أحدث إعلان كل من إسبانيا والنرويج وأيرلندا هزة لدى الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح، عندما قررت هذه الدول الأوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبدا هذا الموقف مخالفاً للموقف الأمريكي بشكل صريح، والذي يرى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يكون نتيجة اتفاق بين الطرفين، وليس من طرف واحد.
لكن البيت الأبيض لم يكن سعيداً بهذا الإعلان، إلا أنه في نفس الوقت لم يكن مفاجئاً له، فبحسب ما كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية فإن محادثات جرت بين بعض المسؤولين الأوروبيين وإدارة بايدن، قبل إعلانهم الاعتراف بدولة فلسطين، بهدف تجنب إثارة غضب البيت الأبيض.
كواليس المحادثات التي جرت مع البيت الأبيض
في المناقشات الخاصة، التي كشفت عنها الصحيفة الأمريكية، قال مسؤول أيرلندي كبير: "على الرغم من عدم موافقة إدارة بايدن على هذه الخطوة، إلا أنهم يتفهمون سبب اتخاذنا لهذه الخطوة الآن، ويبدو أنهم قبلوها كتطور لا مفر منه".
وقال المسؤول، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته: "لم تكن هناك معارضة حقيقية".
وترى الصحيفة الأمريكية أن حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، بدأوا يتخذون مثل هذه المواقف، في محاولة منهم لتحقيق التوازن بين مصالحهم السياسية في الداخل، ورغبتهم في تجنب المزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط، غير متناسين في الوقت ذلك علاقاتهم مع الولايات المتحدة الحليف الوثيق للاحتلال الإسرائيلي.
في الوقت ذاته أكد مسؤول أمريكي مطلع على المناقشات، أن واشنطن أوضحت للدول الثلاث أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يكون مفيداً.
ومع ذلك، تعتقد الإدارة -أو على الأقل تأمل- أن الخطوة التي اتخذتها إسبانيا والنرويج وأيرلندا لن تؤدي إلى زيادة كبيرة في التوترات العالمية بشأن الحرب في غزة.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة: "نعتبر هذا حقيقة لا مفر منها في السياسة الإسبانية والأيرلندية، والنرويج لديها أسباب خاصة بسبب [اتفاقيات أوسلو]"، التي وُقعت على أراضيها.
وكانت دبلن مصممة على اتخاذ هذه الخطوة دون الإضرار بعلاقاتها القوية عادة مع السياسيين الأمريكيين، وخاصة البيت الأبيض في عهد بايدن.
ونتيجة لذلك، حرص دبلوماسيو وزارة الخارجية الأيرلندية على إطلاع نظرائهم الأمريكيين في وزارة الخارجية أولاً بأول على كل محادثة أجراها الأيرلنديون مع الحكومات الأوروبية ذات التفكير المماثل -بلجيكا ومالطا والنرويج وسلوفينيا وقبل كل شيء إسبانيا- خلال تخطيطهم لإعلان اعترافها بدولة فلسطين.
محادثات مكثفة حتى اللحظة الأخيرة
بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المناقشات كان بعضها وجهاً لوجه مع كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في مارس/آذار، إضافة إلى مكالمات هاتفية متعددة بين وزير الخارجية الأيرلندي ميشيل مارتن، الذي قاد المبادرة الأيرلندية، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
كما ذكرت الصحيفة أن الاتصالات ظلت مستمرة حتى اللحظات الأخيرة من الإعلان، حيث جرت مكالمة نهائية بين أمريكا وأيرلندا بعد التوقيع الرسمي لمجلس الوزراء الأيرلندي على قراره ليلة الثلاثاء.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة المحادثات الخاصة: "لم يكن بوسعنا سوى توضيح نوايانا بشكل واضح قبل أسابيع أو أشهر حتى نتأكد من عدم وجود مفاجآت أو شكوك لا داعي لها في واشنطن".
ما الذي يخيف واشنطن من هذه الخطوة؟
تدرك جميع الأطراف، أن اعتراف دول مثل النرويج وإسبانيا وأيرلندا بالدولة الفلسطينية بهذا التوقيت بالذات، من شأنه أن يعطي دعماً لحركة حماس التي لا تزال صامدة في قطاع غزة، ويزيد في الوقت ذاته من عزلة الاحتلال دولياً.
لذلك أكد رئيس الوزراء الأيرلندي سايمون هاريس في بيانه أن أيرلندا تأمل في رؤية استئناف الدبلوماسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا ترغب في إلقاء طوق نجاة دبلوماسي لحركة حماس.
وقال المسؤول إن إدارة بايدن كانت قلقة من أن الاعتراف قد يؤدي إلى تقوية حركة حماس التي تقاوم في غزة، "لذلك حرصنا اليوم على التأكيد في رسالتنا على أن أيرلندا ليست صديقة لحماس".
هذا التخوف، انعكس بشكل واضح في تعقيب الإدارة الأمريكية، حول إعلان الدول الأوروبية الثلاث اعترافها بفلسطين، فقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون في بيان إن إدارة بايدن "تعتقد أن الدولة الفلسطينية يجب أن تتحقق من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس من خلال الاعتراف الأحادي الجانب".
ورداً على سؤال حول العزلة الدبلوماسية المتزايدة لإسرائيل يوم الأربعاء، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان: "هذا يثير قلقنا لأننا لا نعتقد أن ذلك يساهم في أمن إسرائيل وحيويتها على المدى الطويل".
ما أهمية هذه الخطوة؟
هذه الخطوة قد لا توقف الحرب على غزة وإن كانت وسيلة ضغط على إسرائيل لفعل ذلك، فهي ليست الأولى من نوعها بالنسبة لدول أوروبية، فقد سبق أن اعترفت دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية وكان آخرها السويد في عام 2014.
لكن ما حصل هو أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه من حرب مدمرة على قطاع غزة واحتجاجات عالمية على حرب الإبادة الجماعية التي يقودها نتنياهو، أثر بشكل قوي على الموقف الغربي من إسرائيل، وأحدث تصدعات داخل البيت الأوروبي الذي كان في البداية يتبنى إسرائيل ويقول إنه من حقها الدفاع عن نفسها.
كما من شأن هذه الخطوة التي اتخذتها الدول الثلاث أن تعزز الاعتراف الدولي بالفلسطينيين إذا حذت حذوها دول أوروبية أخرى متعاطفة مع قضيتهم. ومن بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، تعترف 142 دولة بالفعل بالدولة الفلسطينية، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين.
وقال مايكل وحيد حنا، مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية، إن آثار الاعتراف ستكون "تراكمية وتدريجية ومع مرور الوقت، لكنها تخبرنا أن الولايات المتحدة أصبحت معزولة بشكل متزايد".