في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل تعثرات واضحة وإخفاقات متلاحقة في الحرب على قطاع غزة، فإنها تعيش حالة من الأزمات الدبلوماسية والسياسية التي بدأت مع اندلاع الحرب، ولما تتوقف بعد، ما كشف عن تراجع في مكانتها السياسية حول العالم، وانخفاض في مستوى علاقاتها الخارجية.
آخر هذه الأزمات حصلت بعدما استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية عدداً من السفراء الأوروبيين لديها لجلسات توبيخ، لاسيما إسبانيا وأيرلندا والنرويج، عقب إعلانها أنها بصدد الاعتراف بدولة فلسطين، فيما طلبت تل أبيب من عدد من سفرائها في تلك العواصم الأوروبية العودة إليها لطلب التشاور.
توبيخ السفراء
ويتوقع الإسرائيليون ألا يقتصر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على هذه الدول الثلاث فقط، بل إن سلسلة الاعترافات بها ستأخذ منحى تصاعدياً، لاسيما في أوساط النصف الغربي من الكرة الأرضية، حيث تتمركز الدول الداعمة هناك للاحتلال الإسرائيلي.
هذا الأمر يشكل انتكاسة للدبلوماسية الإسرائيلية الخارجية، وتراجعاً متلاحقاً في عدة ملفات في الوقت الذي تحتاج فيه إسرائيل مزيداً من الدعم والإسناد الخارجي، لاسيما في المحافل الدبلوماسية الدولية، خاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى.
شكل هذا التطور على خطورته قمة جبل الجليد في تدهور العلاقات الإسرائيلية الخارجية التي شهدت تراجعاً منذ بدء اندلاع العدوان على غزة، ولئن شهد في بداياته دعماً غربياً غير مسبوق.
لكن الأسابيع الأخيرة باتت تشهد تقهقراً في حجم هذا الدعم عقب ما يصدر من غزة من مشاهد مريعة من سياسة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، ما منح الرواية الفلسطينية مزيداً من المصداقية والوجاهة على حساب اتضاح كذب وزيف السردية الإسرائيلية.
مع العلم أن إسرائيل ما زالت تعيش صدمة التهديد الأمريكي بتأخير شحنات الأسلحة، صحيح أن مستودعاتها ممتلئة، ولا توجد عواقب عسكرية كبيرة لتهديد الرئيس جو بايدن، لكن الخطورة في تبعات التهديد، وإمكانية أن تفهم الدول الغربية الأخرى الرسالة الأمريكية، وتنضم للحصار الذي قد يفرض على الاحتلال.
هذا الأمر يجعل من حظر الأسلحة الأمريكية للاحتلال إشارة ورسالة للعالم، خاصة بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى، لمنع توريد الأسلحة وقطع الغيار إليه، ما يحمل خطراً بعيد المدى، لأنه ترجمة لما يتعرض له من ضغوط هائلة من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، في ظل المظاهرات الطلابية في الجامعات الأمريكية ضد إسرائيل، كما أن هذا التهديد الأمريكي يعني بداية للتخلي عن الاحتلال كجزء من حسابات الحملة الانتخابية الحامية.
يحظر هنا إغفال العقوبات الأمريكية على إحدى وحدات جيش الاحتلال المتهمة بانتهاك القانون الأمريكي، وما فرضته دول أوروبية من عقوبات على المستوطنين ومؤسساتهم في الأراضي الفلسطينية.
[English below]
— Idan Roll – עידן רול (@idanroll) May 22, 2024
אני מגנה נחרצות את ההחלטה המבישה של ספרד, נורבגיה ואירלנד להכיר במדינה פלסטינית.
הצעד המקומם הזה מאותת לפלסטינים ולעולם שהטרור משתלם – והעובדה שחמאס כבר בירכו על המהלך מדברת בעד עצמה. בזמן שישראל נלחמת כנגד ארגון טרור ברברי אשר הינו חלק מציר רשע המבקש להחריב את… pic.twitter.com/20DArDSSy6
القطيعة الاقتصادية
في الوقت ذاته، ما زال الإسرائيليون بصدد رصد أهم الآثار السلبية التي تركها القرار التركي بتجميد العلاقات التجارية الثنائية، ما اعتبر موقفاً جذرياً لأنقرة باتجاه تغيير موقفها من تل أبيب.
