"حصيلة الأصناف في الصيدليات علبة واحدة من كل نوع دواء، وعشرات الصيدليات باتت عرضة للإغلاق، والصيدلي بات لا يجد تكاليف إيجار صيدليته"، هكذا لخص الدكتور الصيدلي قاسم عبد الحميد، صاحب إحدى الصيدليات بمحافظة الجيزة، جنوبي العاصمة المصرية القاهرة، أزمة نقص الدواء في مصر والخلاف الدائر بين الحكومة وشركات إنتاج الأدوية حول تسعير الدواء، وتأثير ذلك على الصناعة والمواطن في نفس الوقت.
أجمع متخصصون وأصحاب صيدليات في مصر على أن أزمة نقص الأدوية في السوق المصرية والتي وصلت إلى أكثر من ألف صنف، تحتاج إلى قرار سياسي جذري لوقف ما يحدث في سوق صناعة الدواء من توقف لعملية التصنيع وبالتالي يؤثر ذلك على حجم تواجد الأدوية في السوق المصري، ما يدفع ثمنه في النهاية المواطن المصري الذي يفشل في الحصول على الدواء لعلاج أمراضه، وهو ما يعرضه لتداعيات خطيرة بعد ذلك.
تتزايد أزمة نقص الأدوية في مصر، وتتبادل كافة الأطراف من هيئة الدواء والغرفة التجارية والصيادلة وكذلك الحكومة الاتهامات حول مسؤولية كل طرف عما يحدث. في هذا التقرير نسلط الضوء على مشكلة نقص مئات الأصناف من الأدوية في مصر ونتتبع تطوراتها ونكشف من المسؤول الحقيقي عن الأزمة.
في هذا التقرير نرصد من خلال النقاش مع متخصصين ومسؤولين تفاصيل أزمة نقص الأدوية في مصر وطبيعة الخلاف بين الحكومة وبين شركات الأدوية حول تسعير أصناف الدواء وما هو السقف الزمني لانتهاء الأزمة ومصير سوق الدواء في مصر.
ما الذي يحدث في سوق الدواء في مصر؟
استيقظ المواطن المصري على غياب مئات الأصناف من الأدوية في السوق المصري، حتى إن أدوية الكحة والبرد تواجه شحاً كبيراً في الصيدليات، فضلاً عن أدوية الأمراض المزمنة كالقلب والكبد والسرطان، بالإضافة إلى أدوية المضاد الحيوي، وأدوية المناعة والدم والسكر وبعض أدوية الأورام والقرنية وفرط الحركة أو التصلب المتعدد، ورغم وجود ما يزيد على 166 شركة ومصنع في مصر تقوم بإنتاج الأدوية إلا أن السوق المصري أصيب بـ"الشلل"، وبات البحث عن صنف من أصناف الدواء من مستلزمات الحياة اليومية في مصر.
غياب الأدوية من الصيدليات وصفها الدكتور قاسم عبد الحميد، وهو صاحب صيدلية في محافظة الجيزة، في تصريحاته لـ"عربي بوست" بـ"المشكلة غير القابلة للحل"، وشرح ذلك بالقول إن كل الأطراف تلقي باللوم على بعضها، مشيراً إلى أن عشرات الصيدليات باتت مهددة بالإغلاق بسبب عدم وجود أدوية، وبالتالي عدم قدرة أصحابها من الصيادلة على الوفاء بأي التزامات مالية تخصها مثل أقساط الأدوية أو إيجار الصيدلية الذي أصبح مرتفعاً في ظل حالتي التضخم والتعويم اللذين شهدهما الجنيه في الفترة الماضية.
نقابة صيادلة القاهرة أقرت كذلك الأزمة، وفق تأكيد الدكتور محفوظ رمزي رئيس لجنة التصنيع الدوائي في نقابة صيادلة القاهرة، وقوله إن هناك مشكلة في صناعة الدواء في مصر وهناك أزمة واختفاء مجموعات كاملة من الأدوية بسبب قلة الإنتاج والتصنيع، لارتفاع تكلفة التصنيع على الشركات.
