أثار حادث العثور على مظروف به صفحتين من مصحف محروقتين جزئياً صدمة للسكان المسلمين، في بلدة مونفالكوني، التابعة لمقاطعة غُرِتْسِيَة في فريولي فينيتسيا جوليا، شمال إيطاليا، والتي تعتبر مركزاً صناعياً رئيسياً لتصنيع السفن والطائرات والمنسوجات والكيماويات والنفط المكرر، وذلك بعد أسابيع قليلة من قرار لعمدة البلدة، يخص حظر الصلاة في أماكن معينة.
في حين كانت الصدمة كذلك، بسبب أن السكان المسلمين هناك يعيشون بسلام نسبياً لأكثر من 20 عاماً. حيث استلمت جمعية دار السلام الثقافية الإسلامية، في شارع فيا دوكا داوستا، المظروف الموجه إليها وبه الصفحتان المحروقتان من أحد المصاحف، بعد وقت قصير من قيام عمدة مونفالكوني اليمينية المتطرفة، آنا ماريا سيسينت، بحظر الصلاة في المباني، وذلك وفق ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية في تقريرها، يوم الأحد 18 فبراير/شباط 2024.
مسلمو بلدة إيطالية يواجهون تعنتاً رسمياً
في حين تجاوز عدد سكان مونفالكوني مؤخراً الـ30 ألفاً. عادةً ما يكون مثل هذا الاتجاه الديموغرافي الإيجابي بمثابة خبر سار في بلدٍ يعاني من انخفاض سريع في معدل المواليد، ولكن في مونفالكوني، حيث كانت عمدة مونفالكوني اليمينية المتطرفة، آنا ماريا سيسينت ترعى أجندة معادية للإسلام منذ فوزها بولايتها الأولى في عام 2016، لم يكن هذا الارتفاع موضع ترحيب.
يُعزَى النمو السكاني في المدينة في الغالب إلى حوض بناء السفن المترامي الأطراف المملوك لشركة فينكانتيري العملاقة التي تسيطر عليها الدولة، والتي أدت سياستها المتمثلة في الاستعانة بمصادر خارجية للعمالة على مدار العقدين الماضيين إلى تدفق أعداد كبيرة من العمال الأجانب المهرة، معظمهم من بنغلاديش. ويفوق عدد القوى العاملة المهاجرة الرخيصة عدد الإيطاليين بكثير، خاصة خلال فترات الذروة في بناء السفن السياحية الضخمة.
لمّ شمل عائلات مسلمة في بلدة إيطالية
تعزز المجتمع البنغلاديشي في مونفالكوني بشكل أكبر من خلال وصول أقاربهم عبر سياسة لمّ شمل الأسرة، التي ترغب سيسينت في تقييدها، ومن خلال أطفالهم المولودين في إيطاليا.
واليوم، يشكل المجتمع 6,600 من إجمالي سكان مونفالكوني المولودين في الخارج والبالغ عددهم 9,400 نسمة، وفقاً للأرقام التي قدمها سيسينت خلال مقابلة مع صحيفة The Guardian البريطانية.
لقد غيّرت الهجرة تركيبة المدينة، فهناك مجموعة من المحلات التجارية والمطاعم المملوكة لأجانب، وشبكة من مسارات الدراجات يستخدمها في الغالب البنغلاديشيون، الذين تُعتَبر دراجاتهم وسيلة النقل الرئيسية لديهم.
فازت سيسينت، وهي سياسية مدعوم من حزب الرابطة بزعامة ماتيو سالفيني، وإخوان إيطاليا، الحزب الذي تقوده رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، بإعادة انتخابها بسهولة في عام 2022، وبصورةٍ غالبة كان هذا الفوز على أساس مناهضة الهجرة التي سهلت صعود إلى اليمين المتطرف إلى السلطة في إيطاليا.
كانت إحدى السياسات الأولى لسيسينت هي إزالة المقاعد الموجودة في الميدان الرئيسي للبلدة، زعم أنها كانت تُستخدم بشكل أساسي من قِبَلِ المهاجرين. وحاولت سيسينت الحد من عدد الأطفال الأجانب في المدارس، في حين ألغت لعبة الكريكيت، التي تحظى بشعبية كبيرة بين البنغلاديشيين. وفي الصيف الماضي، منعت النساء المسلمات من ارتداء البوركيني على الشاطئ.
لكن الحظر الذي فرضته سيسينت على الصلاة في نوفمبر/تشرين الثاني، والذي ينطبق أيضاً على المركز الثقافي الإسلامي الثاني في المدينة، هو الذي تردد صداها أكثر من غيره.
مزاعم تطال المسلمين في بلدة إيطالية
زعمت سيسينت أن المسلمين انتهكوا قواعد التخطيط الحضري؛ لأن المباني كانت مخصصة للاستخدام التجاري وليس للعبادة. وقالت إن السلامة كانت عاملاً آخر، بعد أن أرسل المواطنون صوراً لها تُظهر "مئات الأشخاص" وهم يدخلون.
وينسجم الحظر مع اقتراحٍ تقدم به حزب إخوان إيطاليا، الذي تقوده رئيسة الوزراء ميلوني، لإغلاق المئات من أماكن صلاة المسلمين من غير المساجد على مستوى البلاد. وعندما طلب منها التعليق على "وضع مونفالكوني" خلال مؤتمر صحفي في أوائل يناير/كانون الثاني، قالت ميلوني، التي طالما انتقدت "الأسلمة" في أوروبا: "يجب على أولئك الذين يختارون العيش في إيطاليا احترام الأعراف الإيطالية".
جدير بالذكر أنه، وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2023، احتج ما يقدّر بنحو 8 آلاف شخص ضد هذه الخطوة وضد حملة سيسينت المناهضة للإسلام، والتي يعتقد كثيرون أنها تُستخدَم لتعزيز صورتها، على أمل خوض الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران 2024. وتستأنف الجالية المسلمة أيضاً ضد حظر الصلاة أمام المحكمة الإدارية الإقليمية.