تسعى فرنسا مجددًا لتأكيد دورها في الشأن اللبناني عبر زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت، والذي أجرى مباحثات مكثفة استمرت لمدة ثلاثة أيام بغية إيجاد حل للأزمة الرئاسية الراهنة.
وصل لودريان وسط توترات على الساحة اللبنانية، خاصة في جنوب لبنان حيث المواجهات بين حزب الله وإسرائيل، وبحث خلال تواجده عن مرشح رئاسي ثالث يلقى تأييدًا عريضًا بموجب معايير محددة تم الاتفاق عليها خلال اجتماع لجنة الخماسية في الدوحة في يوليو/ تموز 2023.
ووفقًا للمعلومات فإن الموفد الفرنسي خرج بانطباعات أكثر سوداوية من المرات السابقة، خاصة أن الأطراف الأساسية المعنية بالملف، أي حزب الله من جهة والأحزاب المسيحية مجتمعة من جهة ثانية لا تزال على مواقفها، باستثناء بعض الانفراجات والاتصالات الحاصلة في الكواليس.
مرشح ثالث بمعايير الخماسية
أفاد مصدر حكومي لبناني لـ"عربي بوست" بأن لودريان استعرض خلال لقاءاته مع الفصائل السياسية اللبنانية الرغبة في التوصل إلى توافق حول شخصية رئاسية جديدة تحظى بثقة الأطراف المسيحية والثنائي الشيعي. لكن، بحسب المعلومات، فإن الأطراف المعنية بقيت على مواقفها ولم تظهر استعدادًا للتراجع.
فوفقًا لمصدر حكومي لبناني رفيع أكد لـ"عربي بوست" أن لودريان انطلق من معيار جديد، وهو الذهاب لمرشح رئاسي ثالث وفق مواصفات أقرت في اجتماع اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة وقطر والسعودية ومصر وفرنسا) والذي انعقد في يوليو/ تموز 2023 في العاصمة القطرية الدوحة، والتي تحدثت عن شخصية رئاسية توافقية وإصلاحية.
وبحسب المصدر، فإن لودريان أكد في كل لقاءاته مع الأطراف السياسية اللبنانية على أن اللجنة الخماسية تريد خيارًا رئاسيًا جديدًا تتوافق عليه الأطراف المسيحية من جهة، ويحظى بثقة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) الأمر الذي خلق حاجزًا في الحوار مع حزب الله.
وبحسب المصدر فإن لودريان كان لأول مرة واضحًا مع قيادة حزب الله التي التقاها أن فرنسا ومعها السعودية وقطر وصلت لقناعة واضحة أنه بات من المستحيل السير نحو مرشح حزب الله والنظام السوري سليمان فرنجية أو مرشح قوى المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور، وأنه صار ضروريًا البحث عن الخيار الثالث.
ويؤكد المصدر أن لودريان وخلال لقائه بالمرشح الرئاسي سليمان فرنجية سأله عن وجود إمكانية انسحابه لصالح مرشح توافقي يستطيع تأمين إجماع أكبر، والتوافق على مرشح مع قوى المعارضة.
فيما كان موقف فرنجية – بحسب المعلومات – أن حزب الله سيعمل عقب انتهاء الحرب في غزة على خلق جو توافقي واسع أولًا مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وبعض الحلفاء والمستقلين والنواب السنة على ترشيحه، الأمر الذي خلق انطباع لدى الموفد الفرنسي أن هناك انفصالًا عن الواقع لدى فرنجية.
الثنائي الشيعي: لا تخلي عن فرنجية ولا حوار دون بري
بالتوازي، اعتبر مصدر قيادي في الثنائي الشيعي لـ "عربي بوست" أن لودريان ارتكب أخطاء جسيمة في زيارته الأخيرة وهي تعبر عن حجم التخبط الفرنسي في التعاطي مع الملف اللبناني.
ووفقًا للمصدر فإن أبرز الأخطاء التي ارتكبها الموفد الفرنسي هي التماهي مع القوى السياسية الرافضة للحوار الداخلي التي كان قد دعا لها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهذا يترتب عليه أزمات متلاحقة.
وأشار المصدر إلى أن لودريان عرض أمام حزب الله وحركة أمل الاستعاضة عن حوار وطني شامل تحت قبة البرلمان باعتماد خيار اللقاءات الثنائية أو الثلاثية برعاية فرنسية، لأنه بات يعتبر أن الحوار الوطني مرفوض من قبل جهات لبنانية كثيرة، وتحديدًا حزب القوات اللبنانية المسيحي.