وأوضح رمزي أن الشركات أرسلت قائمة بالأدوية لزيادة تسعير الدواء إلى هيئة الدواء لكي يتم مناقشة الأمور، ويتم تحديد سعر الدواء للجمهور من خلال وضع كافة الأمور على ما يسمى الميزان، ليتم معرفة السعر المقرر البيع به الأدوية للجمهور، مشدداً على أنه كان يطالب بكتابة البديل العلمي والاسم العلمي للدواء منذ شهر ولكن هناك أزمة حالياً في المادة الفعالة.
الأزمة وصلت البرلمان المصري، حيث ناقشت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، عدداً من طلبات الإحاطة المقدمة من الأعضاء بشأن أزمة نقص الأدوية ما يزيد على ألف صنف من الأدوية من السوق المصري، وحينها قال الدكتور أشرف حاتم، رئيس اللجنة، إن 40% من الأدوية المصرية بها نقص في السوق المصري، والسبب في الأزمة أن المواد الخام يتم استيرادها من الخارج، مشيراً إلى أن الإشكالية حالياً ليست فقط في أسعار الدواء، ولكن في عدم توافره.
نقص الخامات وضرورة إعادة تسعير الدواء هي المشكلة التي أثارها من تحدثنا معهم، وهي المشكلة التي تناولها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في اجتماعه بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة، مع ممثلي قطاع الدواء في مصر (حكومة وقطاع خاص)، قبيل أيام، وقد قال الدكتور ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء، إن مدبولي عقد اجتماعاً لتذليل كافة العقبات فى ملف سوق الدواء، مؤكداً: "أننا كسرنا حاجز المليار ونصف دولار في تصدير المستحضرات الطبية للخارج".
كان الدكتور مصطفى مدبولي، أكد لممثلي قطاع الدواء في مصر أن اجتماعه معهم "بهدف الاستماع إلى مطالبكم وآرائكم بشأن دعم هذه الصناعة المهمة ودفع التصدير والعمل على زيادته"، متابعاً: "ندرك أن قطاع الدواء تواجهه تحديات والحكومة ستعمل جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص على تذليل أي عقبة تواجه القطاع، وسنواجه معاً أي مشكلة ونعمل على حلها".
إصرار رسمي على التدخل في سعر الدواء
أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق أحمد رامي الحوفي يحلل الأزمة ويكشف بعض الجوانب الأخرى لها، وذلك في تصريحات لـ"عربي بوست"، حيث قال إن هناك عوامل كثيرة ساهمت في غياب مئات الأصناف من الأدوية من السوق المصري، يأتي على رأسها أزمة تسعير الدواء، مشيراً إلى أن الدواء من السلع التي تصر الدولة على التدخل في تحديد سعرها وهو ما يسبب أزمة كبيرة.
رامي الحوفي شرح وجهة نظره بالقول إن الدولة حين تقوم بتسعير الدواء، تقوم شركات الدواء في مصر بتقييم اسعار الدولة المصرية للأدوية، وتقارن بينها وبين أسعار الدواء عالمياً وكذلك أسعار المواد الخام، وفي حال وجدت الشركات أن هذه الأسعار المفروضة عليها من الدولة، غير مناسبة "لا تسمح بهامش ربح جيد" تقوم الشركات بوقف إنتاج هذه الأصناف.
أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق قال كذلك إن هناك عاملاً آخر يزيد من أزمة الأدوية في مصر، وهو تهريب الدواء إلى السودان بعد توقف كافة مصانع وشركات الأدوية في السودان بسبب الحرب المستمرة منذ عام، مشيراً إلى أن هناك العديد من شركات الأدوية في مصر تقوم بفتح فروع لها في أسوان ويكون الهدف الرئيس من ذلك هو تسهيل إدخال الأدوية إلى السودان من خلال عمليات تهريب بعيداً عن رقابة الدولة، على حد قوله.
