نقل موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير له الإثنين 11 مارس/آذار 2024، شهادات مروعة من فلسطينيين حول التعذيب في سجون إسرائيل الذي تعرضوا له من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة، والذي تستعمل فيه إسرائيل التعذيب الجسدي بالصعق الكهربي وهجمات الكلاب، كما أُخضِعوا لعمليات إعدام وهمية، واحتُجِزوا في ظروف مهينة ومُذِلة.
وتأتي رواياتهم عن التعذيب وسوء المعاملة في أعقاب ادعاءات مماثلة قدمها مراقبو حقوق الإنسان إلى محكمة العدل الدولية ضمن الدعوى التي رفعتها مجموعة من الدول ضد الاحتلال بخصوص ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
التعذيب في سجون إسرائيل لم يستثنِ أحداً
في شهادات لموقع Middle East Eye، وصف رجل، أخذته القوات الإسرائيلية من مدرسة في غزة حيث لجأ مع عائلته، كيف قُيِّدت يداه وعُصِبَت عيناه واحتُجِز في قفص معدني لمدة 42 يوماً.
أثناء الاستجواب، قال إنه تعرض للصعق الكهربائي، فضلاً عن خدشه وعضه من كلاب الجيش.
كما وصف رجال آخرون تعرُّضهم للصعق بالكهرباء، وهجوم الكلاب، وغمرهم بالماء البارد، وحرمانهم من الطعام والماء، والحرمان من النوم، وإخضاعهم لموسيقى صاخبة مستمرة.
قال أحد الرجال، وهو معاذ محمد خميس مقداد، الذي أُسِر من مدينة غزة في 21 ديسمبر/كانون الأول أثناء لجوئه هو وعائلته في مدرسة، واحتُجِز لأكثر من 30 يوماً: "لم يستثنوا أحداً. كان هناك صبية تبلغ أعمارهم 14 عاماً ورجال يبلغون من العمر 80 عاماً".
حتى من اعتقل بالضفة
بالإضافة إلى ثلاثة رجال أُسِروا في غزة، تحدث موقع Middle East Eye مع رجل اعتُقِل في مداهمة في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية، وقال إنَّ الجنود الإسرائيليين عصبوا عينيه وجرَّدوه من ملابسه وعلَّقوه من ذراعيه أثناء الاستجواب الذي تعرض فيه للضرب باستمرار والحرق بالسجائر.
كما تحدث عن احتجازه لعدة أيام في ظروف متجمدة لم يُسمَح له فيها بالنوم، ووصف كيف تبول جندي إسرائيلي في زجاجة وسلَّمه إياها بعدما طلب الماء.
ووصف الرجال الأربعة جميعاً إجبارهم على التعري وتعرضهم للضرب والإساءة المستمرة على أيدي الجنود الإسرائيليين خلال اعتقالهم الذي دام أسابيع.
وتحدث موقع Middle East Eye أيضاً مع عدد من المعتقلين السابقين الآخرين الذين وصفوا أيضاً تجارب مماثلة لما تعرض له الرجال في هذه القصة.
"أرادوا أن نبقى بين الحياة والموت"
ويسترجع معاذ مقداد تفاصيل الاعتقال والتعذيب في سجون إسرائيل قائلاً: "لقد عذبونا لساعات، ورشونا بالماء البارد ونحن شبه عراة. كانوا مصممين على تعذيبنا وكسرنا.. إذا نام أي سجين، كان الجنود يضربونه بشدة على رأسه أو صدره لإبقائه مستيقظاً. لقد أرادوا أن نبقى بين الحياة والموت".
وأضاف مقداد: "بعد الاستجواب، وضعوا ربطات كهربائية على جميع أنحاء جسدي وصعقوني بالصدمات الكهربائية القوية حتى رأسي".
وبعد عدة أيام من هذه المعاملة وأثناء الإفراج عن المعتقلين، يروي مقداد أنَّ هناك "شاباً أُصِيب بالشلل التام من قسوة الظروف، فحملته على الرغم من أنني بالكاد استطعت حمل نفسي. رآني الجنود وبدأوا بالصراخ وإطلاق النار، لكنني لم أهتم، واصلت المشي ولم أنظر إلى الوراء. في تلك اللحظات لم يكن ثقيلاً".
جرائم حرب
سلوك إسرائيل في حربها ضد غزة هو بالفعل موضوع قضية أمام محكمة العدل الدولية، حيث تُتَهِم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ولا تزال المحكمة الجنائية الدولية تحقق في جرائم الحرب الإسرائيلية.
فقد نشرت صحيفة The New York Times الأسبوع الماضي تفاصيل تحقيق غير منشور أجرته وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يتهم إسرائيل بإساءة معاملة مئات السجناء الفلسطينيين الذين اعتُقِلوا خلال الحرب في غزة.
فيما يبدو أنَّ العديد من هذه التفاصيل تتفق مع شهادات المعتقلين السابقين الذين تحدثوا إلى موقع Middle East Eye.
من جانبها، ذكرت صحيفة Haaretz، يوم الخميس 7 مارس/آذار، أنَّ 27 معتقلاً على الأقل من غزة لقوا حتفهم في منشآت عسكرية إسرائيلية منذ بداية الحرب. وأضافت أنَّ بعض الوفيات حدثت في قاعدة سدي تيمان العسكرية في جنوب إسرائيل وقاعدة أناتوت في الضفة الغربية.
تحقيق أممي
كذلك، قالت أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، يوم الجمعة 8 مارس/آذار، إنها تحقق في مزاعم التعذيب وسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين على يد إسرائيل، وتجري محادثات مع السلطات الإسرائيلية لزيارة البلاد في مهمة لتقصي الحقائق.
من جهته، قال رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي جمع أيضاً تقارير عن التعذيب في الحجز، إنَّ شهادات الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية "مروعة للغاية".
كما أضاف عبده لموقع Middle East Eye: "تكشف هذه الشهادات عن نمط منهجي من الانتهاكات، بما في ذلك التفتيش القسري، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب، والضرب المبرح، وهجمات الكلاب، والحرمان من الضروريات مثل الطعام والماء والوصول إلى دورات المياه. ولا تسبب هذه الأفعال الألم الجسدي فحسب، بل تترك أيضاً ندوباً نفسية دائمة على الضحايا".
وأكد عبده: "إنَّ استخدام مثل هذه الأساليب الوحشية، وخاصة ضد الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال والمسنين، أمر يستحق الشجب ويشكل انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية والقانون الدولي".
بينما قالت مريم عازم، وهي مناصرة في "عدالة"، وهي منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان، إنَّ التقارير عن "تفشي التعذيب وسوء المعاملة" التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية تتطلب تدخلاً دولياً فورياً.
وأضافت عازم لموقع Middle East Eye: "لا يزال مئات الفلسطينيين من غزة محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي، وأماكن وجودهم غير معروفة. إنَّ الموقف الحالي الحرج لا يتطلب الاهتمام فحسب، بل التدخل الفوري والحازم من المجتمع الدولي. وأي فشل في التدخل يشكل تهديداً خطيراً لحياة الفلسطينيين".