كشفت ملفات سرية اطلعت عليها صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، الثلاثاء 13 أغسطس/آب 2024، أن روسيا دربت قواتها البحرية على استهداف مواقع في عمق أوروبا بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في صراع محتمل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتتضمن خرائط الأهداف البعيدة مثل الساحل الغربي لفرنسا ومدينة بارو إن فورنيس في المملكة المتحدة تفاصيل عرض تقديمي للضباط يسبق الغزو الكامل لأوكرانيا.
وكانت صحيفة فاينانشيال تايمز قد ذكرت في وقت سابق من خلال نفس المجموعة المكونة من 29 ملفاً عسكرياً روسياً سرياً أن موسكو تدربت على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في المراحل الأولى من الصراع مع قوة عالمية كبرى.
وتُظهِر الملفات الأخيرة كيف تصورت روسيا صراعاً مع الغرب يمتد إلى ما هو أبعد من حدودها المباشرة مع حلف الناتو، حيث خططت لشن سلسلة من الضربات الساحقة في مختلف أنحاء أوروبا الغربية. وقد اطلعت الصحيفة البريطانية على الوثائق من مصادر غربية.
وتتضمن الملفات، التي تم إعدادها بين عامي 2008 و2014، قائمة أهداف للصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية تقليدية أو أسلحة نووية تكتيكية. ويسلط المسؤولون الروس الضوء على مزايا استخدام الضربات النووية في مرحلة مبكرة.
وأشارت الملفات أيضاً إلى أن روسيا احتفظت بالقدرة على حمل الأسلحة النووية على السفن السطحية، وهي القدرة التي قال الخبراء إنها تنطوي على مخاطر إضافية كبيرة للتصعيد.
وأوضحت الملفات أن "القدرة العالية على المناورة" التي تتمتع بها البحرية تسمح لها بتنفيذ "ضربات مفاجئة واستباقية" و"ضربات صاروخية ضخمة… من اتجاهات مختلفة". وأضافت أن الأسلحة النووية "كقاعدة عامة" مخصصة للاستخدام "بالاشتراك مع وسائل تدمير أخرى" لتحقيق أهداف روسيا.
وقال المحللون الذين راجعوا الملفات إنها تتفق مع كيفية تقييم حلف الناتو للتهديد المتمثل في ضربات الصواريخ بعيدة المدى من قبل البحرية الروسية والسرعة التي قد تلجأ بها روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية.
وتوضح الخرائط، التي تم إعدادها لأغراض تقديمية وليس للاستخدام العملي، عينة من 32 هدفاً لحلف الناتو في أوروبا بالنسبة للأساطيل البحرية الروسية.
ونقلت فاينانشيال تايمز عن ويليام ألبرك، المسؤول السابق في حلف الناتو، قوله إن العينة كانت جزءاً صغيراً من "مئات، إن لم يكن آلاف، الأهداف التي تم رسمها في مختلف أنحاء أوروبا… بما في ذلك الأهداف العسكرية والبنية التحتية الحيوية".
وقال محللون ومسؤولون سابقون إن قدرة روسيا على توجيه ضربات عبر أوروبا تعني أن الأهداف في جميع أنحاء القارة سوف تكون معرضة للخطر بمجرد اشتباك جيشها مع قوات حلف الناتو في الدول الواقعة في الخطوط الأمامية مثل دول البلطيق وبولندا.
وأضاف: "إنهم يرون هذه الأشياء [الرؤوس الحربية النووية التكتيكية] كأسلحة محتملة للفوز بالحرب. وسوف يرغبون في استخدامها بسرعة كبيرة".
وبحسب فاينانشيال تايمز، فقد لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً إلى التهديدات ضد حلفاء أوكرانيا الأوروبيين لدرء الدعم العسكري الغربي لكييف. وقال في مايو/أيار: "إنهم بحاجة إلى أن يتذكروا أنهم دول صغيرة ذات كثافة سكانية عالية".
كما أشار العرض التقديمي إلى خيار ما يسمى بالضربة التجريبية، ويقصد بها تفجير سلاح نووي في منطقة نائية "في فترة التهديد المباشر بالعدوان" قبل الصراع الفعلي لتخويف الدول الغربية. فيما لم تعترف روسيا قط بأن مثل هذه الضربات موجودة في عقيدتها.
وتقول الملفات إن الأولوية القصوى لروسيا في الصراع مع حلف الناتو هي "إضعاف الإمكانات العسكرية والاقتصادية للعدو". وقال المحللون إن هذا يعني أن روسيا ستضرب مواقع مدنية وبنية تحتية حيوية، كما فعلت في أوكرانيا.
وقال فابيان هوفمان، الباحث في جامعة أوسلو الذي يدرس السياسة النووية، إن الجمع بين الضربات النووية والتقليدية الموضحة في العرض التقديمي يشكل "حزمة واحدة للإشارة إلى الخصم بأن الأمور تشتعل الآن حقاً. وسيكون من الحكمة أن تبدأ في التحدث إلينا حول كيفية تسوية هذا الأمر".
وكانت صحيفة فاينانشيال تايمز ذكرت سابقاً أن الدول الأعضاء في الناتو لديها أقل من 5% من قدرات الدفاع الجوي اللازمة لحماية الجناح الشرقي للحلف ضد هجوم واسع النطاق من روسيا.
يأتي ذلك بينما تخوض القوات الروسية يومها الثامن من المعارك ضد أكبر توغل أوكراني يحرج الرئيس بوتين منذ عامين على الحرب، وسط تساؤلات حول أهداف العملية الأوكرانية، ومدى قدرتها على الاستمرار.