تظهر صور أقمار صناعية، تكدّس النازحين الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وذلك مع استمرار موجات النزوح من مناطق متفرقة في القطاع إلى جنوبه، جراء القصف العنيف لقوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يمنع النزوح إلى رفح من حدوث غارات واستهدافات إسرائيلية لمناطق سكنية تبعد مئات الأمتار فقط عن مصر.
الصور التي حصل عليها "عربي بوست"، تظهر اضطرار نازحين إلى نصب خيام في أراضٍ مفتوحة، غرب وجنوب رفح، على الرغم من تساقط الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، وتُظهر الصور مقارنة لمنطقة رفح بين تاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، و21 ديسمبر/كانون الأول 2023.
في تصريح لـ"عربي بوست"، أكد مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، الثلاثاء 26 ديسمبر/كانون الأول 2023، وجود قرابة 700 ألف نازح في رفح، ويُضاف هