انتظر المصريون أن يؤثر تغير سعر الدولار مقابل الجنيه على أسعار المواد الغذائية في الأسواق، خصوصاً بعد توقيع صفقة رأس الحكمة مع الإمارات، والتي ستدر على القاهرة عشر مليارات دولار كدفعة أولى.
"عربي بوست" قام بجولات بأسواق في مناطق مختلفة، للتعرف على مدى تأثير صفقة رأس الحكمة وبعدها انخفاض سعر الدولار على أسعار المواد الغذائية، خصوصاً قبل شهر رمضان.
وزار "عربي بوست" سوقاً بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، لكن إجابة التجار عن انخفاض الأسعار كانت دائماً بالنفي، تحديداً فيما يتعلق بالسلع الرئيسية مثل الزيت، السكر، الأرز، اللحوم والدواجن.
واستقرّ سعر صرف الدولار رسمياً عند مستويات 30.85 جنيه في البنوك المصرية، في حين واصل سعر الدولار في السوق الموازية (السوداء) تراجعه خلال تعاملات هذا الأسبوع، لما دون 45 جنيهاً، ليسجل 43 و44 جنيهاً، بعدما وصل إلى 70 جنيهاً قبل أسابيع.
وهناك توقعات بتراجع حركة شراء العديد من المنتجات والسلع الغذائية التي تعتمد في مدخلاتها على المكون الدولاري أو الاستيراد من الخارج بشكل مباشر مثل الأجهزة الكهربائية والسيارات.
الأسعار مشتعلة
"لا يوجد أي انخفاض في الأسعار وتراجع الدولار لم يصل إلى الأسواق"، بتلك الكلمات بدأ حسين محمود وهو موظف خمسيني بإحدى شركات قطاع الأعمال الحكومية.
وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن ارتفاع سعر الدولار كان يؤثر بشكل لحظي على أسعار السلع الرئيسية في الأسواق، وحينما انخفض لم تتراجع الأسعار بعد مرور أكثر من أسبوع عن إعلان صفقة "رأس الحكمة".
وأشار المتحدث إلى أن أسعار السلع أصبحت مشتعلة، وهناك صعوبة في تلبية احتياجات رمضان؛ وبالتالي فإن الاستغناء عن بعض السلع والتقشف تجاه أخرى سيكون سائداً.
وأضاف: سعر لتر الزيت الذي يستخدم في القلي ما زال مرتفعاً ووصل سعره إلى 100 جنيه، وكذلك الوضع بالنسبة للسكر المعبأ والذي يشكل احتياجاً رئيسياً في رمضان يتراوح سعر الكيلو منه بين 34 و55 جنيهاً إن تواجد بالأساس.
وبخصوص العطارة قال متحدث "عربي بوست": "نبحث في المحلات التي تبيع بالكيلو لتوفير جنيهين عن سعر المعبأ، والوضع ذاته بالنسبة للمكرونة التي يصل سعر الكيلو منها إلى 25 جنيهاً، والسمن النباتي الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 110 جنيهات".
ويتابع: "في أحد المحال الموجودة في سوق التعاون بمنطقة فيصل توفرت كميات من السكر، لكن صاحب المحل قرر بيع الكيلو الواحد بـ80 جنيهاً، في حين أن سعره الأساسي لا يتجاوز 30 جنيهاً، ومع ذلك فإن المواطنين اصطفوا في طوابير للحصول عليه".
مشيراً إلى أن شح السكر سيترك تأثيراته على عادات المصريين في شهر رمضان، وأنه من بين ذلك الأسر التي ستتراجع عن إعداد الحلويات إذا لم تنفرج الأزمة خلال الأيام المقبلة.
يشير المواطن ذاته إلى أن أسعار الدواجن واللحوم لم تتأثر بانخفاض قيمة الدولار، وما زالت محال الجزارة القريبة من السوق وهي بالأساس شعبية تبيع كيلو اللحم بـ450 جنيهاً.
فيما وصلت أسعار الدواجن البيضاء إلى 105 جنيهات، والدواجن البلدي إلى 115 جنيهاً، وهي أسعار مرتفعة للغاية ويرجع التجار السبب في ذلك لأزمة عدم توفر الأعلاف وارتفاع أسعارها.
