان والذي تم تنصيبه في شهر يوليو/ تموز 2024 العراق في أول رحلة خارجية له، وتستمر رحلته ثلاثة أيام، استجابة لدعوة قدمها له رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في يوليو 2024..
وستشمل زيارة الرئيس الإيراني للعراق خمس مدن عراقية وهي بغداد، أربيل، النجف، كربلاء والبصرة، وذلك في ظل تطورات إقليمية مضطربة وتصعيد المواجهات بين محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة وإسرائيل.
وتعتبر زيارة الرئيس الإيراني للعراق، سابقة إذ إن مسعود پزشكيان أول رئيس إيراني في تاريخ إيران بعد ثورة 1979 يقوم بزيارة العراق في أول رحلة خارجية له بعد تنصيبه رئيساً للبلاد.
لماذا اختار پزشكيان العراق وجهته الخارجية الأولى؟
لا شك في أن العراق يمثل محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الإيرانية للتواجد والتوسع في منطقة الشرق الأوسط، ويحظى العراق باهتمام كبير من قبل القيادة الإيرانية، لكن ما هي الأسباب التي جعلت من العراق الوجهة الخارجية الأولى للرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد؟
يقول سياسي إيراني رفيع المستوى ومقرب من الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، إن "العراق بلد ذو أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران، ولكن پزشكيان اختاره ليكون وجهته الخارجية الأولى لأسباب عديدة على رأسها إثبات تنفيذه لتوجيهات المرشد الأعلى، وتأكيده على تنفيذ السياسات الخارجية التي ناقشها خامنئي مع پزشكيان منذ وقت قصير".
وبحسب المصدر ذاته، فإن پزشكيان حرص أن تكون أول زيارة خارجية له للعراق لإرسال رسالة لخامنئي، بتنفيذه لتوجيهاته خاصة المتعلقة بالسياسة الإقليمية. ويقول السياسي الإيراني لـ"عربي بوست"، "پزشكيان أراد الحصول على تأييد خامنئي والتيار الأصولي المحيط بخامنئي من خلال اختياره للعراق وجهته الخارجية الأولى.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست": "ببساطة زيارة الرئيس الإيراني للعراق يقول پزشكيان لخامنئي وأنصاره أنه يسير على خطى المرشد الأعلى ومبادئ الجمهورية الإسلامية".
ويؤيد مسؤول حكومي مقرب من پزشكيان، ما سبق قائلاً لـ"عربي بوست": "پزشكيان يريد تأييد المرشد الأعلى وأنصاره في مسألة إعادة التفاوض مع الغرب وواشنطن، ويعرف جيداً أنه لن يحصل على هذا الدعم إلا إذا حصل على ثقة المرشد وتأكيده على أنه يسير على خطى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في السياسة الإقليمية".
وأضاف المتحدث قائلاً "لقد طلب خامنئي من پزشكيان أن يستكمل طريق إبراهيم رئيسي فيما يخص تعزيز العلاقات مع العراق، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إيران، فإن العراق يمثل الرئة الاقتصادية لطهران، وكان من الحتمي على پزشكيان تنفيذ أوامر المرشد الأعلى كإثبات لحسن نيته وإثبات على أنه يسير على طريق تنفيذ إرشادات وتوجيهات المرشد الأعلى ليكسب ثقته".
وبحسب المصدر السابق فإن پزشكيان يطمح إلى كسب ثقة المرشد الأعلى في مسألة السياسة الخارجية ليتمكن من إحياء المفاوضات النووية مع الغرب والولايات المتحدة والتي كانت قد توقفت في عهد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، دون أن يلقى معارضة من المعسكر الأصولي الذي يرفض المفاوضات مع القوى العالمية.
خط السكك الحديدية كان الملف الأبرز في الزيارة
بالعودة إلى زيارة الرئيس الإيراني للعراق والملفات التي تمت مناقشتها في هذه الزيارة، جاء مشروع خط سكك حديد البصرة-شلامجة، على رأس الملفات التي جاء پزشكيان لمناقشتها مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وجدير بالذكر، أنه في عام 2014 وقعت طهران وبغداد على مشروع لربط مدينة الشلامجة الحدودية بمدينة البصرة في جنوب العراق عبر خط سكك حديدية، لكن جاء اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية لأجزاء كبيرة من العراق في صيف 2014 ليوقف المشروع.
وفي ديسمبر 2021 بعد تحسن الظروف الأمنية في العراق، تعهدت الدولتان بإكمال خط السكك الحديدية، وكانت المدة الزمنية المحددة للانتهاء من هذا المشروع هي 18 شهرا، ولكن إلى الآن لم يتم إنجاز هذا المشروع الذي تعتبره إيران مشروعا مهما سيعزز استراتيجيتها لتأمين مكانتها الإقليمية.
وعلى ذكر تعطل إتمام المشروع، يقول المسؤول الحكومي الإيراني والمقرب من الرئيس الإيراني الجديد، لـ"عربي بوست"، "هذا المشروع مهمٌ جدا لإيران، وفي هذا التوقيت بالتحديد، سوف يوفر لإيران اتصالات قوية بجيرانها وروابط تصل إلى ميناء اللاذقية على ساحل البحر المتوسط بسوريا".
