قالت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي لرويترز، الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2024، إن الصندوق نجح في حل القضايا الأساسية مع السلطات المصرية فيما يتعلق بملفات مراجعة برنامج قرض لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وأضافت أن من المتوقع وضع اللمسات النهائية على حزمة تمويل إضافية في غضون أسابيع.
مراجعة برنامج قرض لمصر.. صندوق النقد يتحدث عن تقدم
أحجمت جورجيفا، خلال مقابلة على هامش اجتماع مالي لمجموعة العشرين في البرازيل، عن تحديد حجم الزيادة التي يمكن أن تتوقعها مصر في هذا القرض قائلة إن التفاصيل لا تزال قيد الإعداد. وأضافت أن المناقشات كانت "بناءة جداً"، وكانت هناك "إشارات مشجعة جداً" تتعلق بوجهة نظر مصر إزاء التعامل مع قضايا أثرت في السابق على قدرتها التنافسية.
ورداً على سؤال عن التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن صندوق النقد ربما يزيد حجم قرض مصر البالغ ثلاثة مليارات دولار إلى 12 ملياراً، قالت جورجيفا: "أتعلم؟ ليس خطأ أن تكون طموحاً".
وأضافت لرويترز خلال المقابلة: "احتمال زيادة (القرض) قائم بالفعل"، مشيرة إلى التحديات الإضافية التي تواجهها مصر بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة واضطراب الملاحة في البحر الأحمر. وقالت: "تدهور الأوضاع لم يكن بسبب خطأ مصر وإنما ناجم عن صدمة خارجية".
قلص صندوق النقد في يناير/كانون الثاني توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2024 إلى 2.9%، بانخفاض 0.5 نقطة مئوية عن أكتوبر/تشرين الأول، بسبب تأثيرات الحرب بين إسرائيل وغزة، كما خفض توقعات النمو في مصر للعام الحالي 0.6 نقطة مئوية إلى 3%.
انخفاض عائدات قناة السويس
أشارت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي إلى أن حركة المرور في قناة السويس والتي كانت تدر في السابق إيرادات تبلغ 700 مليون دولار شهرياً لمصر انخفضت بين 55 و60%، فضلاً عن تراجع السياحة. وأضافت أن مصر تواجه بالفعل منذ فترة تدفق اللاجئين من الصومال والسودان.
وقالت: "استقرار مصر مهم لها لكنه (أيضاً) مهم للشرق الأوسط برمته". وأضافت أن إعلان مصر يوم الجمعة عن استثمار حجمه 35 مليار دولار من الإمارات لتطوير واحدة من أفضل مناطق ساحلها على البحر المتوسط هو "علامة إيجابية للغاية".
وقالت جورجيفا إن صندوق النقد الدولي سيأخذ في الاعتبار أيضاً تدفقات التمويل من مصادر أخرى لسد الفجوة التمويلية في مصر. وأضافت أنها كانت تتوقع الانتهاء من مراجعات البرنامج في هذه الأيام، لكن الصندوق أراد أن يمنح السلطات المصرية المجال "للحصول على الثقة في أن جميع عناصر الدعم موجودة".
وقالت: "الآن هناك أمل في استكمال المراجعات بحلول شهر رمضان". وأضافت "دعونا نرَ أين سنصل. لكنني أتوقع أن تكتمل (المراجعات) في غضون أسابيع. أستطيع أن أقول بثقة الآن، لدينا اتفاق كامل بشأن القضايا الرئيسية".
ارتفاع سندات مصر السيادية من الدولار
يأتي ذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه السندات السيادية المصرية الدولارية وتعزز الجنيه في العقود الآجلة مقابل الدولار الإثنين؛ بعدما وقعت مصر اتفاق استثمار بقيمة 24 مليار دولار مع الإمارات يركز على التطوير العقاري لساحل البحر المتوسط.
وبموجب الاتفاق الذي أعلن يوم الجمعة، ستدفع شركة القابضة (إيه.دي.كيو)، وهي صندوق سيادي تابع لحكومة أبوظبي، 24 مليار دولار مقابل حقوق تطوير الأراضي في شبه جزيرة رأس الحكمة على الساحل الشمالي لمصر، بالإضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع الموجودة بالفعل في مصر إلى مشروعات رئيسية في البلاد.
ويقول محللون ومستثمرون إن الاتفاق من شأنه أن يخفف من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها مصر حالياً والمتمثلة في النقص الحاد في العملة الأجنبية. لكن لا تزال هناك شكوك حول آفاق الإصلاحات الهيكلية وقوة الاقتصاد على المدى الطويل.