وأصبحت الأصوات الصادرة منها أكثر حدة من أي وقت مضى، بجانب الخطاب القاسي للغاية تجاه إسرائيل وحكومتها، والوقوف بجانب الفلسطينيين، فقد انضمت تركيا إلى جنوب أفريقيا في موضوع محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقررت الحدّ من تصدير 54 منتجاً إلى إسرائيل.
وتزايدت التقارير عن الاستعدادات لمغادرة أسطول "إنساني" باتجاه غزة، ما يزيد من سلسلة الإجراءات التركية ضدها، وبالتالي فإن مصدر التخوف الإسرائيلي يكمن في أن هذه المواقف التركية من حرب غزة ستلقي بآثارها حول القضايا الاستراتيجية، مثل التعاون بمجال الطاقة، أو المجال الأمني، وصولاً لإمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية.
وتزداد المخاوف الإسرائيلية من توتر العلاقة مع تركيا، في ضوء أن الانتقادات الموجهة إليها فيما يتعلق بالعدوان على غزة ليست محصورة في الحكومة ودوائر حزب العدالة والتنمية فقط، بل تصل لمختلف أوساط الرأي العام التركي، وأوساط المعارضة والأحزاب العلمانية، التي لا تتردد في إصدار نغمات قاسية وصارخة ضد الاحتلال.
مع العلم أن خطوة تركيا تزامنت مع قرار كولومبيا وبوليفيا اللتين قطعتا العلاقات مع تل أبيب، ما يعزز النظرة العالمية لها باعتبارها "منبوذة"، وغير مرغوب فيها، وهو أمر مزعج لها، وقد يتحول إلى اتجاه عالمي، يستفيد منه قادة ودول معادون لها.
هذا الأمر سيفاقم من تدهور صورة إسرائيل التي وصلت لأدنى مستوياتها في الشهور الأخيرة، وسيدفع الشركات العالمية العاملة في التجارة الخارجية لإقرار حقيقة مفادها صعوبة العمل مع عميل متقلّب غير مستقرّ مثل إسرائيل.
التغطية الإعلامية
لم يتوقف الأمر عند القطيعة السياسية والدبلوماسية بين إسرائيل والعديد من دول العالم، بل امتد إلى حجم وطريقة التغطية الاعلامية الغربية للحرب على غزة، وظهر فيها أن المواد الصحفية المنحازة للفلسطينيين تأخذ حيزاً متزايداً، بل إن الهجوم على حماس بدأ يتلاشى مع مرور الوقت بعكس ما كان عليه الحال بعد أسابيع عديدة من هجوم السابع من أكتوبر.
من الأمثلة على ذلك ما أوردته الصحفية ليلاخ سيغان المتخصصة بتغطية وسائل الإعلام، حين زعمت أنه بين 7 أكتوبر و7 مايو، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، الأشهر في العالم، والأكثر انحيازاً لإسرائيل، ما يقرب من 3848 مقالاً وتقريراً وخبراً حول الملف الفلسطيني والحرب على غزة، وجاءت الصفة الغالبة على هذا المواد متعاطفة مع المعاناة الفلسطينية إلى حد "الهوس"، على ذمة التوصيف الإسرائيلي.
بلغة الأرقام، تتحدث الصحفية الإسرائيلية أنه من أصل 1,398 مقالة، تعاطفت 647 منها مع الفلسطينيين بنسبة 46.2%، و147 تعاطفت مع الإسرائيليين فقط بنسبة 10.5%، وإذا قمت بتلخيص الفترة بأكملها، يمكنك القول إن الفلسطينيين حصلوا على تعاطف أكبر بـ4.4 مرة من الإسرائيليين.
في الوقت ذاته، فإن السلوك الإسرائيلي المعادي لوسائل الإعلام التي تغطي الحرب الدائرة في غزة بات يرتكب جملة أخطاء متلاحقة، صوّرت إسرائيل بأنها دولة تحارب حرية التعبير، وتلاحق العاملين في مهنة المتاعب، سواء في قانونها الخاص بحظر قناة الجزيرة، ومنع بثها، بزعم أنها مؤيدة للمقاومة الفلسطينية، ومنحازة لروايتها.
بالإضافة إلى مصادرة معدات وكالة الأنباء الأمريكية "الأسوشيتد برس"، ما ألحق بها مزيداً من بيانات الإدانة حول العالم، وسيلاً من الاتهامات بأنها دولة تخشى الإعلام، وتخاف من الكاميرا، وتتخذ جملة قرارات شعبوية عديمة الفائدة، بل إنها تضرّه أكثر مما تفيده.