"كما أن الحكومة الإيرانية تأمل في أن يكون هذا المشروع عنصرًا أساسيًا في الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب وربط الهند بآسيا الوسطى وروسيا عبر إيران.. لكن حكومة السوداني مترددة"، يضيف المتحدث.
ويفسر المصدر ذاته أسباب تردد حكومة السوداني قائلا "في السابق كان مصطفى الكاظمي متحمسا للمشروع، وإقامة مشاريع أخرى أيضا مع إيران، وكان يخصص لجنة متخصصة للإشراف على هذه المشاريع، ولكن حكومة السوداني التي تعتبر الحكومة الأكثر تحالفا مع إيران، ألغت التفكير في هذا المشروع من الأساس".
وقال "السوداني غير راغب في إنجازه ولا يُصرح بذلك بشكل مباشر، وإنما يحاول تعطيل الأمر، لذلك ركز مسعود پزشكيان على هذا المشروع في لقائه بالسوداني، لأنه بجانب أنه سيعود بفوائد اقتصادية كبيرة على البلدين، فإن پزشكيان يحاول أن يكون التعاون الاقتصادي المتبادل بين طهران وبغداد هو أساس العلاقات بين البلدين".
لكن لماذا يتردد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وحكومته التي شكلها الإطار التنسيقي الشيعي الحليف القوي لإيران في العراق، في تنفيذ مشروع خط سكك حديد البصرة-شلامجة؟
يجيب عن هذا التساؤل، مسؤول حكومي عراقي مقرب من رئيس الوزراء، ويقول لـ"عربي بوست"، "في واقع الأمر لا يرى السوداني من مشروع ربط الشلامجة بالبصرة بخط سكك حديدية أي فائدة كبرى للعراق، بل إنه يرى أن الاهتمام بمشاريع تطوير البنية التحتية الأخرى أهم، ولكن طهران تضغط على بغداد لتنفيذ هذا المشروع لأن فوائده أعلى بالنسبة للإيرانيين".
ويضيف المتحدث قائلا "كان هذا المشروع على رأس أجندة پزشكيان في لقائه بالسوداني، لأن الإيرانيين يحلمون بهذا المشروع منذ عام 2003، وقال پزشكيان للسوداني إنه سوف يتابع البدء في هذا المشروع بنفسه مع الحكومة العراقية".
ويبرر المسؤول العراقي تردد حكومة السوداني في إنجاز هذا المشروع قائلا لـ"عربي بوست"، "حكومة السوداني لديها خطة لتعزيز العلاقات مع الدول العربية والأردن ومصر، لأن السوداني يرى أن تعزيز العلاقات مع الدول العربية ستكون فوائده أعلى من تعزيز التعاون مع إيران، لكن هذا لا يمنع أن طهران شريك استراتيجي للعراق، لكن حان وقت العمل على إنجازات خاصة بالعراقيين".
وهذا ما أكده سياسي عراقي آخر مقرب من الحكومة العراقية وقال لـ"عربي بوست"، مفضلا عدم الإسناد، "السوداني يرى أن طريق التنمية هو الذي سيحقق فوائد أعلى من خط سكك حديد ربط الشلامجة بالبصرة، بالنسبة للعراق، ولكن تحت الضغط الإيراني سيحاول مسك العصا من المنتصف، وينجز المشروع كمشروع لنقل الركاب فقط مع تجاهل الهدف الإيراني الاستراتيجي من إنجاز هذا المشروع".
طلب الوساطة العراقية
من ضمن الأمور التي ناقشها الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان مع رئيس الوزراء العراقي، كان طلب إيراني محدد ومهم في مسألتين: الأولى هي طلب الوساطة العراقية لدى واشنطن.
وفي هذا الصدد، يقول مسؤول إيراني كان ضمن الوفد الرئاسي الذي زار العراق لـ"عربي بوست"، "پزشكيان طلب من السوداني أن يتوسط لإيران لدى واشنطن في أمرين: الأول التوصل إلى اتفاق مناسب للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية خاصة وسط التوترات الحالية، والثاني هو أن يطلب السوداني من واشنطن إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران، لتتمكن بغداد من دفع ديونها المستحقة لإيران مقابل استيراد الطاقة والتجارة".
ويقول المسؤول الإيراني لـ"عربي بوست"، "يبدو أن السوداني لا يبذل الكثير من الجهد في مسألة دفع الديون العراقية المستحقة لإيران، على عكس الكاظمي الذي استغل علاقاته القوية بالأمريكيين لدفع كافة المستحقات الإيرانية".
جدير بالذكر أن العراق لم يتمكن بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من سداد ثمن واردات الكهرباء والغاز والسلع التجارية لإيران بشكل مباشر، وقد تمكن رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي (2020-2022)، من تنفيذ خطة لطرق بديلة لسداد المستحقات الإيرانية، متجاوزا العقوبات، وقال الكاظمي في يونيو 2022 إن حكومته تمكنت من سداد كافة الديون العراقية المستحقة لإيران.
