فجرت وسائل إعلام مغربية قضية احتجاز مغاربة في تايلاند من قبل جماعات مسلحة أرغمتهم على العمل ضمن شبكات الاحتيال الإلكتروني، وهو ما أكدته سفارة بانكوك في الرباط الجمعة 3 مايو/أيار 2024، وقالت إن "القضية معقدة".
لكن الشباب المغاربة المحتجزين في تايلاند ليسوا وحدهم ضحايا هذه الجماعات المسلحة، إذ أكدت تقارير إعلامية غربية أن هناك العشرات من مواطني دول في آسيا وأفريقيا يتم "اختطافهم واستعبادهم" للعمل ضمن شبكات الاحتيال الإلكتروني.
فيما وصلت قضية احتجاز مغاربة في تايلاند إلى البرلمان المغربي، حيث وجّهت نائبة برلمانية سؤالاً لوزير الخارجية ناصر بوريطة بشأن مصير عشرات الشباب المغاربة المحتجزين في تايلاند، وقالت إنهم تعرضوا للاختطاف، فكيف وقع ذلك؟
كيف تفجرت قضية احتجاز مغاربة في تايلاند؟
قبل الغوص في تفاصيل الطريقة التي وقع بها الشباب المغاربة ضحية الاختطاف المزعوم، يجب الإشارة إلى أنه هذه أول مرة يتم الحديث علانية عن احتجاز مغاربة في تايلاند، وهي القضية التي فجرتها عائلات وأصدقاء بعض الضحايا في تصريحات لوسائل إعلام محلية.
شقيقة أحد الضحايا قالت لصحيفة "الصباح" المغربية، إن عملية الاختطاف تمت بطريقة مدروسة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث جرى إقناع شقيقها من طرف غرباء يرأسون شبكات قرصنة رقمية، بالقدوم إلى تايلاند من أجل عقد عمل.
فانقطعت أخباره لأشهر، لتعلم فيما بعد من زميله المحتجز معه أنهم عالقون في مكان ما، إذ أشارت إلى أنها "تحتفظ بتسجيلات صوتية تُظهر تعرض الضحايا لتعذيب شديد، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والتعليق لساعات طويلة"، وفق ما صرحت له.
فيما كشفت مسؤولة بسفارة تايلاند في المغرب استقبال السفارة عائلات شباب مغاربة بمقرها في الرباط، تقدمت إلى المصالح القنصلية التايلاندية بطلبات لاستيضاح مصير أبنائها بعد التأكد من احتجازهم من قبل ميليشيات مسلحة، أغلب عناصرها صينيون.
وقال موقع "هسبريس" المغربي إن السفارة أحالت العائلات على مصالح وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، باعتبار أنها الجهة المخول لها التقدم بطلبات رسمية للحصول على معلومات حول المواطنين المغاربة من السلطات التايلاندية.
ونقل الموقع عن المسؤولة التايلاندية أن السفارة لا تتوفر على أي معلومات حول مغاربة محتجزين فوق الأراضي التايلاندية، باعتبار أن مصالحها في المغرب مسؤولة عن شؤون الرعايا التايلانديين، الزائرين والمقيمين في المملكة.
احتجاز مغاربة في تايلاند يصل البرلمان
قضية احتجاز مغاربة في تايلاند وصل صداها إلى البرلمان في الرباط؛ بعد أن توجهت البرلمانية المغربية فاطمة التامني، عن حزب فيدرالية اليسار المعارض، بسؤال إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة.
وسائل إعلام مغربية أوضحت أن التامني قالت في سؤالها، إن المعطيات المتوفرة تفيد بأن هؤلاء الشباب تم اختطافهم واحتجازهم في مجمعات سكنية على الحدود مع ميانمار، حيث يُجبرون على العمل في شبكات للاحتيال الإلكتروني في ظروف لا إنسانية.
كما أضافت أن هؤلاء الشباب يتعرضون للاستغلال؛ حيث يُجبرون على العمل يومياً لمدة لا تقل عن 17 ساعة أمام الحواسيب، ويُحرمون من الراحة والنوم الكافيين، كما يتعرضون للتعذيب من قبل أفراد الميليشيات عند محاولتهم التواصل مع عائلاتهم.
وطالبت التامني وزير الخارجية بالكشف عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة المغربية لمعالجة هذه القضية، وهل تم التواصل مع السلطات التايلاندية والميانمارية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ هؤلاء الشباب من محنتهم.
