كشفت مصادر إيرانية مطلعة وأخرى قريبة من حزب الله اللبناني، الخميس، 22 فبراير/شباط 2024، عن طلب طهران من الحزب عدم التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ما أدى إلى خلافات بين حزب الله وإيران.
أوضحت المصادر أن "العديد من المناقشات والخلافات حدثت في الآونة الأخيرة، بين طهران وقيادات حزب الله، بشأن مسألة التصعيد مع إسرائيل، في ظل الاشتباكات المستمرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية".
إيران تطلب من حزب الله عدم التصعيد
في حديثه لـ"عربي بوست" حول الخلاف بين حزب الله وإيران، أفاد مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، مطلع على زيارات قيادات الحرس إلى لبنان في الفترة الأخيرة، بأن "رسالة خاصة حملها الوفد الإيراني من خامنئي لنصر الله، يطالبه فيها بالتمسك بالصبر الاستراتيجي، وعدم الانجرار إلى التصعيد مع إسرائيل حفاظاً على الحزب".
"الصبر الاستراتيجي" سياسة إيرانية في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بما يتعلق بالهجمات ضد مصالحها والعناصر الموالية لها خارج إيران، بتأجيل الرد عليها حتى الوقت والمكان المناسبين.
هذه السياسة ذاتها تطالب بها إيران الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، التي بدورها عبرت عن انزعاجها، بحسب تقرير سابق لـ"عربي بوست".
الأمر ذاته بالنسبة لحزب الله بحسب المصادر، التي قالت إن "هناك تذمراً من أعضاء محور المقاومة اللبنانيين والعراقيين من مطالبة طهران لهم بالتمسك بما تطلق عليه سياسة الصبر الاستراتيجي".
في هذا الصدد، قال دبلوماسي إيراني مقرب من حزب الله اللبناني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد نظراً لحساسية الموضوع، إن "هناك انزعاجاً كبيراً من قيادات حزب الله اللبناني من هذه السياسية، والمطالبة الإيرانية بتنفيذها، وهذا ما قاله نصر الله لوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان وقيادات الحرس الثوري".
أضاف المصدر بشأن الخلاف بين حزب الله وإيران أنه "عندما زار أمير عبد اللهيان لبنان آخر مرة، تحدث مع نصر الله حول مسألة عدم التصعيد من الحزب، لكن نصر الله أخبره بأن هناك تذمراً كبيراً من عدم الرد مقابل التصعيد الإسرائيلي، وهناك قيادات كبيرة داخل الحزب تطالب بالرد بالمثل على الهجمات والاغتيالات الإسرائيلية".
خلاف بين حزب الله وإيران بسبب عملية صفد
في 14 فبراير/شباط 2024، أوردت وسائل إعلام إسرائيلية أن شخصاً قتل وأصيب 7 آخرون جرّاء سقوط صواريخ أطلقت من جنوب لبنان على منطقة صفد في شمال الأراضي المحتلة.
أغضب الهجوم الذي قام به حزب الله، طهران، إلى حد ما، بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست".
مصدر أمني إيراني مقرب من دوائر صنع القرار في العاصمة الإيرانية طهران، قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "عملية صفد جاءت بدون تنسيق مع القيادات في إيران، وهذا إخلال بمبادئ محور المقاومة، التي تقوم على التنسيق فيما بينها".
أضاف أن وفداً من قيادات الحرس الثوري زار لبنان بعد عملية صفد، لمعرفة ما يحدث.
عن الخلاف بين حزب الله وإيران بهذا الخصوص، فإنه بحسب المصدر الإيراني، "لم يُقدم قادة حزب الله لطهران أسباباً منطقية بشأن عملية صفد، والتصعيد مع إسرائيل، خاصة أن الحزب استخدم في هذه العملية صواريخ إيرانية حديثة".
كشف كذلك عن أن "الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أخبر الوفد الإيراني بأن هناك مطالب كبيرة داخل قيادات الصف الأول من الحزب، تريد الرد والانتقام من التصعيد الإسرائيلي، والاغتيالات التي قام بها الاحتلال مؤخراً".
تعليقاً على ذلك، قال المصدر المقرب من الحرس الثوري الإيراني، إن "هناك بعض القادة في الحرس الثوري باركوا عملية صفد، لكن خامنئي والقيادات السياسية والأمنية في إيران غضبت منها، بسبب أنها جاءت دون تنسيق مع طهران، مطالبين من حزب الله بعدم تكرار الأمر".
لماذا عدم التصعيد؟ ضغوط داخل حزب الله للرد
قالت المصادر الإيرانية المطلعة على الخلاف بين حزب الله وإيران، إن مبرر القيادة الإيرانية العليا في عدم انجرار الحزب للتصعيد مع إسرائيل، هو "عدم تحويل الأنظار عما يحدث في غزة"، وفق قولها.