وتكشف هذه السلوكيات الإسرائيلية ضد وسائل الإعلام، أن هناك عدداً من الوزراء والمسؤولين يستغلون ما تعيشه الدولة من صدمة بعد هجوم السابع من أكتوبر لتحقيق المزيد من نفوذهم الحزبي في الساحة الداخلية الإسرائيلية، ولو على حساب علاقات الاحتلال الخارجية، ما يعني أن ينجرّ الأخير إلى حرب عالمية ضد وسائل الإعلام، مع أنه لم يتبق لديه سوى القليل من الذخيرة لاستخدامها، والنتيجة أن زمرة الساسة المراهقين لديه يهدرون ما تبقى من رصيد متبقٍّ لديه، خاصة بين الدول الداعمة.
صحيح أن عدداً من وسائل الإعلام العالمية باتت تمثل تحدياً لدولة الاحتلال، لكن أصواتاً إسرائيلية لم تتردد في قول إن ما حصل مع قناة الجزيرة وسواها من القنوات ليست الطريقة المناسبة للتعامل معها، لأن هذه السياسة تروي قصة فشل حقيقي تجاه العمل الإعلامي.
האשמים הבלעדיים בגל האנטישמיות והאנטישראליות שמציף את העולם הם הקפלניסטים.
— שי גולדשטיין (@theshelterradio) May 21, 2024
במשך מעל שנה הם שידרו וסיפרו לעולם שישראל היא דיקטטורה אכזרית שנשלטת על ידי רודן שאשם בפשעים נגד עמו.
הם הראו לעולם את הרחובות בישראל מוצפים בשלטים "אשם", הם התראיינו בערוצים הזרים ותיארו את מדינת ישראל… pic.twitter.com/k8xM0Pa8Ad
لأنه في الوقت الذي تتهم فيه تلك القنوات بنشر ادعاءات ضدها، فإن لدى إسرائيل مشكلة أيضاً مع صور الأطفال الفلسطينيين القتلى في هذه الحرب، وخيام النازحين الذين تم إجلاؤهم، والأحياء بأكملها التي تم تدميرها.
ولذلك من الصعب عليها أن تتغاضى عن هذه المشاهد التراجيدية، لأن العالم كله يرى هذه الصور، وفي النهاية يستغرب الإسرائيليون مراراً وتكراراً لماذا العالم ليس معنا، بل مع الفلسطينيين؟
الملاحقة القضائية
تزامنت هذه التراجعات في الموقف الإسرائيلي مع طلب المحكمة الجنائية الدولية استصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت عقب اتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
الأمر الذي اعتبرته الأوساط السياسية والقضائية الإسرائيلية "هزة أرضية" بالفعل، ومقدمة لكشف الغطاء الدبلوماسي عن إسرائيل، ومقدمة لمساواتها مع دول ارتكبت جرائم حرب مثل رواندا والكونغو، وتعبيداً للطريق أمام اعتقال مسؤوليها إذا ما وصلوا المطارات الدولية التي وقعت دولها على ميثاق تلك المحكمة.
وزاد الطين بلّة إعلان النرويج أنها جادة في اعتقال نتنياهو وغالانت تنفيذاً لطلب المحكمة، الأمر الذي سيحفّز دولاً أخرى لانتهاج ذات النهج، وبالتالي يمكن لنا أن نشهد حظراً لسفر هؤلاء المسؤولين الى قرابة 123 دولة حول العالم موقّعة على ميثاق تلك المحكمة.
وهو ما حصل مع تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة حين حطّت طائرتها في مطار هيثرو بلندن، وتم تهريبها بأسلوب العصابات خشية اعتقالها بسبب دورها في جرائم الحرب الإسرائيلية خلال العدوان على غزة 2008-2009.
مع العلم أن خطورة طلب المحكمة لاعتقال نتنياهو وغالانت تكمن في كونها تشكل خطوة أخرى في الحملة القانونية الدولية ضد الاحتلال، عقب مطالبة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، مروراً بإجراءات أمام محاكم في دول مختلفة مثل هولندا وألمانيا لمنع حكوماتها من بيع الأسلحة للاحتلال.
وتمثل هذه الأوامر تقييداً كبيراً لتحركات قادته حول العالم، بحيث إذا وطئت أقدامهم دولاً مثل كندا أو أستراليا أو بريطانيا أو ألمانيا أو التشيك، فمن المتوقع أن يتم القبض عليهم، ونقلهم للمحكمة الجنائية الدولية التي لديها مركز احتجاز في لاهاي بهولندا.
