مع تصدر هاشتاغات ضد اللاجئين السوريين في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وتصاعدها بعد دخول وسائل إعلام حكومية على الخط، بدأت تدور عديد من الأسئلة حول السر والأسباب الحقيقية وراء هذه الحملة وتوقيتها.
إذ بدأت تلك الحملة على منصة "إكس" ، ومازالت تبعاتها حاضرة حتى الآن دون أن يعرف أحد الجهة التي حركتها بشكل مفاجئ، مستهدفة أكثر من مليون ونصف سوري يتواجدون في المحافظات المصرية المختلفة.
في محاولة للوصول إلى السر وراء انتشار هذه الحملات، تتبع "عربي بوست" تلك الهاشتاغات فوجد أنها ارتكزت في البداية على دعوات متفرقة لمقاطعة المنتجات التي تقدمها محلات أطعمة سورية، لكنها ما لبثت أن أخذت أبعاداً أشد كراهية.
ويُطالب أصحاب الحملة بترحيل اللاجئين السوريين، مع انتشار فيديوهات بثها مصريون وسوريون حملت اتهامات متبادلة بين الطرفين، ودخل على الخط إعلاميون محسوبون على النظام المصري.
هنا، بدأ "عربي بوست" في التواصل مع مصادر حكومية وأمنية في محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة المرتبطة بسر انطلاق هذه الحملات في هذا التوقيت والأسباب الحقيقية وراءها.
تحصيل الدولار مقابل تقنين الأوضاع
قال مصدر أمني مطلع لـ"عربي بوست" إن الحكومة المصرية تنتظر تحصيل إيرادات دولارية من اللاجئين على أراضيها ممن ليسوا مسجلين بمفوضية اللاجئين.
وأوضح أن الدولة تتوقع أن تبدأ في تحصيل تلك الأموال خلال الفترة المقبلة كأحد المسارات التي تتخذها للتعامل مع مشكلات شح الدولار في البنوك.
وحسب المصدر، فإن المخالفين سيضطرون لدفع مبالغ طائلة قد تصل إلى 5000 دولار للأسرة المكونة من خمسة أشخاص سنوياً، أو سيكون البديل هو توجه أعداد كبيرة منهم للخارج بحثاً عن موطئ آخر.
وأضاف المصدر المطلع على ملف اللاجئين، أن الحملة الأخيرة التي لقت صدىً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم ترسيخ صورة ذهنية عن الدولة المصرية في أذهان المهاجرين والدول الأوروبية أيضاً تؤكد أن حالة الانفتاح التي ظلت عليها القاهرة خلال السنوات الماضية لاستقبال اللاجئين لم تعد حاضرة الآن.
ورفض المصدر التعليق على الجهة التي تقف خلف هذه الحملة، لكنه أشار إلى أن هذه الحملة يمكن أن تمثل حالة من الضغط على اللاجئين والمقيمين الأجانب لتسوية أوضاعهم القانونية بما يخدم في تحصيل مزيد من الإيرادات الدولارية لمصر.
تعليمات شفهية لوسائل الإعلام
من جهته، كشف مصدر إعلامي مطلع لـ"عربي بوست" أن هناك تعليمات شفهية لبعض وسائل الإعلام بعدم الدفاع على ما يتم تداوله من مطالبات بترحيل السوريين عكس ما كان يتم في السابق وهو الدفاع والهجوم على من يظهرون إساءة للسوريين لهم.
وأضاف المصدر المطلع في إحدى الجهات الإعلامية التابعة للدولة، أن هناك خطة إعلامية لتسليط الضوء على أعداد اللاجئين بصفة عامة والسوريين باعتبارهم ثانى أكبر عدد من اللاجئين بعد السودانيين في مصر وما يشكله ذلك من ضغط على موارد الدولة المصرية.
ويستكمل المصدر أن المعلومات التي وصلت لهم شملت تقارير ظهرت مؤخراً في أوروبا عن فشل اندماج اللاجئين خاصة السوريين الذين هاجروا إليها مع المجتمعات الأوروبية بسبب العادات والتقاليد وهناك نية لترحيلهم.
وحسب مصدر "عربي بوست" فإن إحدى الوجهات المطروحة عليهم هي مصر، وهذا الأمر سيزيد الضغط على موارد الدولة المأزومة أصلاً اقتصادياً، بحسب ما ذكره المصدر نقلاً عن التعليمات التي وصلت لهم.
ما كشف عنه المصدر يشير إلى وضعية صعبة قد تواجه اللاجئين في مصر بوجه عام، بالتزامن مع اتخاذ الحكومة المصرية مجموعة من القرارات تهدف لتقنين أوضاع اللاجئين الذين يتواجدون على الأراضي المصرية بشكل غير شرعي.
