احتشدت شوارع وسط العاصمة البولندية وارسو بقوات الجيش البولندي مدعومة بدبابات أمريكية الصنع من طراز "إم 1 أبرامز"، ودبابات "كيه 2" ومدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع من كوريا الجنوبية، وقاذفات صواريخ "هيمارس"، ومنصات الدفاع الجوي "باتريوت"، وحلقت الطائرات المقاتلة من طراز "إف 16" في سماء المنطقة.
لم يكن هذا العرض العسكري، الذي أقيم في ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفييتي عام 1920، هو الأكبر بالبلاد منذ الحرب الباردة فحسب، بل كان كذلك حفل تقديم وإعلان عن السعي إلى أسرع "توسيع للقدرات العسكرية" وأبعده طموحاً في أوروبا منذ عقود، وفق ما ذكرته صحيفة The Times البريطانية الأحد 11 فبراير/شباط 2024.
الصحيفة قالت إن القوات المسلحة البولندية ضاعفت حجمها تقريباً في أقل من عشر سنوات، من 95 ألفاً إلى 200 ألف جندي، منهم 148 ألف فرد نظامي، وقوة دفاع إقليمية قوامها 38 ألف جندي تأسست في عام 2015.
كما أشارت إلى أن الغاية التي يسعى إليها الجيش البولندي هي أن تصل قوته الإجمالية إلى 300 ألف جندي، وهو ما من شأنه أن يجعل لدى بولندا أكبر جيش بري تابع لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بين دول الاتحاد الأوروبي.
ترمي الخطة البولندية إلى بناء مخزون عسكري يتكون من 1600 دبابة قتالية رئيسية، منها قرابة ألف دبابة من كوريا الجنوبية وحدها، ويعني ذلك أن يتجاوز عدد الدبابات لدى بولندا ما لدى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا مجتمعة.
تضيف الصحيفة البريطانية أنه من المتوقع كذلك أن يزداد الإنفاق الدفاعي هذا العام إلى أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي لبولندا، بل وتشير بعض التقديرات إلى أن النسبة قد تتجاوز 4%، لتصبح نسبة الإنفاق الدفاعي الأعلى بين دول الناتو.
المسؤول عن تطوير الجيش البولندي
أما المسؤول الأبرز عن هذه الإصلاحات في الجيش البولندي، فهو وزير الدفاع السابق ماريوش بلاشتشاك، الذي تولى المنصب من عام 2018 حتى نهاية العام الماضي.
فقد كان الوزير السابق صريحاً بشأن الهدف من هذه التعزيزات حين سُئل عنها؛ إذ قال لصحيفة The Times البريطانية في مقابلة: "إننا نفعل ذلك لإنشاء قوة ردع كفيلة بأن تُثني [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين عن مهاجمة بولندا".
يأتي ذلك في وقت تتزايد فيه مخاوف الزعماء في مختلف أنحاء أوروبا من أن القارة ليست في وضع يُتيح لها الدفاع عن نفسها من دون الدعم الأمريكي، لا سيما أن الدول الأوروبية عمدت على مدى 3 عقود إلى تقليص ميزانيات الدفاع الوطني لاستثمار ما يُعرف بمكاسب السلام التي توالت عليها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي.
بينما استثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هذه المخاوف، في تصريحات له منذ أيام؛ إذ قال أمام حشد من مؤيديه إنه "سيُشجع" روسيا على مهاجمة أي دولة أوروبية في الناتو "تتخلّف" عن البقية في إنفاقها العسكري.
في اليوم نفسه، قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، لصحيفة Welt am Sonntag الألمانية، إن أوروبا تحتاج إلى "تسليح نفسها استعداداً لمواجهة ربما تستمر لعقود من الزمن" مع روسيا.
في السياق نفسه، قال بلاشتشاك إن الوقت قد حان لكي يؤدي سائر الأوروبيين واجبهم، و"أُدرك أن الإنفاق الضخم على الجيش عبء هائل على الميزانية"، "لكننا في لحظة حساسة من تاريخ قارتنا على نحو لا يترك مجالاً للشك في أنه من الممكن الاستغناء عن الاستثمار في قوتنا الدفاعية".
كما أشار وزير الدفاع البولندي السابق إلى تصريحات للرئيس البولندي الراحل ليخ كاتشينسكي، بعيد الغزو الروسي لجورجيا عام 2008؛ إذ قال آنذاك: "اليوم جورجيا، وغداً أوكرانيا، وبعد غدٍ دول البلطيق، وبعد ذلك ربما يحل الدور على بلدي".
كانت البداية الجديَّة لبرنامج إعادة التسلح في الجيش البولندي في نهاية عام 2018. ووضعت وارسو لنفسها هدفين رئيسين؛ الأول هو التمسك بالتعاون مع الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني الرئيسي لبولندا، وذلك بمضاعفة الإنفاق الدفاعي وطلب كميات وفيرة من المعدات الأمريكية المتقدمة، بلغت 366 دبابة من طراز "إم1 أبرامز"، ونحو 486 منظومة إطلاق صواريخ "هيمارس"، وما لا يقل عن 32 طائرة مقاتلة من طراز "إف 35". والهدف الثاني الذي يتطلع إليه الجيش البولندي هو زيادة حجم قواته.