من جانبه، أكد دبلوماسي إيراني مقرب من حزب الله اللبناني لـ"عربي بوست"، أن "القيادة الإيرانية ترى أن إسرائيل تريد جرّ حزب الله إلى حرب أوسع، من أجل تدمير الحزب، وقدرته العسكرية، وتحويل الأنظار عما يحدث في غزة، لذلك فإن طهران متمسكة بالصبر الاستراتيجي مهما حدث".
وقال: "صحيح أن نصر الله يوافق على مسألة التمسك بالصبر الاستراتيجي، لكن في الوقت ذاته، فإنه يقول إنه يواجه غضباً كبيراً داخل الحزب من عدم الرد على الاغتيالات الإسرائيلية، التي طالت قادة كبار من الحزب في الفترة الأخيرة، مخبراً طهران إنه يخشى من انفجار الأمور داخل الحزب".
في حين هدفت الوفود من قادة الحرس الثوري والدبلوماسيين الإيرانيين الذين زاروا لبنان مؤخراً، إلى جمع آراء قادة حزب الله حول المرحلة القادمة من التصعيد أو عدمه مع إسرائيل، لإرسال التقارير إلى المرشد الأعلى الإيراني، بحسب المصادر الإيرانية.
وقالت إن قادة حزب الله اللبناني أخبر الإيرانيين بضرورة الثأر من الاغتيالات الإسرائيلية، ومنح طهران حزب الله الصواريخ الإيرانية الحديثة لاستعادة قوة الردع أمام الإسرائيليين.
حول هذا الأمر، قال الدبلوماسي الإيراني المقرب من حزب الله اللبناني، إن "القادة في حزب الله يرون أنه من الأفضل استعادة قوة الردع للحزب، نظراً لقلق الحزب من فقدان القاعدة الجماهيرية، وعدم إعطاء تل أبيب انطباعاً بأن حزب الله فقد قوة الردع، أو أنه يخشى المواجهة".
لكن الرد الإيراني جاء بالتأكيد على ضرورة التمسك بسياسة "الصبر الاستراتيجي"، معلقاً على ذلك المصدر الدبلوماسي الإيراني، بأن "هذا الإصرار أحبط العديد من قادة حزب الله في لبنان.
ما هو البديل بالنسبة لإيران؟
بشأن ما تراه طهران كحل بديل عن مسألة التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله، فإنها ترى أنه من الممكن أن يكون هناك حلول دبلوماسية، من أجل تجنيب الحزب ولبنان حرباً أوسع مع الإسرائيليين.
سياسي إيراني مقرب من دوائر صنع القرار في طهران، قال لـ"عربي بوست"، إن "القيادة الإيرانية ترى أنه من الأفضل اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية والمبادرات السياسية من أجل خفض التصعيد بين إسرائيل وحزب الله".
وقال: "القيادة في طهران تخشى بشدة من أن التصعيد الحالي بين تل أبيب وحزب الله سيجر الحزب إلى حرب أوسع مع الإسرائيليين، يخسر فيها قوته العسكرية التي بناها خلال سنوات طويلة"، لكنه استدرك بأن "هناك انقساماً في إيران حول هذا الأمر".
أما بشأن رأي الحرس الثوري بهذه المسألة، قال إنه يرى ضرورة أن يقوم حزب الله بالرد على الاغتيالات والهجمات الإسرائيلية، وأن فيلق القدس يؤيد مسألة الرد بشكل ما، "لكن خامنئي لا يريد ذلك، ويرى أن ثمن خسارة حزب الله سيكون فادحاً بالنسبة لإيران".
لكنه قال إنه "في حال أصر الإسرائيليون على التصعيد مع حزب الله، فليس من المؤكد أن يتمسك الحزب بالمطالبة الإيرانية بالصبر الاستراتيجي، وهذا ما يُثير القلق بين القادة في إيران"، وفق قوله.
يشار إلى أن وسائل الإعلام العبرية، أفادت في 14 فبراير/شباط 2024، بأن وابلاً من الصواريخ استهدف مستوطنتي المنارة ونطوعاه، وقاعدة عسكرية إسرائيلية في مدينة صفد، ما أسفر عن مقتل مجندة وإصابة 8 آخرين، وفق ما أكدته "نجمة داوود الحمراء".
بعدها، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان رسمي، شن غارات في لبنان، ضد "قوة الرضوان" التابعة لحزب الله وإيران.
يذكر أن الحدود اللبنانية الفلسطينية تشهد منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد يوم من "عملية طوفان الأقصى"، تبادلاً لإطلاق النار بين حزب الله وفصائل فلسطينية من جهة، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
يأتي التصعيد بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، على وقع الحرب والاجتياح الإسرائيلي في قطاع غزة، استشهد على إثرها أكثر من 29 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، ما أدى إلى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية للمرة الأولى في تاريخها بتهمة "الإبادة الجماعية"، بتحرك من جنوب أفريقيا.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.