المغاربة ليس وحدهم الضحايا
بينما أعلنت السفارة التايلاندية في المغرب عبر بيان رسمي، الجمعة، أن بانكوك "مستعدة للتعاون مع جميع البلدان التي تم استدراج مواطنيها أو احتجازهم" عبر عصابات للاتجار بالبشر، وإجبارهم على العمل في تايلاند ضمن شبكات احتيال إلكترونية.
كما أشارت السفارة إلى أن "حادثة استدراج الشبكات الإجرامية الدولية لبعض الرعايا الأفارقة إلى بعض المناطق في جنوب شرق آسيا ظاهرة حديثة نسبياً تخص مواطنين من العديد من دول العالم"، لافتة إلى أن الحكومات في جنوب شرق آسيا وأفريقيا تعمل بشكل مشترك للتصدي لها.
ونبّه البيان إلى وقوع مواطنين من مختلف البلدان الأفريقية، وليس فقط من المغرب، ضحايا لمثل هذه العصابات الدولية للاتجار بالبشر وعصابات الجريمة الإلكترونية.
واعتبرت أنه من الصعب التحقق من العدد الدقيق لهؤلاء الضحايا المحتملين وجنسياتهم وأماكن تواجدهم. ولا تزال التحقيقات التي تجريها وكالات إنفاذ القانون الوطنية والدولية جارية.
كما شدد البيان على أن الحكومة التايلاندية "أصدرت تعليمات لسفاراتها في أفريقيا بتطبيق تدابير احترازية إضافية في منح التأشيرات، من أجل تقليل فرصة وقوع المواطنين الأفارقة ضحايا لهذه الأنشطة الإجرامية أو استخدام تايلاند كطريق عبور؛ نظراً لأن تايلاند مركز طيران محوري جنوب شرق آسيا".
كيف يتم الإيقاع بالضحايا؟
يعد الاحتيال القسري أحد أكثر أشكال العبودية الحديثة تعقيداً وأسرعها نمواً في العالم، وأعلن الإنتربول مؤخراً أنه يعتبرها أزمة عالمية "تمثل تهديداً خطيراً ووشيكاً للسلامة العامة"، وتحذر البنوك البريطانية أيضاً من زيادات هائلة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
حسب تحقيق نشرته قناة "Itv" البريطانية شهر فبراير/شباط 2024، فإن مشكلة الاحتيال القسري منتشرة في أفقر دول جنوب شرق آسيا، وأضافت أن الجريمة في تزايد، وقالت إن هناك مجموعتين من الضحايا.
معدة التحقيق الصحفية، لوسي واتسون، قالت إن مجموعة من خريجي الجامعات من أوروبا وأفريقيا وآسيا يتقدمون للوظائف التي يعتقدون أنها مشروعة عبر الإنترنت، "إنهم يتفاعلون مع ما يعتقدون أنهم القائمون بالتجنيد".
كما أوضحت أنهم غالباً ما يجرون مقابلات عبر الإنترنت ثم يُعرض عليهم الوظيفة في الخارج، لقد وُعدوا برواتب تنافسية وإقامة ومرافقة بسائق من المطار"، يقول التحقيق.
لكن عندما يصلون إلى آسيا، يتم نقلهم دون علمهم إلى حدود تايلاند مع ميانمار؛ حيث يظهر رجال مسلحون، ويأخذون جوازات سفرهم منهم ويجبرونهم على عبور النهر إلى مجمع، حيث يجبرون على أداء مهمة غير متوقعة.
تحت التهديد بالعنف يُجبرون على إقناع الناس من أي مكان في العالم للاستثمار في العملات المشفرة. إنهم يقيمون علاقات مع الأجانب، أحياناً من خلال تطبيقات المواعدة، ويرسلون إليهم رسائل على "واتساب" و"سيجنال" لأسابيع حتى يكتسبوا ثقتهم.
"عملية معقدة"
بمجرد حصولهم على هذه الثقة، يتم إقناعهم بوضع مبالغ صغيرة من المال في مخططات العملات المشفرة. وبدون علم المستثمر، قام المحتالون أيضاً بإنشاء موقع ويب مزيف؛ حيث يبدو أن المستثمر يرى أمواله ترتفع، لذلك يستثمر المزيد.
عند هذه النقطة، يمكن للمستثمر سحب أمواله من حساب العملة المشفرة. إنهم يعتقدون أنهم يسيطرون عليها، ولأنهم يثقون في العملية، وفي الأشخاص، فإنهم يستثمرون المزيد دائماً.