وبحسب المصادر الإيرانية والعراقية المطلعة على لقاء السوداني بپزشكيان في العاصمة بغداد، فإن الرئيس الإيراني طلب من رئيس الوزراء العراقي الوساطة لإيران في استكمال المفاوضات بين إيران ومصر لاستعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية في أقرب وقت.
وجدير بالذكر أنه في الفترة ما بين 2020 و2022، قام رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بترتيب عدة جولات لتقريب وجهات النظر بين إيران من جانب والسعودية والأردن ومصر من جانب آخر.
في هذا الصدد، يقول المسؤول الحكومي العراقي لـ"عربي بوست"، "عندما زار السوداني مصر في الشهر الماضي، تحدث مع المسؤولين المصريين عن الطلب الإيراني باستكمال مفاوضات استعادة العلاقات، وقد رحب المسؤولون المصريون بهذا الأمر، وفي الاجتماع بين پزشكيان والسوداني، أكد الرئيس الإيراني على رغبته القوية في استعادة العلاقات مع مصر وطلب من السوداني إيصال هذه الرسالة إلى القاهرة لتسريع الأمور بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الإيرانية الأردنية".
الجماعات الكردية الإيرانية المتمردة
كانت مسألة تواجد الجماعات الكردية الإيرانية المتمردة في إقليم كردستان العراق من أبرز القضايا أيضا التي ناقشها الرئيس الإيراني مع رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته الأولى خارج البلاد بعد تنصيبه.
وفي هذا الصدد يقول مسؤول إيراني مطلع على هذا اللقاء لـ"عربي بوست"، "وسط التوتر المتصاعد بين طهران وتل أبيب، تهتم القيادة الإيرانية العليا والحرس الثوري بمسألة الجماعات الكردية المتمردة في كردستان العراق، وتخشى طهران استغلال إسرائيل لهذه المجموعات لتوجيه ضربة للأراضي الإيرانية".
وأضاف المتحدث قائلا "طلب الحرس الثوري من پزشكيان مناقشة هذا الأمر مع السوداني، والتأكيد على تنفيذ الاتفاق الأمني بين طهران وبغداد، بشكل كامل ونزع سلاح كافة هذه المجموعات والتأكيد على عزلهم في مناطق جبلية في كردستان العراق بعيدا عن الحدود الإيرانية".
وفي العام الماضي وقعت كل من بغداد وطهران على اتفاقية تنسيق أمني مشترك لضبط الحدود المشتركة ونزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة والتي تتمركز في إقليم كردستان العراق منذ سنوات طويلة.
وبحسب المصادر الإيرانية المطلعة على هذه الزيارة، فإن هناك تقارير استخباراتية أرسلها الحرس الثوري إلى مسعود پزشكيان الرئيس الإيراني الجديد، تقول إن بعض الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة المتمركزة في الأراضي العراقية لديها أنشطة متزايدة في التعاون مع الموساد في الآونة الأخيرة، لاستخدام مناطق تمركزها ضد إيران في ظل التصعيدات الحالية في الشرق الأوسط.
ويقول سياسي إصلاحي إيراني ومقرب من الحكومة الإيرانية الحالية لـ"عربي بوست"، "پزشكيان يعرف تمام المعرفة الأهمية الاستراتيجية للعراق كجار وحليف لإيران، وجعل العراق الوجهة الأولى لزيارته الخارجية ليس فقط تأكيدا على هذه الأهمية، بل مناورة سياسية ذكية من پزشكيان لإرضاء المعسكرين الإصلاحي والأصولي، ليتمكن من تمرير سياساته الخارجية".
ويضيف المتحدث قائلا "لكن المشكلة التي تواجه پزشكيان في العراق، هي السياسة الغامضة لرئيس الوزراء العراقي، فعلى الرغم من كونه يقود أكثر حكومة متحالفة مع إيران، إلا أنه على ما يبدو غير مهتم بتعزيز العلاقات مع طهران".
وبحسب المصدر السابق، فإن هناك اتجاهين في إيران الآن، اتجاه يرى أنه من المهم الآن تعزيز العلاقة مع رئيس الوزراء العراقي لعدم خسارة العراق والأهمية الاقتصادية التي تمثلها لإيران، والاتجاه الثاني يرى أن طالما السوداني يسمح للجماعات المسلحة الشيعية العراقية بالعمل بحرية في العراق، فلا داعي للقلق.
ويختتم السياسي الإصلاحي الإيراني حديثه ويقول لـ"عربي بوست"، "لابد من إعادة النظر في التعامل الإيراني مع العراق، يبدو السوداني وكأنه ينهي تهمة الارتباط الأعمى بإيران، وهذا سيعرض طهران لخسائر اقتصادية وسياسية، لذلك لابد وأن تعمل حكومة پزشكيان على كسب ثقة الحكومة العراقية، والتعامل معها كشريك استراتيجي، وليس كمنطقة لتوسيع النفوذ وساحة لتصفية الحسابات".