أشار كذلك إلى أن أزمة الدولار في مصر شكلت عبئاً كبيراً على صناعة الدواء في مصر، وأن الكثير من الشركات تقوم بالبحث عن أسواق أخرى تبيع فيها منتجاتها من أجل توفير الدولار الذي تحتاج إليه من أجل شراء المواد الخام من الدول الأوروبية ومن أمريكا.
المخازن جزء من الأزمة
لكن الدكتور قاسم عبد الحميد صاحب صيدلية في محافظة الجيزة، يكشف في تصريحات لـ"عربي بوست" أن مخازن الأدوية في مصر أحد الأسباب الكبيرة للأزمة الحالية، ويشرح كلامه بالقول إنه كان في السنوات الماضية يحصل على الأدوية من مخزن الدواء بنسبة تزيد على الـ 35%، وهي نسبة كانت تسمح بهامش مكسب كبير للصيدليات، لكن في الوقت الحالي تقوم المخازن بتزويد الصيدليات بالأدوية بنسبة خصم لا تزيد على 3% بل تكون في بعض الأحيان 0%، وهو ما ينسف معه أي مكسب متوقع للصيدليات. وقد زودنا الدكتور قاسم عبد الحميد بفاتورة شراء من أحد المخازن في الجيزة وقد أخفى اسم المخزن حفاظاً على "سرية بيانات مصادره"، تظهر بالفعل نسب الخصومات التي حصل عليها من شرائه أدوية، وقد ظهر أن نسبة الخصومات تتراوح بين 3% وصفر %.
أوضح أن المخازن تتحكم في الصيدليات بشكل فعلي، إذ تلجأ الشركات إلى بيع دوائها إلى المخازن التي تدفع المقابل المادي بشكل فوري، في حين تعجز الصيدليات عن دفع ثمن الأدوية بشكل عاجل وتطلب من الشركات الدفع بالأجل، وهو ما ترفضه شركات توزيع الدواء ومن ثم يكون البديل هو ضخ الأدوية للمخازن، وبالتالي تقوم المخازن بالتحكم في سوق الدواء في مصر ما أضر بالصيدليات بشكل كبير.
إذ قال إن الصيدليات عاجزة الآن عن توفير الأدوية إما بسبب عدم وجودها في السوق أو عدم قدرتها على توفير سيولة مالية كبيرة تؤهلها لشراء أدوية بنظام العاجل من الشركات التي تقوم بتوزيع الأدوية، مشيراً إلى أن هناك عشرات الصيدليات معروضة للبيع في محافظة الجيزة بسبب عجز أصحابها عن تشغيلها بسبب أزمة نقص الدواء في السوق المصري في الوقت الحالي.
أشار قاسم عبدالحميد إلى أن المواطن هو ضحية العناد بين الشركات والحكومة، في ظل تمسك كل طرف بموقفه من تسعير الدواء، إذ يشير إلى أن الشركات تريد تسعير الدواء بأسعار جديدة، من أجل مواجهة ارتفاع أسعار المواد الخام وكذلك نقص السيولة الدولارية في السوق المصري، في حين تعجز الحكومة توفير هذه السيولة الدولارية ما يضرب صناعة الدواء في مصر في مقتل.
ألمح في حديثه إلى مسؤولية بعض الجاليات في مصر عن جزء من الأزمة في سوق الأدوية، وهو نفس ما أكده مختصون آخرون تكلم معهم "عربي بوست"، إذ قال الصيدلي المصري إن هناك حالة واضحة من تهريب الدواء في مصر تتم إلى دول مجاورة مثل السودان التي توقف فيها إنتاج الدواء بالكامل بسبب الحرب ما أدى إلى وقف كافة المصانع والشركات التي تنتج الدواء.