وبحسب المصدر، فإن قيادتي حزب الله وحركة أمل أبلغت لودريان موقفها السياسي القائم على التالي:
أولًا: أن حزب الله مصر حتى هذه اللحظة هو وحلفاؤه بتبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو متمسك به اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا يعتقد بوجود أي سبب لسحب هذا الترشيح أو دعم خيار رئاسي آخر لا يطمئنه ويبدد هواجسه وترشيحه لفرنجية مستمر طالما أن الرجل لم ينسحب من السباق.
ثانيًا: وردًا على فكرة إلغاء الحوار واستبداله بجلسات تشاور ثنائية لا يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، فإن حزب الله وحركة أمل لن يشاركا في أي حوار لا يدعو إليه بري ويكون برئاسته، وأن المشاورات الثنائية جارية بين كل الأطراف بعيدًا عن الإعلام ولا تحتاج لتظهيرها طالما أن الفرصة غير مواتية.
ثالثًا: فإن الثنائي لا يزال يعول على أدوار مختلفة من أعضاء اللجنة الخماسية، وتحديدًا مصر وقطر، اللتين تلعبان دور إيجابي بالدفع نحو الحوار الوطني وعدم فرض الوقائع على الأطراف الداخلية.
رابعًا: يعتبر المصدر أن لودريان حاول تسويق فكرة أن حزب الله يسعى لتأخير الاستحقاق الرئاسي ربطًا بمسار الحرب الحاصلة في قطاع غزة، لكن الحقيقة أن الحزب والحركة لا يربطان مصير الرئاسة بملف الحرب مع إسرائيل على الإطلاق، وأن هذا الكلام عبر عنه أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة، ويقوله قادة الحزب لكل الموفدين العرب والأجانب.
التعويل على الدور الأميركي؟
يعتبر المحلل السياسي اللبناني إبراهيم ريحان أن فرنسا لا تزال مصرة على إثبات حضورها على الساحة اللبنانية، وهي تريد ربط أي حل سياسي في لبنان عبرها لتكريس حضورها وخاصة في ظل تقدم دور أطراف أخرى وتحديدًا الدور القطري.
ويعتقد ريحان أن زيارة لودريان الأخيرة أتت بعد شعور الفرنسيين بإمكانية انتفاء دور الخماسية وأن تتحول دولها للعمل بشكل ثنائي أو ثلاثي، معتبراً أنه ليس من الصدفة أن تأتي زيارة لودريان المفاجئة بعد الاتصال الذي حصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والتي تعتبر – وفق ريحان – استنجادًا فرنسيًا بالسعودية لإنقاذ عمل الخماسية وخاصة أن اللجنة شكلت لفترة معينة غطاء للتحركات الفرنسية، وهذا الأمر كان يترجم بأن يتحدث لودريان باسم اللجنة الخماسية. فيما هناك جهات داخل المجموعة ترفض اعتبار لودريان يتحدث باسمها.
بالمقابل يؤكد مصدر قيادي في المعارضة اللبنانية أن التعويل الحقيقي على ما سيقوم به المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، على اعتبار أن الملف الرئاسي لن يتحرك إلا لحظة انتهاء الحرب في غزة وبعدها سيتوجه هوكشتاين إلى لبنان، لمباشرة المساعي وفق المقترح الذي تقدم به والذي وخلال لقاء أجراه مع مركز كارنيجي للدراسات أشار فيه إلى أنه سيكون على ثلاث مراحل، ومن بعدها سيبدأ النقاش الرئاسي.
ويشير المصدر إلى أن قوى المعارضة باتت تعتقد أن أي حل مستقبلي للرئاسة والحكومة والاستقرار الداخلي بات مترابطًا بسياقات داخلية وخارجية لا يمكن لفرنسا تحقيقها، وهذا المسار يحتاج لتفاهمات بين الولايات المتحدة وإيران والسعودية وقطر، وهذا السياق مرتبط بوقف الحرب في غزة وانتهاء الانتخابات الرئاسية في إيران أولًا وفي الولايات المتحدة ثانيًا، لذلك فإن زيارة لودريان هي ليست بحسب المصدر سوى "ملء للوقت الضائع".
التشاور في الدوحة؟
في إطار متصل كان لافتًا حالة التشاور التي تقودها دولة قطر مع الأطراف السياسية اللبنانية، عبر استقبال القيادات اللبنانية، وآخرها استقبال أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إضافة للقاءات الحاصلة في الدوحة مع ممثلي حركة أمل والتيار الوطني الحر.
وبحسب المعلومات فإن الدوحة ستستقبل تباعًا بهدف التشاور الداخلي رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ووفدًا من حزب القوات اللبنانية خلال الشهر الحالي، إضافة لاستقبال وفود من كتلة الاعتدال الوطني (قدامى تيار المستقبل) والنائب إبراهيم منيمنة عن قوى التغيير.