التلويح بورقة الهجرة غير الشرعية لأوروبا
كان المتحدث باسم الحكومة المصرية المستشار محمد الحمصاني صرح قائلاً: "تابعنا الحملة على السوشيال ميديا، وهي مرفوضة تماماً، وأعني هنا كافة الجنسيات وليس السوريين فقط".
وأضاف أن "الحكومة تمضي في طريقها نحو حصر أعداد اللاجئين بهدف تقنين الأوضاع وإصدار بطاقات هوية يمكن استخدامها مع كل الجهات في الدولة، وأن حصر الأعداد سيكون بشكل مبدئي خلال أسبوعين مقبلين".
ويفسر المتحدث ذلك بأن الحكومة لن تعادي السوريين، لما لديهم من استثمارات ضخمة في مصر، فضلاً عن أنهم قاموا بتوريد مبالغ تعدت سبعمئة مليون دولار لخزينة الدولة الأسابيع الماضية بعد صدور قرار تقنين أوضاع اللاجئين.
توجهنا إلى مصدر حكومي مطلع على هذا الملف، فأوضح أن هناك جهات رسمية بالدولة تحاول – حسب المتحدث – إرسال إشارات للدول الأوروبية بأن اللاجئين والمهاجرين أضحوا يمثلون أزمة اجتماعية قد تكون قابلة للانفجار في مصر، الأمر الذي ينتج عنه تدفق الهجرة نحو أوروبا.
يتماشى ما قاله المصدر مع ما صرح به مسؤول حكومي بأنه تتم عملية حصر ما تتحمله الدولة المصرية من أعباء ووضع المسؤولية على المجتمع الدولي تجاه هذه التكلفة التي تتحملها.
ولفت إلى أن مصر في ظل أزمتها الاقتصادية تريد الحصول على ما يقرب 10 مليارات دولار كمساعدات واستثمارات أوروبية لتوفير العملة الصعبة أولاً.
وبالعودة للمصدر الحكومي، فقد أوضح لـ"عربي بوست" أن مصر تريد تخفيف الضغط الواضح على الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي، تحديداً وأن الأخير يتضرر بشدة من نقص الدولار؛ وهو ما يجعل كثيراً من المصانع تعمل بنصف كفاءتها أو أنها تغلق أبوابها.
ولم يصرح المصدر بشكل مباشر بأن الحكومة المصرية هي التي تسببت في إشعال منصات التواصل الاجتماعي ضد السوريين، مشيراً إلى أن الموقف الحكومي السلبي من السوريين كان واضحاً قبل عشر سنوات تقريباً.
أعباء إضافية على مصر
تواصل "عربي بوست" مع مصدر مطلع مرتبط بملف شؤون اللاجئين في مصر للتعرف على رؤيتهم تجاه الأزمة، فأوضح أنهم ظنوها "سحابة يومين" وتهدأ كما حدث في أوقات سابقة.
وأوضح المتحدث الذي يشغل منصباً بإحدى الجهات المسؤولة عن اللاجئين في مصر، أن السوريين استطاعوا اختراق السوق المصري في مجالات متعددة بدأت بالأطعمة ونجحوا في تغيير نمط الاستهلاك المصري مع شيوع وانتشار الأكلات السورية بصورة كبيرة، وانتقل الأمر إلى الحلويات ثم الملابس والأدوات الطبية، تحديداً في مجال الأسنان؛ وهو الأمر الذي أغضب التجار المصريين الذين تعرضوا لخسائر جراء المنافسة القوية مع السوريين.
في نفس السياق قال المصدر: "فوجئنا باستمرار الهاشتاغات لعدة أيام على موقع "إكس" وبدا لنا أن الحملة تتماشى مع رغبة حكومية في الاستفادة من اللاجئين".
وتابع قائلاً: "الحكومة المصرية شددت خلال الأشهر الماضية من حملاتها ضد اللاجئين للتأكد من توفيق أوضاع إقامتهم، وفي حال وجدت هناك مخالفين تقوم بعمل كشف أمني للتأكد من عدم خطورتهم على الأمن القومي المصري".
وأضاف أنه في حال وجدت الحكومة أنه لا خطر أمني في اللاجئ تقوم بمساعدتهم على تقنين أوضاعهم للبقاء، فيما أقدمت على ترحيل بعض الجنسيات السورية والسودانية الذين اعتبرتهم خطراً على أمنها.
ويعتقد المصدر ذاته أن حملات الكراهية الحالية ضد السوريين تضر بالحكومة المصرية؛ لأنها تظهر كدولة طاردة للاستثمارات القائمة على أراضيها في ظل صراع عربي قوي على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، متوقعاً أن تكون بدء الحملات له علاقة بجهات معادية للدولة المصرية تستهدف تعميق مشكلاتها الاقتصادية بسحب الاستثمارات السورية أيضاً.
الاستثمارات السورية في مصر
تقول منظمة الهجرة الدولية إن السوريين الذين يشكلون 17% من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر من "أفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري".