حسب تحقيق "Itv" البريطانية، فإنه عندما تكون المبالغ كبيرة، يختفي المستشار والمحتال ويأخذان المال معهما.
"إنها عملية معقدة بشكل لا يصدق وتنتشر كالنار في الهشيم عبر دول مثل ميانمار ولاوس وكمبوديا، حيث توجد الآن مجمعات ضخمة، يعيش داخلها ضحايا المتاجرة بهم وينفذون الجرائم وتزدهر الجريمة".
تايلاند مركز للنقل نحو دول مجاورة
غالباً ما تكون تايلاند مركزاً للنقل، وقد سافرنا عبرها إلى لاوس لنرى بأنفسنا المواقع الضخمة التي يتم فيها احتجاز الضحايا وتعذيبهم.
موقع القناة البريطانية تحدث عبر الإنترنت إلى "سارة"، وهي خريجة من أفريقيا، تم إنقاذها من مجمع في ميانمار أواخر العام الماضي، وعادت الآن بأمان إلى المنزل.
قالت سارة: "الأشخاص الذين تعيش معهم حياتك في أيديهم. كان عليَّ أن أفعل كل ما طلب مني هؤلاء الناس أن أفعله".
تم اختطاف سارة من مطار بانكوك بعد حصولها على وظيفة في شركة تكنولوجيا في تايلاند، والتي رأت إعلاناً عنها على فيسبوك. وبدلاً من ذلك، تم تهريبها إلى الحدود التايلاندية/الميانمارية، بعد أن تمت مصادرة جواز سفرها وهاتفها.
"لقد تجولوا لإرباكنا. عندما وصلنا إلى جانب النهر، كان هناك قارب، وعندما نظرت عبر الجانب الآخر من النهر، كان هناك رجال مسلحون. لقد جمدت. في ذهني كنت أعرف، حسناً، لقد تم الاتجار بي".
لقد حوصرت داخل مجمع لمدة تسعة أشهر وأجبرت على خداع البريطانيين والأمريكيين عبر تطبيقات المراسلة للاستثمار في العملات المشفرة.
"كانت وظيفتي هي تكوين صداقات، وتكوين علاقات، وجعلهم يعتقدون أنني امرأة آسيوية غنية، ومن ثم يمكنهم أن يأتمنوني على أموالهم. أخبروني عن مواردهم المالية بالكامل وأظهروا لي لقطة شاشة لحسابهم البنكي".
يقول، جيك سيمز، من بعثة العدالة الدولية في تايلاند: "إنهم ليسوا ضحية الاتجار النمطي، هؤلاء أشخاص متعلمون، والعديد منهم يتحدثون لغات عديدة، وهم على دراية بالتكنولوجيا، وهم شباب من المناطق الحضرية".
"إنهم يلجأون إلى منصات التواصل الاجتماعي بحثاً عن وظائف. وفي كثير من الأحيان يتم إغراؤهم بإعلانات مزيفة تستخدم شعارات العلامات التجارية الكبرى مثل أكسنتشر تايلاند".
ميانمار "مركز الاحتيال العالمي"
في أغسطس/آب 2023، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 120 ألفاً، معظمهم رجال من آسيا، أُجبروا على العمل في مراكز الاحتيال في ميانمار، وتشهد تلك المراكز تدفقاً مستمراً للعمال المهاجرين الطموحين من جميع أنحاء العالم.
وتقول السلطات السريلانكية إنها رصدت ما لا يقل عن 56 من مواطنيها محاصرين في أربعة مواقع مختلفة في ميانمار، على الرغم من أن سفير سريلانكا لدى ميانمار، جاناكا باندارا، قال لموقع "BBC" إنه جرى إنقاذ ثمانية منهم مؤخراً بمساعدة من السلطات في ميانمار.
رغم انتشار مراكز الاحتيال هذه في أنحاء جنوب شرق آسيا، إلا أن لها وجوداً خاصاً في ميانمار، التي توفر مليارات الدولارات لعصابات إجرامية الصينية، ولجماعات مسلحة تمارسها نشاطها في مدن حدودية، وفق ما ذكره معهد السلام الأمريكي.
فيما كان مكتب التحقيقات الفيدرالي كشف في تقرير جرائم الإنترنت لعام 2023، أن هناك أكثر من 17.000 شكوى من عمليات الاحتيال المتعلقة بالثقة أو عمليات الاحتيال الرومانسية في الولايات المتحدة، وبلغ إجمالي الخسائر 652 مليون دولار.