قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في تقرير نشرته يوم الأربعاء 10 أبريل/نيسان 2024، إن مقتل عمال الإغاثة الأجانب في غزة أثار غضباً عالمياً، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الاعتذار، لكن سائقهم الفلسطيني الذي استشهد معهم لم يثر نفس الاهتمام والغضب سوى لدى عائلته ووالدته، التي لم تأكل شيئاً منذ وفاته.
مقتل عمال الإغاثة الأجانب في غزة
الصحيفة قالت إن سيف الدين أبو طه، عامل إغاثة في المطبخ المركزي العالمي، كان رفقة القافلة، وكان في طريقه إلى المنزل لرؤية والدته، عندما أصاب صاروخ إسرائيلي السيارة التي كان يقودها أبو طه (25 عاماً)، كان يراسل والديه كثيراً أثناء خروجه لتسليم المساعدات في جميع أنحاء قطاع غزة، الذي أصبح على شفا المجاعة بعد ستة أشهر من الحرب.
وفي ساعاته الأخيرة كان محتاراً بين توصيل الطعام ووضع خطط رمضانية عائلية، كما قال شقيقه عبد الرازق أبو طه للصحيفة، ومنذ مقتله في 1 أبريل/نيسان 2024، لم تأكل والدتهم (انشراح)، التي كانت تحلم برؤية سيف الدين يتزوج ذات يوم "لم تأكل أي شيء"، وفق ما قال شقيقه عبد الرازق، 33 عاماً، وأضاف أنها تقول باستمرار: "سيعود قريباً، ربما للعيد".
وسلط استشهاده الضوء على الحقيقة القاتمة المتمثلة في أن معظم عمال الإغاثة الذين يزيد عددهم عن 200، الذين قتلوا في القصف الإسرائيلي لغزة كانوا فلسطينيين، وفقاً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودعا غوتيريش إلى إجراء تحقيق مستقل في كل حالة من حالات مقتلهم، التي جذبت اهتماماً أقل من مقتل عمال إغاثة أجانب.
عمل جماعات الإغاثة في غزة
يشكل العمال الفلسطينيون العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة، كما هو الحال في أي منطقة حرب أو منطقة منكوبة تعمل فيها جماعات الإغاثة. إذ يوفرون اتصالات حيوية وخبرات ميدانية للموظفين الأجانب غير المعتادين على المنطقة، وتمكنهم من تنفيذ مشاريع الإغاثة والتواصل مع الأشخاص الذين تخدمهم.
عمل أبو طه في المطبخ المركزي العالمي كسائق ومترجم، حيث ساعد موظفيه على التنقل في شوارع القطاع وفي الأماكن التي نشأ فيها، حيث كان حتى الهجوم الصاروخي يقدم المساعدة التي تشتد الحاجة إليها.
قالت عائلته إن عمله ضمن مجموعة معروفة ومنظمة تنظيماً جيداً كان يشعرهم بالأمان، ولم يتخيلوا أنه سيقتل بسبب ذلك، وقال عبد الرزاق الأسبوع الماضي هذه "مجموعة إنسانية دولية لديها تنسيق عالٍ جداً مع إسرائيل وجيشها". لكن هذا التنسيق لم يحمِ أبو طه وزملاءه في العمل.
وقال عبد الرازق أبو طه إنه قبل بدء الحرب كان شقيقه الأصغر يطمح لمستقبل مشرق كما يأمل أي شاب في قطاع غزة، الذي يخضع لحصار مصري وإسرائيلي منذ أن تولت حماس السلطة هناك في عام 2007.
والتحق بجامعة عجمان في الإمارات، وعمل هناك حتى طلب منه والده العودة إلى وطنه في عام 2020، ليساعد في عمل العائلة في "طاحونة القمح" التي تمتلكها، لكن تشغيل الطاحونة أصبح مستحيلاً خلال الحرب، بعد أن دمرت الهجمات الإسرائيلية كثيراً من البنية التحتية المدنية في غزة، وتركت الشركة بدون مواد خام أساسية مثل الكهرباء أو الطحين.
في أحد الأيام، زار موظفو المطبخ العالمي طاحونة العائلة وأعجبوا بما رأوه. وقال عبد الرازق إنهم اختاروا الموقع ليكون مقراً لهم في غزة.
وبعد التنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأ عمال الإغاثة يعيشون في شقة داخل المصنع، وسرعان ما أصبحوا هم والعائلة قريبين، وتقاسموا وجبات الطعام وترابطوا بسبب صدمات الحرب.
وطلب موظفو المطبخ المركزي العالمي من أبو طه أن يترجم لهم خلال اجتماع، ثم وظفوه كسائق ومترجم. وقال عبد الرازق إن شقيقه كان "سعيداً للغاية" للعثور على وظيفة لمساعدة ضحايا الحرب، وإن عائلتهم وجدت نوعاً من العزاء في حقيقة أنه "توفي بينما كان في خدمة لإطعام الفقراء والجائعين" خلال شهر رمضان المبارك.
التحقيق في حادث قتل عمال الإغاثة
في سياق موازٍ فقد سبق أن قالت منظمة "المطبخ المركزي العالمي"، إن "الجيش الإسرائيلي غير قادر على التحقيق بشكل موثوق في فشله بغزة". وجددت المنظمة، في بيان، مطالبتها "بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في مقتل موظفيها بهجوم إسرائيلي" وسط قطاع غزة، الإثنين الماضي.
وأشارت المنظمة إلى أن "الجيش الإسرائيلي اعترف بمسؤوليته وأخطائه القاتلة في الهجوم المميت على قافلتنا في غزة، كما أنه سيتخذ إجراءات تأديبية ضد المسؤولين عن الهجوم". واعتبرت ذلك "خطوات مهمة".
واستدركت أنه "يجب أن يكون هناك تغيير منهجي تفادياً لمزيد من الإخفاقات العسكرية والاعتذارات" عند استهداف موظفي الإغاثة. وشدد البيان على "ضرورة زيادة إسرائيل حجم المواد الغذائية والأدوية المنقولة براً إلى غزة، إذا كانت جادة في دعم المساعدات الإنسانية".
يذكر أنه في أول أبريل/نيسان 2024، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي قافلة "المطبخ العالمي" بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفلسطين.
جاء ذلك بينما يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرباً مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية، ما استدعى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بدعوى "إبادة جماعية".