مع أن الخطر الشخصي على حريتهم ليس سوى غيض من فيض من الضرر الذي سيلحق بإسرائيل بسبب أوامر الاعتقال، لأنها ستجعل العديد من الإسرائيليين عرضة للملاحقة في بلدان مختلفة، وليس فقط ضد كبار المسؤولين، مثل كبار ضباط الجيش، والإسرائيليين ذوي الجنسية المزدوجة، ممن يشغلون مناصب عليا في الخدمة الحكومية.
تنامي "البي دي إس"
لم يتوقف التدهور الإسرائيلي في علاقاتها الخارجية هنا فقط، بل أخذ منحنيات أكثر سلبية وعزلة تمثلت في اندلاع سيل من المظاهرات والاحتجاجات في كبرى الجامعات حول العالم، لاسيما كولومبيا وكاليفورنيا، التي شهدت انتصاراً فلسطينياً غير مسبوق، ورفعاً للكوفية الفلسطينية، وخطابات مؤيدة لهم خلال احتفالات التخرج التي حضرها كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، ما دفع الاحتلال لاعتبار ذلك انتكاسة لطواقمها الدبلوماسية العاملة في الولايات المتحدة، واللوبي اليهودي الناشط هناك.
حتى اليوم، ما زالت أصداء المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها الجامعات والمؤسسات التعليمية العالمية تترك آثارها في الأوساط الإسرائيلية التي لا تتردد في إعلان تخوفها مما تصفه "كابوس" تحول هذه المؤسسات الى معاقل مؤيدة للمقاومة الفلسطينية، وداعمة لها، ليس على صعيد الطلاب فحسب، بل وأعضاء هيئة التدريس أيضاً المتعاطفين مع فلسطين، ويشاركون في فعاليات ومخيمات احتجاج ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولا تخفي السفارات الإسرائيلية المنتشرة في العشرات من عواصم العالم صدمتها مما تعتبرها مظاهرات لا تحصى في الجامعات العالمية التي أظهرت معاداة لإسرائيل، وما تضمنته من كراهية لها آخذة في الاتساع.
وبعد أن كانت كلمات التحريض ضدها تُصنف بأنها معادية للسامية، فإنها اليوم باتت جزءاً من الثقافة اليومية للجامعيين الأوروبيين، بجانب توجيه اتهامات للإسرائيليين بأنهم "قتلة أطفال"، وهو أحد الشعارات السائدة في الجامعات الغربية، بجانب الدعوات لتحرير فلسطين "من النهر إلى البحر".
كما ترصد الأوساط السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية ظاهرة متصاعدة في الولايات المتحدة معادية للاحتلال، وتتمثل في التعاطف المتنامي من قبل الحركات النسوية الليبرالية مع الفلسطينيين.
حيث تضع هذه الحركات كل طاقتها في النضال الفلسطيني، وكلهن متمسكات برواية حماس، ويقُدن المظاهرات، خاصة الشبابية منها، ما يثير خشية في الأوساط الإسرائيلية من انضمام النساء اليهوديات والإسرائيليات لهذه الحركات النسوية، ولعل ما يزيد هذه الخشية أن نجاح هذه التطورات النسوية الأمريكية في تعزيز القوى التقدمية المحافظة، يتزامن مع توقيت درامي يرتبط بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
كما تتحول القارة الأوروبية مع مرور الوقت الى بقعة بارزة في إدانة الاحتلال، ودعوات متلاحقة لفرض عقوبات عليه، ووقف تعاون دول الاتحاد الأوروبي معه، وباتت عواصمها "تغلي" منذ بدء حرب غزة، ووصل العداء الأوروبي، لاسيما الشعبي منه، ذروته ضد إسرائيل.
כל יום מתברר מחדש שהממשלה החליטה שמדינת ישראל תתאבד. השרים רוצים בכוח להפוך את ישראל למדינה מצורעת כמו אירן, רוסיה, בלרוס, דרום סודן ועוד. הצעד החדש של קרעי הוא החרמת ציוד של סוכנות הידיעות איפי. זו סוכנות ידיעות אמריקאית ובינלאומית לא ג׳זירה. בקרוב יהיה מי שינקוט בצעדי תגובה…
— Yossi Melman (@yossi_melman) May 21, 2024
وذلك من خلال قيام التلفزيون الرسمي في بلجيكا بوقف بث الأغنية الإسرائيلية خلال مسابقة الأغنية الأوروبية "اليوروفيجن"، وإعلانها أن هذا الموقف جاء لأن بروكسل تدين انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل"، وتدمّر حرية الصحافة، ولهذا السبب نقطع الصورة عنها.