وقبل أيام أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، أنه سيتم الإفراج الجمركي عن البضائع المتواجدة في الجمارك بشكل تدريجي خلال أيام والأولوية للسلع الأساسية وألبان البودرة والأدوية ومستلزمات الإنتاج.
وقيمة البضائع المتواجدة في الجمارك تبلغ 1.3 مليار دولار، وسوف يتم تدبيرها لبدء الإفراج، مشدداً على أن الموانئ المصرية لن تشهد تكدساً في حجم البضائع مستقبلاً.
تراجع الإقبال لم يخفض أسعار اللحوم
رغم تأكيد المتحدث باسم الحكومة المصرية أن الأسواق استجابت للتغيرات في سعر الدولار، وأن هناك انخفاضاً في أسعار الذرة والفول الصويا الأساسيين في الأعلاف، غير أن صاحب محل للجزارة؛ نفى ذلك لـ"عربي بوست".
وقال المتحدث إن هناك مشكلات عديدة تواجه تربية المواشي، بينها الارتفاع المستمر في سعر الأعلاف، ومشكلة الأمصال التي تسببت في خسائر فادحة للمربين وترتب عليها نفوق المواشي، مما دفعهم إلى زيادة الأسعار لتعويض الخسائر.
وأكد المتحدث أن هناك عزوفاً استثنائياً للمواطنين هذا العام عن شراء اللحوم، وذلك لم يحدث منذ سنوات طويلة، ورغم ذلك فإن أصحاب محال الجزارة لا يستطيعون خفض الأسعار مع تراجع الطلب لأن التكلفة بالأساس مرتفعة.
وتشير أرقام رسمية إلى أن سعر الذرة سجل في أسواق الجملة انخفاضاً خلال الأيام الماضية ووصل إلى 15 ألف جنيه للطن الواحد مقارنة بـ19 ألف جنيه للطن منذ أسبوعين.
غير أن سعر الذرة مع نهاية العام الماضي منذ شهرين فقط كان يسجل 10 آلاف جنيه، وفي ذلك الحين كان سعر الصرف لدى السوق الموازية يقف عند مستويات تفوق الـ55 جنيهاً، وهو ما يجعل أسعار اللحوم تستمر في الارتفاع.
آلاف الجنيهات لا تلبي جميع الاحتياجات
وخلال جولة "عربي بوست" انتقلنا إلى سوق آخر بمحافظة الجيزة، ولم يكن الحال يختلف كثيراً من حيث كثافة المواطنين الذين نزلوا إلى الأسواق للتعرف على ما يجري بعد التبشيرات العديدة بانخفاض أسعار السلع.
ونفس الشيء هناك الاصطدام بمسألة استمرار ارتفاع الأسعار، في ظل شح السكر الذي يحظى باهتمام واسع في هذه الأيام؛ نتيجة طول أمد الأزمة واحتياج المواطنين له خلال شهر رمضان.
وقالت منى سيد، وهي موظفة أربعينية بإحدى شركات القطاع الخاص إن ميزانية شهر رمضان تقدر بآلاف الجنيهات، ولا يمكننا تلبية جميع الاحتياجات بسبب الارتفاع الكبير للأسعار.
وأوضحت المتحدثة أنها تلجأ إلى حيل عديدة، بينها شراء المستلزمات بشكل جزئي وعلى مرات عديدة حتى لا تشعر بصعوبة دفع المبلغ كاملاً، أو أنها تعتمد على أن يكون الأسبوع الأول هو الأكثر اهتماماً بالطعام والشراب قبل أن يتراجع ذلك شيئاً فشيئاً وبالتالي لا تحتاج إلى شراء سلع عديدة.
وأوضحت: "شهر الخير لديه طقوسه التي تشعر الأطفال بالبهجة، لكن هناك سلع أضحت من الممنوعات مثل "ياميش رمضان" حيث تعدى كيلو البندق أو اللوز 1000 جنيه، وعندما اشتريت ربع كيلو من الجوز بقشره مجهول المصدر بـ200 جنيه لأسعد أطفالي وجدته مخزَّناً وطعمه سيئاً للغاية وأصابهم بالقيء والإسهال".
