استقال أحد كبار المسؤولين السياسيين المعيَّنين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني 2024، من منصبه في وزارة التعليم الأمريكية، احتجاجاً على دعم الحكومة الأمريكية المستمر لحرب الاحتلال على قطاع غزة، إذ قال المسؤول الأمريكي إن هذه الحرب تؤدي إلى تطهير عرقي للفلسطينيين في القطاع، حسب ما نشره موقع Middle East Eye البريطاني.
وطارق حبش هو مسيحي أمريكي من أصل فلسطيني، فرّت عائلته من النكبة الفلسطينية على يد إسرائيل في عام 1948، وعيَّنته إدارة بايدن في وزارة التعليم للعمل مساعداً خاصاً في مكتب التخطيط والتقييم ووضع السياسات.
إذ قال طارق حبش في خطاب استقالته، الذي اطلع عليه موقع Middle East Eye البريطاني: "لكوني أمريكياً فلسطينياً، ولأني -في الواقع- المسؤول السياسي الأمريكي الفلسطيني الوحيد المعيَّن في وزارة التعليم؛ فإني أقدم وجهة نظر نقدية وغير ممثلة بالقدر الكافي فيما يتعلق بالعمل الراهن [داخل الإدارة الأمريكية] من أجل بلوغ المساواة والعدالة".
تابع حبش في خطابه الموجّه إلى وزير التعليم الأمريكي ميغيل كاردونا: "إلا أنني رأيت أن تصرفات إدارة بايدن و[نائبته كامالا] هاريس قد عرَّضت حياة الملايين من الأبرياء للخطر، وأقصد على وجه الخصوص حياة 2.3 مليون مدني فلسطيني يعيشون في غزة وما زالوا يتعرضون لاعتداءات مستمرة وتطهير عرقي من قبل الحكومة الإسرائيلية. لذلك، فإنه لا مناص لي من الاستقالة".
ويشار إلى أن هذا التنحي هو أول خطوة من هذا النوع لمسؤول كبير في إدارة بايدن منذ استقالة جوش بول، كبير مسؤولي وزارة الخارجية المشرفين على عمليات نقل الأسلحة، من منصبه في الأيام التي تلت بدء حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي سياق الحديث عن أسباب الاستقالة، قال حبش: "لقد شهدت في كل يوم تجريداً من إنسانيتي، ومحواً لهويتي من قبل أقراني، ومن قبل وسائل الإعلام، ومن قبل حكومتي"، و"على مدى 75 عاماً، لم يُسمح لأهلي أبداً بالعودة إلى ديار أسلافهم. وقد واجه ملايين الفلسطينيين عقوداً من الاحتلال والتطهير العرقي والفصل العنصري، وقبول إدارة بايدن السلبي بهذا الوضع الراهن يتناقض تناقضاً تاماً مع القيم الديمقراطية".
كما أشار حبش إلى أن الحكومة الأمريكية "تواصل تقديم التمويل العسكري غير المشروط لحكومةٍ لا تكترث لحماية أرواح الأبرياء".
اعتراض داخل إدارة بايدن
وتأتي هذه الاستقالة ضمن مجموعة من التحركات التي اتخذها مسؤولون في الإدارة الأمريكية للتعبير عن اعتراضهم على نهج بايدن تجاه حرب إسرائيل في غزة.
إذ أعلن مساعدون في حملة إعادة انتخاب بايدن الرئاسية عن اعتراضهم على موقف الإدارة الأمريكية من حرب الاحتلال على قطاع غزة.
وجاء ذلك في رسالة اطلع عليها موقع Politico الأمريكي، وتوجه فيها 17 موظفاً من العاملين بحملة بايدن بدعوة مباشرة إلى الرئيس الأمريكي يطالبونه فيها بالضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار في الحرب الجارية منذ أشهر.
وكتب الموظفون في خطابهم الاحتجاجي الذي نشره موقع Medium الأمريكي: "لأننا مساعدوك، فإننا نرى أن الضرورات الأخلاقية والانتخابية تقتضي منك أن تدعو علناً إلى وقف العنف"، "فالتواطؤ على مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، منهم 8200 طفل، أمر لا مسوغ له".
وحثَّ الموظفون الرئيسَ الأمريكي على التخلي عن نهج المساعدات العسكرية غير المشروطة لإسرائيل، ودعوا إلى العمل على وقف التصعيد في المنطقة.
وكان موقع MEE البريطاني قد أورد في أكتوبر/تشرين الأول، أن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية أعدوا مسودة برقية احتجاجية تدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطالبت البرقية الحكومة الأمريكية بتعزيز المصداقية والتوازن في الخطاب العام من أجل حلِّ الأزمة.
وقالت مصادر للموقع البريطاني إن التوترات داخل الإدارة وكذلك الكونغرس الأمريكي، بلغت أشدها على مدى الأشهر الماضية، إذ تزايد إحباط المسؤولين من موقف بايدن من الحرب.
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، كتب أكثر من 500 من المشاركين السابقين في حملة بايدن الانتخابية رسالة تطالب بوقف إطلاق النار.
وبعد شهر، بعثت مجموعة من المتدربين في البيت الأبيض في ديسمبر/كانون الأول برسالة إلى بايدن نفسه، قالوا فيها إنهم "لم يعد بإمكانهم البقاء صامتين بشأن الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني"، وحثوا الإدارة على المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في غزة.
وعلى الرغم من أن المتدربين ليس لآرائهم تأثير يُعتد به في قضايا السياسة الخارجية، فإن لغة الرسالة القوية واستخدام كلمات مثل "الإبادة الجماعية"، يدلان على رفض حاد لموقف بايدن وإدارته.
وعلى المنوال ذاته، قال حبش في خطاب استقالته: "لا أستطيع أن أقبل التواطؤ على تقاعس هذه الإدارة عن الاستفادة من نفوذها المستند إلى كونها أقوى حليف لإسرائيل، وعدم استخدامها هذا النفوذ لوقف هذا الاستمرار في مختلف أساليب العقاب الجماعي الشنيعة التي شملت قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية عن الفلسطينيين في غزة، والتي أدت إلى انتشار واسع النطاق للأمراض والجوع".
وجدير بالذكر أن المعارضة لموقف بايدن من الحرب لا تقتصر على بعض السياسيين في إدارته، بل إنه يواجه كذلك استياءً داخل حزبه السياسي، ومن طائفة كبيرة من الشعب الأمريكي، إذ كشف استطلاع رأي أجرته صحيفة The New York Times الأمريكية أن نصف الشباب الأمريكيين يرون أن إسرائيل تقتل المدنيين عمداً في غزة، وأبدى 70% منهم رفضهم لكيفية تعامل بايدن مع الصراع.
ويأتي هذا في وقت يصعّد فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مخلفاً حتى الأربعاء 22 ألفاً و313 شهيداً و57 ألفاً و296 مصاباً معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، وكارثةً إنسانيةً غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.