في الوقت ذاته، ترصد المحافل الدبلوماسية الإسرائيلية النشاط اللافت لوزارات الخارجية حول العالم في تزايد التعاطف مع الفلسطينيين عبر مبادرات دبلوماسية وبيانات علنية تدين السياسات الإسرائيلية التي تعتبرها تعدياً على حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم.
وبالتالي فإننا أمام قفزة حادة في الدعوات المعادية للاحتلال الإسرائيلي، من خلال اتساع رقعة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين على أراضيها، التي تحتوي على هتافات معادية للاحتلال، وغالباً ما تتحول لتعبيرات تدعو لإلحاق الضرر بالمؤسسات الإسرائيلية، ووصل الأمر ذروته بدعوة الإسرائيليين لعدم السفر إلى بعض الدول التي كانت مؤيدة لإسرائيل حتى وقت قريب بزعم زيادة الحوادث المعادية للاحتلال.
تهديد كامب ديفيد
ولم يتوقف مسلسل تصاعد الأزمات الدبلوماسية الإسرائيلية مع الدول البعيدة جغرافياً، بل إن الأمر وصل إلى تلك المجاورة لها، لاسيما مصر، التي تربطها بها اتفاقية كامب ديفيد.
وبات الحدث عن توتر علاقاتهما واحداً من الأسرار المكشوفة، وسط مخاوف إسرائيلية من إقدام مصر على خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال، بعد وقت قصير من إعلانها أنها ستنضم للالتماس الذي قدمته جنوب أفريقيا ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية في لاهاي، ما دفع المسؤولين الإسرائيليين لوصف الوضع بأنه تدنٍّ جديد في علاقاتهما.
ويتزامن هذا التراجع في العلاقات الإسرائيلية المصرية مع صدور تصريحات لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش اتهم فيها مصر بتحمّل مسؤولية كبيرة عن هجوم السابع من أكتوبر، ما دفعها لوصف كلماته بأنها "غير مسؤولة".
في إشارة للتهديد الكامن بتقويض علاقات الجانبين، ولذلك لا يخفي المصريون قلقهم المتزايد من الأجندة اليمينية المجنونة الحاكمة حالياً في إسرائيل، وهناك تخوف أكثر من أن يصبح هذا التطلع موقفاً شعبياً يحظى بدعم الحكومة، يصل حدّ شنّ الحرب على مصر.
الدولة المعزولة
ما زال التوتر الذي يطغى على العلاقات الإسرائيلية الخارجية يترك تأثيراتها الصادمة لدى الاحتلال، حتى إن منصاته الإخبارية باتت تركز بشكل كبير على عزلته المتزايدة، وباتت العناوين الرئيسية لكبرى وسائل الإعلام تتركز حول أن "إسرائيل معزولة، ومصابة بالجذام"، عقب مقاطعة الرياضيين والأكاديميين الإسرائيليين، في مؤشر جديد على العزلة المتزايدة، رغم محاولة الاحتلال تجاهلها، لكن من الواضح أننا أمام عملية بطيئة لخلق دولة "مجذومة"، وفق التوصيف الإسرائيلي.
ويعترف الإسرائيليون أن هذا التغيير السلبي في السياسة العالمية تجاههم أدى لخفض مكانة إسرائيل في ترتيب الأولويات الدولية، بعد أن حظيت بتعاطف غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، لكن اشتداد القصف في غزة، وعدم إدخال المساعدات للقطاع، وغياب النقاش في مسألة "اليوم التالي"، كل ذلك عمّق الخلافات في الرأي بين الاحتلال والعالم، وتفاقمت عندما وصل عدد القتلى الفلسطينيين إلى الآلاف، والتقارير المتواترة عن تضوّر الأطفال جوعاً في غزة، ووصف أفعال الاحتلال بأنها "إبادة جماعية" أكثر من كونها دفاعاً عن النفس.
تكشف المتابعة الإسرائيلية الحثيثة لما يكتب ويقال عن الاحتلال في وسائل الإعلام العالمية من الخشية الحقيقية عن اقتراب كابوس العزلة الكاملة على نمط كوريا الشمالية، رغم أنها لا تلوح في الأفق، على الأقل حالياً.