ستكتفي الموظفة الأربعينية بالتمر والعصائر المصنعة بالرغم من مكسبات الطعم والألوان المضافة إليها، موضحة أن الحلويات لن تكون حاضرة بشكل كبير هذا العام؛ نتيجة لارتفاع أسعار السكر واختفائه من الأسواق.
المشكلة الكبرى التي تواجه السيدة هي الارتفاع غير المسبوق في أسعار التوابل والبهارات بمختلف أنواعها؛ حيث ارتفع سعر الكمون إلى 730 جنيهاً للكيلو مقابل 400 جنيه قبل شهر و180 جنيهاً في مارس/آذار العام الماضي.
كما ارتفع سعر الفلفل الأسود إلى 600 جنيه مقابل 340 جنيهاً منذ شهرين ووصل سعر الحبهان لـ2100 جنيه، كما أن بعض التجار يصرون على بيع التوابل مطحونة نظراً لأنهم يغشونها ويخلطونها بمنتجات أخرى أقل سعراً.
كما أن الزبادي الذي يعد أبرز محتويات سفرة السحور لا يمكن شراؤه أيضاً وصناعته في المنزل أضحت مكلفة أيضاً مع ارتفاع أسعار الألبان التي وصلت لأكثر من 40 جنيهاً للكيلو الواحد.
وحسب المتحدثة، فإن تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه جاءت في توقيت خاطئ لأنها تزامنت مع فترة تتزايد فيها معدلات الإقبال، وبالتالي فإن التجار لن يخفضوا الأسعار إلا حينما يشعرون بتراجع الطلب على منتجاتهم، في ظل غياب الرقابة بشكل كامل على مختلف الأسواق.
تراجع قيمة الدولار أمام الجنيه جاء في توقيت خاطئ
من جهته قال مصدر حكومي لــ"عربي بوست" إنهم يسابقون الزمن لانعكاس تراجع قيمة الدولار على الأسواق المصرية، ومن المتوقع أن يفرَج عن السلع الأساسية المكدسة بالموانئ التي يحتاجها المواطنون في شهر رمضان خلال الأيام المقبلة.
وكشف المتحدث أنه سيكون هناك شحن للزيوت والسكر والألبان والقمح والأرز والأعلاف والدواجن المجمدة واللحوم المستوردة، وستكون على رأس السلع التي ستعمل الحكومة على إدخالها إلى جانب الأدوية والخامات الدوائية.
وأضاف لـ"عربي بوست" أن السلع التي سيتم إدخالها ستكون بالسعر الرسمي للدولار في البنوك مع الاتجاه لتوفير العملة بالبنوك خلال الفترة المقبلة، وسيكون ذلك قبل أي خطوات تجاه تحريك سعر صرف الجنيه الرسمي؛ وبالتالي فإن الأسعار ستأخذ في الانخفاض، لكن بوتيرة بطيئة على مدار الشهرين المقبلين.
موضحاً أن الأزمة تتمثل في أن بعض التجار قاموا بشراء بضاعتهم على أسعار الدولار بالسوق السوداء حينما تجاوز 60 جنيهاً، ولن يقبلوا بتعرضهم للخسائر، وهو ما يرجح استمرار الارتفاعات خلال الأسابيع المقبلة.
وشدد على أن السلع الغذائية ستبقى الأقل تأثيراً بصحوة الجنيه بالسوق الموازية؛ لأن الطلب لا يتوقف عليها باستثناء اللحوم التي تراجع الطلب عليها بشكل لافت مؤخراً مع ارتفاع أسعارها.
وفي ظل الاتجاه الحكومي السائد نحو توفير الأعلاف بشكل كبير والتوسع في استيراد اللحوم المجمدة من البرازيل وعدد من الدول الأفريقية ستتراجع أسعارها، مؤكداً أن الأدوات الكهربائية والسيارات وغيرها من السلع التي يتم استيرادها من الخارج وشهدت خلال الفترة الماضية حالة من الركود التام جراء تذبذب أسعار الصرف ستكون الأكثر تأثراً، متوقعاً أن تنخفض أسعارها بنسب تتراوح بين 20% إلى 30%.
وتعاني مصر أزمة اقتصادية صعبة، بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسياً جديداً ناهز الـ40% في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يتراجع حالياً إلى 35.2%، وتضاعفت ديون مصر الخارجية أكثر من 3 مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164.7 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية، بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام.