في أعقاب هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حظر تجولٍ كامل لمدة أسبوعين تقريباً على المنطقة المحيطة بالمسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة لمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وعدة أحياء أخرى خاضعة للسيطرة الإسرائيلية في المدينة. وعلى الرغم من مرور شهرين على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا يزال السكان الفلسطينيون يشتكون حواجز الطرق الجديدة التي فرضت عليهم، والقيود المشددة على التنقل، وحظر التجول ليلاً وفي عطلات نهاية الأسبوع، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية يوم الأحد 31 ديسمبر/كانون الأول 2023.
يقول شادي المحتسب، أحد سكان شارع السهلة في الخليل: "واقع الأمر أن الحي مغلق. لقد اختفى الناس من الشوارع، وصار الذهاب إلى أي مكان أمراً متعذراً. فمنذ بداية الحرب، لم أغادر الحي إلا 4 مرات فقط". وقد أُقيم بالقرب من منزلي حاجز تفتيش تتمركز فيه مجموعة من جنود الاحتلال، و"الأمر له تداعيات نفسية جسيمة على الأطفال، فهم لا يذهبون إلى المدرسة، ولا نستطيع الخروج بهم إلى أي مكان"، و"قد حُظر علينا حتى الخروج للتسوق مدةً، ولمّا سُمح لنا بذلك، وجدنا نقصاً حاداً في كثير من السلع".
إسرائيل تفرض قيوداً على سكان الخليل
قُسمت مدينة الخليل إلى قسمين في يناير/كانون الثاني 1997، بمقتضى اتفاق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ضمن اتفاقيات أوسلو. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المنطقة التي تُعرف باسم "إتش 1" تحت السيطرة الفلسطينية، أما المنطقة "إتش 2″، التي يقع فيها المسجد الإبراهيمي والمستوطنات اليهودية فتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة. ولما كانت هذه المنطقة يعيش فيها أيضاً آلاف الفلسطينيين، فإن القيود الإسرائيلية عليهم صارت رمزاً وشاهداً على الفصل والتمييز القائم بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.
بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أبلغ جنود الاحتلال السكان الفلسطينيين في المنطقة "إتش 2" أنهم ممنوعون من مغادرة منازلهم. وبعد نحو أسبوعين، تلقى السكان إشعاراً من الإدارة المدنية الإسرائيلية، يُسمح لهم بموجبه أن يخرجوا من المنزل 3 أيام في الأسبوع (في أوقات محددة)، والمرور عبر نقاط التفتيش إلى المنطقة "إتش 1" خلال ساعة واحدة في الصباح، وساعة واحدة بعد الظهر، ومن يتخلف عن العبور في هذه الساعة، فإنه يظل عالقاً في الجانب الآخر من المدينة إلى اليوم التالي.
وعلى الرغم من تخفيف بعض القيود بعد ذلك، فإن السلطات الإسرائيلية لا تزال تفرض حظر التجول ليلاً وفي عطلات نهاية الأسبوع على السكان الفلسطينيين في معظم أحياء المنطقة. ولم تعد حواجز التفتيش بين المنطقة "إتش 1" والمنطقة "إتش 2" إلى العمل على مدار اليوم، بل باتت تغلَق في وقت مبكر من المساء.
الاحتلال يحظر فتح المحال التجارية
توسعت السلطات الإسرائيلية كذلك في فرض قيودها على حي الجعبري في الخليل، مع أنه أحد الأحياء القليلة التي تنتشر فيها المتاجر الفلسطينية في هذا القسم من مدينة الخليل. وحظر جيش الاحتلال على أصحاب المتاجر فتح محالهم، ومنع سكان الحي من التحرك بمركباتهم فيه. وقال أحد أصحاب المحال التجارية لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إنه حاول فتح المحل لنقلِ بضاعته، فأنذره جندي إسرائيلي بأنه لو فعل ذلك، فإن القوات الإسرائيلية ستُصادر المفتاح.
وفي سياق الحديث عن الأيام التالية لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قالت أريج الجعبري، التي تقيم بالحي: "لقد مُنعنا من شراء الخبز أسبوعين، بل كان من المستحيل شراء أي شيء تقريباً".
وقالت أريج إن 3 عائلات تعرفها غادرت الحي خلال الأسابيع الماضية "خوفاً وضيقاً بالقيود" المفروضة على أهل الحي. وأشارت إلى أنها لا تذهب إلى الكلية التي تدرس فيها منذ الإعلان عن القيود الجديدة في بداية الحرب، ولا يذهب أطفالها إلى المدرسة. وقد تعرّض آخرون لأضرار مالية بالغة، لأنهم صاروا عاجزين عن الذهاب إلى أماكن عملهم في المنطقة "إتش 1" التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، أما من يعملون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، فقد أصبحوا عاطلين عن العمل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
في المقابل، يدَّعي جيش الاحتلال من الناحية الرسمية أنه لا يوجد حظر تجول في الخليل. وحين اتصل المحامي روني بيلي، من "جمعية حقوق المواطن" الإسرائيلية بالسلطات في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، أجابوا بأنهم "لم يُفرض أي حظر تجول على سكان المدينة" منذ بداية الحرب.
انتشار الحواجز الحديدية في الخليل
على النقيض من مزاعم السلطات الإسرائيلية، فإن السكان الفلسطينيين في الخليل يقولون إنهم يعانون منذ بداية الحرب بسبب حظر التجول، والقيود المفروضة على التنقل، والأسوار والحواجز الجديدة التي نُصبت في مناطق عديدة بالمدينة، بحيث تزيد من عزل الأحياء الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، وتمنع عبور الناس إلى الجانب الواقع تحت السيطرة الفلسطينية على النحو الذي كان متبعاً قبل الحرب.
أشار عيسى عمرو، وهو ناشط حقوقي معروف من حي تل الرميدة في الخليل، إنه على الرغم من أن القيود الإسرائيلية يُفترض أنها رُفعت الأسبوع الماضي، فلا يزال مقدمو الخدمات (عمال الغاز، والفنيون، والكهربائيون) ممنوعين من الدخول إلى الحي، وسيارات الإسعاف تتأخر مدة طويلة على الحواجز. وقالت مقيمة أخرى بالحي لـصحيفة "هآرتس" إنها اضطرت هي وشقيقاتها إلى حمل أسطوانات الغاز من الحاجز إلى منزلهن.
علاوة على ذلك، أنشأت سلطات الاحتلال عدة تمركزات عسكرية جديدة في حي تل الرميدة خلال الحرب، بل إن الجيش نصب أحد تمركزاته على سطح منزل عائلة فلسطينية، ووضع فيه أكياس رمل وسلاح آلي.
رداً على ذلك، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "لا يوجد حظر تجول في مدينة الخليل. والقيود المفروضة تخضع للاعتبارات العملياتية الصادرة عن قرارات قائد اللواء في المنطقة بالتشاور مع الأطراف المعنية".