كشف تقرير صدر حديثاً أن نصف سفن الحاويات التي كانت تعبر البحر الأحمر وقناة السويس بانتظام صارت تتجنب هذا المسار، بسبب استمرار الحوثيين في هجماتهم على السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إليها، بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية.
وتُظهر البيانات التي جمعتها شركة "فليكسبورت" Flexport الأمريكية أن 299 سفينة -تبلغ قدرة استيعابها الإجمالية 4.3 مليون حاوية بطول 6 أمتار- قد عدلت عن مسار البحر الأحمر، أو تخطط لذلك، وهو رقم يمثل ضعف عدد السفن التي كانت أعلنت عن تجنبها لهذا الطريق منذ أسبوع، وتعادل هذه السعة نحو 18% من السعة العالمية لسفن شحن الحاويات.
وتشير بيانات الشركة الأمريكية إلى أن لجوء السفن إلى الطريق المار حول قارة أفريقيا يمكن أن يطيل الرحلة بنسبة تصل إلى 25%، فضلاً عن أن هذه الرحلات أكثر تكلفة، ما يعني أن استمرار هذه الرحلات الطويلة ربما تتبعه زيادة أسعار جميع السلع والبضائع على المستهلكين، سواء أكانت هذه السلع أحذية رياضية أم مواد غذائية أم نفطاً، أم غير ذلك.
كان الحوثيون أعلنوا أنهم يستهدفون بهجماتهم السفن المرتبطة بإسرائيل، والمتجهة إليها، احتجاجاً على الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على الفلسطينيين في غزة ودعماً لهم.
سفن تتجنب عبور البحر الأحمر
بناءً على ذلك، باتت بعض السفن تظهر حيادها، وتستمر في استخدام طريق البحر الأحمر، حيث تشير بيانات واردة عن موقع TankerTrackers.com وبيانات تتبع السفن التي تجمعها وكالة Bloomberg الأمريكية، إلى أن 3 سفن -سفينتيْ حاويات وناقلة نفط- تعبر هذا الممر المائي حالياً، وتكشف الإشارات الواردة عن هذه السفن أنه لم يكن لها أي تواصل مع إسرائيل.
وتتوافق البيانات التي كشفت عنها شركة "فليكسبورت" الأمريكية مع إحصاء آخر أجرته شركة الشحن السويسرية "كوني آند ناجل"، والذي كشف أن عدد السفن التي انصرفت عن طريق البحر الأحمر، ولجأت إلى الطريق المار حول أفريقيا، قد زاد من 314 سفينة في 22 ديسمبر/كانون الأول، إلى 364 سفينة في 27 ديسمبر/كانون الأول.
وتظهر هذه البيانات تزايد الاضطراب في حركة الشحن البحري بعد أن شنّ الحوثيون أكثر من 100 هجوم على سفن تجارية خلال الشهر الماضي.
في السياق، قالت شركة "ميرسك" الدنماركية للشحن إنها تستعد لاستئناف رحلات السفن عبر البحر الأحمر "في أقرب وقت ممكن من الناحية التشغيلية"، أما شركة "هاباغ لويد" الألمانية، فأعلنت أنها لا تزال تتجنب طريق البحر الأحمر حتى بعد إعلان الولايات المتحدة تشكيل تحالف بحري دولي لحماية هذا المسار.
وكشفت بيانات صادرة عن شركة "كلاركسونز" البريطانية للأبحاث، الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن انخفاض عدد السفن الوافدة إلى خليج عدن بنسبة 40% بين 22 و26 ديسمبر/كانون الأول، بالقياس إلى متوسط عددها في النصف الأول من الشهر. كما انخفض وصول سفن الحاويات بنسبة 87%، وناقلات الغاز بنحو 30%، وناقلات السيارات بنحو 25%.
وتشير بيانات الشركة البريطانية كذلك إلى انخفاض بنسبة 45% تقريباً في عدد السفن التي مرَّت عبر قناة السويس في المدة بين 22 إلى 26 ديسمبر/كانون الأول بالقياس إلى السفن المتجهة جنوباً.