كما قال كذلك إن الصيدليات لم يعد بها دواء فكل صنف يتوفر له في الصيدليات علبة واحدة وباقي الأصناف غير موجودة، مشيراً إلى أن شركات الدواء لديها سيولة دولارية ضخمة لكن في حساباتها البنكية بالخارج وترفض استدعاءها لدفع المبالغ المطلوبة للإفراج عن المواد الخام من الموانئ المصرية، لأنه يخشى على أمواله في السوق المصري ويخشى المجازفة بها في ظل عدم وجود أي سيولة دولارية في البلاد، فيخشى ضخ أمواله دون أن يستطيع تحصيل مثلها بالدولار مرة أخرى.
لا بدَّ من "تعويم" أسعار الدواء!
أما الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، فله وجهة نظر أخرى، فهو يرى أن الأزمة الحقيقية التي تتعلق بنقص حوالي ألف صنف من الأدوية في مصر هي بسبب التسعيرة الجبرية التي تقوم بها الحكومة، مؤكداً على ضرورة أن تقوم الحكومة بإلغاء التسعيرة الجبرية للأدوية وترك السوق للشركات التي تقوم بإنتاج الدواء لتحديد الأسعار المناسبة، لأن التسعيرة الجبرية تسبب خسائر كبيرة للشركات في ظل تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، ويشرح وجهة نظره بالقول إن شركات الأدوية تحصل على الدولار بالسعر الرسمي (1 دولار = 30.85 جنيه)، لتوفير المواد الخام، في حين تلجأ إلى السوق السوداء لتدبير جزء من الاحتياجات اللازمة لشراء باقي مستلزمات الإنتاج، قبل أن يجري تحرير سعر الصرف ليصل اليوم إلى مستوى (1 دولار = 46.8 جنيه)، وهو ما يسبب خسارة كبيرة للشركات.
وحين سؤاله حول خطورة إلغاء التسعيرة الجبرية، وأن ذلك سوف يصنع فوضى في سوق الأدوية وهو ما يؤثر على صحة المواطن الفقير الذي لن يستطيع توفير ثمن الدواء، قال علي عوف لـ"عربي بوست" إنه يجب أن تكون هناك آلية لضبط السوق، فلا يتم تركه بشكل نهائي للشركات، ولا يجب أن تظل التسعيرة الجبرية بشكلها الحالي.
دافع علي عوف عن وجهة نظر الشركات التي تطالب بتسعير الأدوية من جديد بسبب تضارب أسعار الدولار، مشيراً إلى أن الصناعة باتت مكلفة، وأضاف: "إحنا أعلى صناعة مكلفة في مصر وأكفأ صناعة، وبالتالي يجب دعم صناعة الدواء في مصر"؛ لأن عدم دعم الصناعة يتسبب في تآكل رأس مال الشركات بسبب أزمة الدولار والفوارق الكبيرة في أسعار الدولار مقارنة بالجنيه المصري.
وبخصوص هروب بعض الشركات أو تحركها إلى أسواق أخرى بحثاً عن توفير السيولة الدولارية بسبب الأوضاع في مصر، قال علي عوف لـ"عربي بوست"، إن المستثمر دائماً يبحث عن التسهيلات الاستثمارية وهو ما توفره دولة مثل السعودية على سبيل المثال للشركات، مشيراً إلى أن الشركات المصرية ذهبت إلى السعودية لإنتاج الدواء المصري وبيعه، ومن ثم تصديره بفارق سعري كبير مقارنةً بسعر نفس الدواء داخل السوق المصري.
مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الشركات بذهابها إلى أسواق أخرى مثل السعودية تنجح في توفير سيولة دولارية كبيرة لها، تستخدمها داخل مصر لاستيراد المواد الخام، وهو ما لن تستطيع توفيره داخل مصر، فضلاً عن أنه يستطيع بسهولة شراء الدولار من أي مكان في السعودية على عكس الوضع في مصر.