وقال باتريك كوران من مجموعة (تليمر) للأبحاث: "ستساعد التدفقات الداخلة في سد فجوة التمويل الخارجي في مصر على المدى القريب، وتمهد الطريق لخفض قيمة العملة بشكل أكثر تنظيماً وتحفيز تمويل صندوق النقد الدولي".
وأضاف: "التأثير على المدى الأطول أكثر تبايناً لأنه يعزز نموذج النمو المصري المدفوع بالمشروعات العملاقة، ومن المرجح أن يتدفق جزء كبير من التمويل إلى خارج البلاد مع مرور الوقت بسبب البضائع المستوردة".
خفض العملة المحلية المصرية
قال مستثمرون إن الاختبار الأول يتمثل في مقدار خفض قيمة العملة المحلية بعد الاتفاق، وما إذا كانت مصر ستنتقل إلى سعر صرف مرن أم ستلجأ لتعويم عملتها، وهي خطوة تعهدت بها من قبل لكن لم تنفذها.
وأضافوا أن الاختبار الثاني يتعلق بما إذا كانت الحكومة ستمضي قدماً في بيع أصول أخرى، ومدى سماحها بمشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الذي تحكم الدولة والجيش قبضتهما عليه.
وقفزت السندات السيادية المصرية الدولارية بنحو خمسة سنتات اليوم الإثنين لتقترب من المكاسب التي حققتها يوم الجمعة، مع وصول العديد من أدوات الدين المقومة بالدولار إلى أقوى مستوياتها في عامين تقريباً.
وجرى تداول السندات الأطول أجلاً بين 72 و75 سنتاً تقريباً كما ارتفعت معظم السندات إلى ما فوق 70 سنتاً، ويعتبر كثيرون ما دون ذلك عتبة الديون المتعثرة.
وأظهرت بيانات من جيه.بي مورجان أن الفارق بين العائد على السندات المصرية الدولارية وعائد سندات الخزانة الأمريكية التي تعتبر ملاذاً آمنا -وهو مؤشر للمخاطر يحظى باهتمام المستثمرين- تقلص إلى 640 نقطة أساس في أدنى قراءة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أزمة دولار في مصر
في حين أظهرت البيانات المتعلقة بالعقود الآجلة للجنيه أن الأسواق قلصت توقعاتها بشأن مقدار خفض قيمة العملة في المستقبل. وارتفعت العقود الآجلة للجنيه المصري غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهراً إلى 52.9 جنيه للدولار الإثنين مقابل 64.55 جنيه للدولار يوم الخميس. وبلغ سعر الدولار في السوق السوداء بوسط القاهرة نحو 40 جنيهاً يوم الإثنين انخفاضاً من نحو 62 جنيهاً الأسبوع الماضي.
وجرى تثبيت سعر الصرف عند 30.85 جنيه للدولار تقريباً على مدار العام الماضي، بعد أن فقد حوالي نصف قيمته مقابل الدولار في سلسلة من التخفيضات بدأت في أوائل عام 2022.
وقالت مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" إن الاتفاق "سيغير قواعد اللعبة" بالنسبة لمصر على المدى القصير إلى المتوسط، وخفضت توقعاتها لسعر الصرف إلى 45 جنيهاً للدولار بنهاية العام مقابل 55 جنيهاً في السابق. لكنها أشارت إلى أن التوقعات طويلة الأجل لا تزال "مثيرة للقلق" بالنسبة لمصر، مع ضرورة فرض مزيد من الانضباط المالي.
من جانبه قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الجمعة إن مصر تتوقع الحصول على 15 مليار دولار من الصفقة في غضون أسبوع و20 مليار دولار أخرى في غضون شهرين. وأضاف أن الحكومة تظل ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، والمتوقع أن يرفع قيمة قرض متفق عليه بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وقال إنه لم يتبقّ سوى خطوات قليلة جداً على إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وانخفض تصنيف مصر الائتماني عدة مرات في الأشهر القليلة المنصرمة. وعدلت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية" في يناير/كانون الثاني، وعزت قرارها إلى المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد في ظل صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.
وأشار بنك باركليز في مذكرة إلى أن الاتفاق مع الإمارات يجب أن يمنح دفعة لبرنامج صندوق النقد الدولي وأن يضبط أداء العملة. وأضاف أن الحجم غير المعتاد للمشروع يشير إلى التزام الإمارات الثابت بالاستقرار في مصر ككل.