تعرض معلمون في إسرائيل، لخطر الفصل من العمل والملاحقة من الشرطة الإسرائيلية، بسبب موقفهم المناهض للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Times البريطانية، الأحد 12 فبراير/شباط 2024.
قال مئير باروشين، مدرس التاريخ والتربية المدنية الإسرائيلي، إنه بات مضطراً إلى تقديم درسه عن "سيادة القانون" في غرفة بلا تلاميذ وعبر كاميرا الفيديو، لطلابه في المدرسة الثانوية التي يعمل بها، مشيراً إلى أن ذلك ليس إلا جزءاً واحداً من العواقب العديدة التي تعرض لها بسبب ما نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من آراء مناهضة لما تفعله إسرائيل في غزة.
واجه المعلم البالغ من العمر 62 عاماً في الأشهر الأخيرة الاعتقالَ، واستجواب الشرطة، ونهب منزله، وأياماً في الحبس الانفرادي بتهمة الخيانة، ومئات من الرسائل المسيئة، التي حمل بعضها تهديدات بقتلِه واغتصاب زوجته وابنته. وفُصل باروشين من وظيفته، ثم عاد إلى العمل بحكم قضائي، لكنه يواجه مقاطعة من طلابه منذ عودته إلى التدريس.
نشر باروشين المنشورات التي استجلبت عليه هذه العواقب في فيسبوك وفي محادثات خاصة في مجموعات على تطبيق واتساب، وحمل بعضها تعليقات وآراء فيها انتقاد للإجراءات التي اتخذتها إسرائيل منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كتب باروشين في تعليق بمجموعة خاصة على تطبيق واتساب: "الخاضع للاحتلال لديه كل الحق في اللجوء إلى الإرهاب من أجل نضاله في مواجهة هذا الاحتلال" وفق وصفه، وقد التقط أحدهم صوراً لهذه التعليقات، ثم قُدمت بوصفها دليلاً على ارتكابه مخالفة تستدعي طرده من عمله.
باروشين في رسالة بتاريخ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال: "صور مروعة تنهال علينا من غزة. لقد أُبيدت عائلات بأكملها. أنا لا أنشر صوراً كهذه في العادة، لكن [نشرت هذه الصورة لكي أقول] انظروا ماذا نفعل من أجل الانتقام"، ونشر مع الرسالة صورة لعائلة فلسطينية قتلتها إسرائيل في إحدى الغارات الجوية الأولى على غزة. ثم قال: "أي شخص يعتقد أن ما حدث أمس يبرر لنا أن نفعل ذلك، عليه أن يلغي صداقته بي. وأطلب من الجميع أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإيقاف هذا الجنون. أوقفوه الآن. وليس لاحقاً، الآن!".
من جهة أخرى، تقول الشرطة الإسرائيلية إنها تتَّبع في "الجبهة الداخلية" سياسة تقوم على عدم التهاون مطلقاً تجاه أي "تحريض مزعوم على العنف".
معلمون في إسرائيل تعرضوا للإهانة والتهديد
قال باروشين لمراسل صحيفة The Times البريطانية: "منذ أن بدأت الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأنا أنشر عن المدنيين الأبرياء في غزة. لقد قتلنا حتى الآن أكثر من 11 ألف طفل وأكثر من 7 آلاف امرأة، والحجة الأساسية التي تُقدم لنا هنا: (لا نُبالي بالمدنيين الأبرياء الذي يُقتلون في غزة. فبعدَ ما فعلوه بنا في 7 أكتوبر/تشرين الأول، صاروا يستحقون أن يُفعل بهم ذلك). ويقول آخرون: (إنه لأمر محزن أن نقتل مدنيين أبرياء، لكن حماس هي السبب في ذلك. وإسرائيل لا لوم عليها). لكني مستاء من هذه الآراء أشد الاستياء، ولا أقبلها".
أوضح باروشين: "لدينا مسؤولية عما يحدث. وما يُرتكب هناك ليس لدي كلمة لوصفه إلا أنه جرائم حرب وجرائم بحقِّ الإنسانية. وهذه الجرائم تحدث باسمي. لذا أجاهر بمعارضتي لها".
لم يكن باروشين وحده من تعرَّض لمثل هذه العواقب. فقد واجهت يائيل أيالون، وهي مديرة مدرسة ثانوية في تل أبيب، تهديدات بالإيقاف عن العمل، بعد أن نشرت رابط مقال يتناول الأزمة الإنسانية في غزة، وانتقدت في تعليق عليه عدم نقل أخبار هذه الكارثة في الصحافة الإسرائيلية.
في أعقاب ذلك، بدأت مجموعة من الطلاب إضراباً احتجاجياً على ما فعلته يائيل، وتصاعد الاحتجاج إلى "مشاجرة" جسدية معها، ثم استُدعيت إلى جلسة استماع للتحقيق في الواقعة، وقد بقيت في وظيفتها، ولكن صدرَ قرار بوضعها تحت الملاحظة.
واستُدعيت الشرطة لاصطحاب معلمة أخرى، وهي مواطنة فلسطينية في "إسرائيل"، إلى خارج فصلها الدراسي، بعد أن تعرَّضت لاعتداءات لفظية، وقد صرخت حشود من التلاميذ في وجهها أثناء الخروج ووصفوها بالخائنة التي تنتمي إلى غزة. وكانت المخالفة التي اتهمت بارتكابها أنها نشرت صورة لنفسها على وسائل التواصل الاجتماعي قبل خمس سنوات وهي ترتدي وشاحاً يحمل العلم الفلسطيني. وقد أبلغ بعض أولياء الأمور سلطات المدرسة بهذه الصورة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وتصاعدت الأمور حتى استدعى الأمر تدخل الشرطة.
ولا تقتصر هذه الأحداث على معلمي المدارس، بل تعرض لها أيضاً طلاب وأساتذة جامعات وأطباء وغيرهم ممن نشروا آراء تتعارض مع الرواية الرسمية التي أجمع معظم الناس في إسرائيل على قبولها.
كشف استطلاع رأي نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نتائجه هذا الأسبوع أن 59% من اليهود الإسرائيليين يعارضون صفقة من شأنها أن تُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، حتى لو جاءت مصحوبة بالضمانات التي تريدها إسرائيل من الولايات المتحدة وباتفاقيات سلام مع دول عربية كبرى مثل السعودية. وأشار استطلاع آخر صدر الشهر الماضي إلى أن أكثر من 80% من الإسرائيليين يرون أن الجيش الإسرائيلي أبلى بلاء حسناً في الحرب على غزة.
في المقابل، قالت كارين سار، مديرة تنمية الموارد والتواصل في "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، إن إسرائيل مرت "بسيرورة طويلة من تقليص حريات التعبير الديمقراطية، لكن الحرب أعطت هذه المساعي دفعة زيادة إضافية"، والمواطنون العرب في إسرائيل مستهدفون بالخصوص، "أما منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تحث على محو غزة -على سبيل المثال- فلا يهتم أحد بمواجهتها".