ولم ينفِ علي عوف مسؤولية "التهريب" عن أحداث جزء من الأزمة في مصر، مشيراً إلى أن دولاً مجاورة مثل السودان تستحوذ على جزء من الأدوية المصرية عن طريق التهريب بسبب الحرب التي أوقفت المصانع والشركات عن إنتاج الدواء.
جدير بالذكر أن شركة "إيفا فارما" كانت قد وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2023 اتفاقية شراكة مع وزارة الاستثمار السعودية لدعم قطاع الصناعات الدوائية في المملكة، وقد تم تخصيص أرض صناعية مساحتها ٥٠,٥١٧ متراً مربعاً تقع في مدينة سُدير للصناعة والأعمال في السعودية، بغرض بناء مجمع صناعي متطوّر للأبحاث والتصنيع الدوائي في المملكة.
تستهدف الاتفاقية إنشاء مجمع صناعي متطور ومتكامل، سيخدم مجموعة متنوعة من المجالات العلاجية، مع خطط لإطلاق أكثر من 150 منتجاً دوائياً يغطي مجالات الأدوية الحيوية واللقاحات ومثبطات المناعة وعلاجات الأورام التي تتطلب تقنيات حديثة.
في الوقت نفسه، فقد أعلنت شركة فاركو المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 توقيع اتفاق مع صندوق التنمية الصناعية السعودي لتمويل 60% من مدينة الدواء التي تنفذها الشركة في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية بالتعاون مع مجموعة العجلان، باستثمارات تصل إلى 150 مليون دولار.
كذلك فقد قالت شركة ايبيكس فارما المصرية إنها تعتزم استثمار نحو 4 مليارات جنيه (486 مليون ريال) في مصنعي أدوية بالسعودية ومصر خلال عام 2024 وأوضح رئيس "أيبكس فارما" أن شركته تستهدف افتتاح مصنعها الجديد في المملكة، منتصف عام 2024.
بخصوص مقترحه لحل الأزمة، كشف الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، عن تفاصيل مقترح يجري دراسته بشأن تشكيل لجنة دائمة للنظر في تسعير الأدوية كل 6 أشهر، وقال عوف إنه جرى طرح هذا المقترح خلال اجتماع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع ممثلي قطاع الدواء، مضيفاً أنه من المنتظر أن يجري تشكيل اللجنة خلال الأيام المقبلة، بحيث تعقد اجتماعاتها كل 6 شهور لمراجعة أسعار الدواء وفق متغيرات الوضع الاقتصادي.
الشركات "تبتز" الحكومة المصرية
في المقابل، وفي وجهة نظر أخرى، يتهم الدكتور حاتم البدوي، سكرتير شعبة الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية، الشركات المصرية بـ"ابتزاز" الحكومة وتشكيلها لـ"لوبي ضاغط" على السلطة التنفيذية لإجبارها على زيادة أسعار الدواء لتحقيق مكاسب مالية ضخمة دون الاعتبار لحاجة المواطن الفقير، وذلك في تصريحاته لـ"عربي بوست".
يقول حاتم البدوي إن الدواء في مصر يتم تسعيره بالتسعيرة الجبرية، وهو أمر متعارف عليه منذ الخمسينات، لكن الشركات حسب قوله "بدأت في التوغل وسعت لمزيد من زيادة الأسعار"، خاصة بعد أزمة سعر الصرف، وذلك رغم استجابة الدولة لذلك، وقيامها بتحريك أسعار الأدوية أكثر من مرة بعد انهيار الجنيه المصري في السنوات الماضية مقابل الدولار.
البدوي أشار إلى أن الواقع بات "غير طبيعي"، فالشركات بدأت في الضغط بشكل أكبر على الحكومة، بل لجأت إلى "تعطيش السوق" بمنع الأدوية من السوق، ووقف إنتاج عشرات الأصناف، وقامت بتشكيل لوبي ضاغط ضد الحكومة، وبالتالي بات السوق بلا دواء، على حد قوله.