وقدرت حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بنحو مليار دولار، "ما يعكس أهمية تعزيز اندماج المهاجرين لأثره الإيجابي على المجتمعات المُضيفة".
وبحسب دراسة بعنوان: "رجال الأعمال والمستثمرون السوريون في مصر وعلاقاتهم بسوريا"، الصادرة عن مركز روبرت شومان الأوروبي فإنه من بين 30 ألف مستثمر سوري أكثر من نصفهم مصنعون، استثمروا في قطاعات اقتصادية متعددة يعمل لديهم الآلاف من المصريين.
وعادة ما توظف الشركات السورية الصغيرة أقل من 10 موظفين والشركات متوسطة الحجم لديها ما بين 10 و50 موظفاً، أما أصحاب الأعمال الكبيرة، فيوظفون في المتوسط أكثر من 50 فرداً.
ويشترط على هؤلاء ضمان ألا يشكل الأجانب أكثر من 10% من إجمالي عدد الموظفين في مشروعهم الاستثماري وألا يتنافسوا مع المصريين على فرص العمل.
وتشير تلك التقديرات إلى أن 80% من المشروعات السورية التي افتُتحت خارج البلاد منذ العام 2011 تركّزت في مصر، خاصةً معامل النسيج، فيما قدرت الاستثمارات السورية في مصر بين عامي 2011 و2018 بنحو مليار دولار أمريكي، ويرجح أن يكون المبلغ أكبر؛ إذ إن معظم الاستثمارات السورية مسجلة باسم مواطنين مصريين بسبب الصعوبات الإدارية.
شماعة اللاجئين وخطر الترحيل
من جهتها، ذكرت مصادر حقوقية على صلة بمشكلات اللاجئين في مصر، أن المهاجرين الذين يتواجدون بكثافة على الأراضي المصرية دائماً ما يكونون ضحية للأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وأضاف المتحدث أن حملة مجهولة مثل التي تحدث الآن تصعيد شعبي غير مبرر، لكنها تأخذ فترة قصيرة تتماشى مع الموجة العامة ثم تأخذ في الانزواء.
ويتأثر المواطنون بسهولة بما يتم ترويجه في وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، ويذهبون نحو تصديقه بسبب ضعف الثقافة العامة والتعليم الذي يساهم في زيادة حالات التحشيد كما هو الوضع الآن.
وأشار عدة حقوقيين لـ"عربي بوست" إلى أن جهات حكومية دائماً ما تعلق فشلها على شماعة اللاجئين؛ وهو ما حدث أخيراً في أزمات شح الدولار واختفاء السكر، وفي كلتا الحالتين جاءت الانتقادات من مصادر تنفيذية تحاول إزاحة مسؤولية الفشل والإخفاق عن عاتقها، دون وجود دلائل عليها.
وذكروا أن السوريين يساهمون في دخول العملة الصعبة للبلاد بسبب التحويلات من الخارج، أو عبر تصدير منتجاتهم المطلوبة عالمياً، كما أن السودانيين أبرياء من أزمة السكر التي ترجع لأسباب تتعلق بتراجع الرقعة الزراعية والفساد الداخلي بوزارة التموين، والمشكلة الأكبر تكمن في أن البسطاء يتأثرون بما تروِّجه مصادر تنفيذية من شائعات مقصودة.
وتلفت المصادر ذاتها إلى أن الموقف الرسمي من اللاجئين وعلى رأسهم السوريون لا يذهب باتجاه ترحيلهم أو دفعهم نحو ترك البلاد، لأن ذلك يتعارض مع مساعي الحكومة لتكثيف ضغوطها على دول أوروبية لتقديم مليارات الدولارات مقابل ضمان تواجدهم في مصر، ويمكن القول بأن حصول القاهرة على تلك الأموال والمساعدات التي قد تأخذ جوانب لوجستية أخرى هو الهدف الرئيسي الذي تحاول الحكومة تحقيقه منذ العام 2016 حتى الآن.
وكشف المصدر أنه في حال فقدت مصر الأمل في الحصول على تلك المساعدات فإنها ستدفع باتجاه المضي قدماً نحو خيار الترحيل بشكل تدريجي، لكن القاهرة لم تصل إلى تلك المرحلة بعد.
ولدى المصدر ذاته قناعة بأن ما يواجهه السوريون الآن من حملات كراهية تبدو واضحة على المستوى الشعبي سببها الرئيسي الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه أكثر من 100 مليون مصري.
ومع التصريحات الحكومية التي تحمِّلهم مسؤولية الأزمات الراهنة يتولد لدى المصريين اليقين بأن رحيل اللاجئ هو الحل السحري لحل هذه المشكلات، وأن الأوضاع الضاغطة قد تؤثر في مواقف بعض المواطنين، فيما يظل الغالبية العظمى مرحبين بوجودهم؛ وهو أمر يرجع لطبيعة المصريين الذين ينفتحون على الآخر وتحديداً من الجنسيات العربية.