من جانبها، قالت شركة فليكسبورت إنه إذا استمر التعثر في طريق قناة السويس، والجفاف الذي يحدُّ من حركة الملاحة البحرية عبر قناة بنما، فإن السيناريو الأسوأ هو احتمال أن تنخفض قدرات الشحن العالمية بنسبة 20%.
وتوقَّع جودا ليفين، رئيس الأبحاث في منصة Freightos لحجز البضائع والدفع، أن تصل الزيادة في رسوم الشحن عبر المحيطات من آسيا إلى أوروبا، إلى 5 آلاف دولار للحاوية التي يبلغ طولها 12 متراً خلال الشهر المقبل، أي نحو 3 أضعاف سعر الشحن للحاوية قبل التحول عن طريق البحر الأحمر.
المخاطر قائمة رغم التدخل الأمريكي
في غضون ذلك، يرى خبراء وكالة "بلومبرغ" الأمريكية أنه على الرغم من نجاح الولايات المتحدة وشركائها في اعتراض جزء كبير من هجمات الحوثيين، فإن هذه الاستراتيجية الدفاعية باهظة الثمن، وما زالت المخاطر تؤدي إلى ارتفاع تأمين الشحن.
وقال جيرارد ديبيبو، كبير المحللين الجيواقتصاديين في بلومبرغ: "ربما يكون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ناجحاً من الناحية العسكرية، إلا أنه ليس كافياً لإقناع شركات الشحن الكبرى باستئناف العبور في طريق البحر الأحمر"، علاوة على ذلك فإنه "كلما طال أمد هجمات الحوثيين، زاد الضغط الذي ستواجهه الولايات المتحدة لتعزيز هجومها، وهذا الأمر ينذر بتصعيد إقليمي" أوسع نطاقاً.
وأشارت وكالة "بلومبرغ" في تقرير آخر لها أن الولايات المتحدة تحاول إقناع شركات الشحن بالإبحار في البحر الأحمر رغم استمرار هجمات الحوثيين، ويحاول الجيش الأمريكي طمأنة شركات الشحن إلى أن القوة المتعددة الجنسيات التي يقودها تبذل الوسع لتأمين الإبحار عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ومع ذلك فإن الحوثيين لم يظهروا أية بادرة على شروعهم في إيقاف هجماتهم حتى الآن.
حيث قال المقدم بريون ماكغاري، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في رسالة لوكالة "بلومبرغ" عبر البريد الإلكتروني، الخميس، إن البنتاغون "يتواصل مع شركات الشحن بوتيرة تكاد تكون يومية لبحث الاحتياجات، وبث الطمأنينة بأن المجتمع الدولي حاضر للمساعدة في توفير ممر آمن".
المساعي الأمريكية ليست كافية
وعلى الرغم من تواصل المساعي الأمريكية، فإنها ليست كافية حتى الآن لإقناع معظم شركات الشحن بمجازفة المرور عبر البحر الأحمر، وبأن المسيَّرات أو الصواريخ الحوثية لن تتمكن من تجاوز الدفاعات الأمريكية وتصيب سفنها.
من جانبه، قال مارك كانسيان، ضابط البحرية المتقاعد وكبير المستشارين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "سيستغرق الوقوف على الوضع الأمني [في طريق البحر الأحمر] بعض الوقت من شركات الشحن"، و"إذا تبيَّن لهم أن الولايات المتحدة والتحالف قادران على تأمين الإبحار عبر هذا الممر، فأعتقد أنهم سيعودون إليه. أما في الوقت الحالي، فإنهم ليسوا مطمئنين إليه بعد".
ويرى كانسيان أن بعض شركات الشحن ستظل "أكثر تجنباً للمخاطرة من غيرها. وخاصة الشركات التي لها علاقة بإسرائيل، إذ إن هذه الشركات ستكون أكثر تحفظاً من غيرها".
وخلافاً للآراء الداعية إلى مهاجمة الحوثيين، قال كانسيان: "إذا بدأت الولايات المتحدة بمهاجمة قواعد الحوثيين، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة المخاطر، وليس تقليلها"، و"لذلك لا أظن أن شركات الشحن عازمة حقاً على الدفع بهذا الاتجاه".