جدير بالذكر أن هيئة الدواء المصرية قد قالت في وقت سابق إن البنية التحتية بقطاع الدواء المصرى شهدت تطوراً ملحوظاً، حيث وصل عدد مصانع الأدوية المرخصة 179 مصنعاً بإجمالى 799 خط إنتاج، مقارنة بحوالي 130 مصنعاً بإجمالى 500 خط إنتاج في عام 2014، بزيادة تصل إلى 50 مصنعاً و300 خط إنتاج، بمعدل نمو 37% و60% على الترتيب، وهى تمثل خطوطاً إنتاجية متخصصة تعكس نمو السوق الدوائي المصري؛ وبما يتواكب مع المستجدات العالمية.
في حين بلغت مشتريات المصريين من الأدوية المباعة عبر الصيدليات 142.7 مليار جنيه، خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2022 إلى سبتمبر/أيلول 2023، بزيادة تتجاوز 18%، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق له، وفقاً لبيانات صادرة عن مؤسسة "آي كيوفيا" المعنية برصد مبيعات سوق الدواء المصرية فيما قال مصدر مطلع إن توقعات مبيعات الدواء هي 142 مليار جنيه خلال 2024.
يرى البدوي أن السوق المصري يسع الجميع ويساعد الشركات على تحقيق مكاسب ضخمة، فهو سوق ضخم، ومن ثم يطالب الجهة التنفيذية بوضع حد لتجاوزات الشركات، متسائلاً: لماذا تلجأ الشركات إلى زيادة أسعار الأدوية القديمة؟ وهي الأدوية التي يتم بيعها في السوق منذ سنوات، مشيراً إلى أن الشركات تستغل الوضع في مصر وتقوم بزيادة كل أنواع الأدوية، القديمة والجديدة، لتحقيق مكاسب ضخمة.
مشيراً إلى أن الصيدلي بات ضحية لتجاوزات الشركات في السوق المصري؛ إذ أوضح ذلك بقوله إن الصيدلي حسب قانون رسمي، ملزم ببيع الدواء القديم بسعره القديم، والدواء الجديد بسعره الجديد، وبالتالي فهذه التسعيرة المختلفة للأدوية تسبب خسائر للصيدليات بشكل كبير.
يتفق البدوي مع الرأي القائل إن المخازن التي تقوم بالاتجار في الأدوية "صنعت أزمة وأساءت التصرف في العمل"، ويشرح ذلك بالقول إن المخازن تتحرك بشكل سيئ في السوق، تحاول تحقيق مكاسب سريعة من خلال الحصول على كل نسبة الخصومات من شركات التوزيع، ثم تبيع الأدوية للصيدليات بدون أي نسب خصومات، وتتعلل في ذلك بأنها تبيع للصيدلي بنظام الأجل، وبالتالي لا يحق للصيدلي أن يطلب خصومات على الأدوية؛ ما يعرض الصيادلة لخسائر كبيرة.
من جانبه يرى محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن البلاد مقبلة على مرحلة شح في الأدوية، وأن المصريين باتوا يلجأون إلى شراء الأدوية من خارج مصر، مشيراً إلى أن اتحاد الصناعات الذي يمثل 166 شركة ومصنعاً لإنتاج الأدوية قابل رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في الأيام الماضية من أجل بحث أزمة تسعير الأدوية، ولكن لم يتم الوصول إلى حل نهائي وجذري.
يقول محمود فؤاد إن الشركات بالفعل تحتاج لاعتمادات دولارية من أجل القدرة على إخراج ما تحتاج إليه من مواد خام، تم حجزها في الموانئ المصرية في الشهور الماضية، وبالتالي تضغط على الحكومة لزيادة أسعار الأدوية، لكنه يرى أن حل الأزمة ليس في الهروب إلى زيادة أسعار الأدوية كل فترة؛ لأن ذلك يلقي بأعباء ثقيلة على المواطن المصري.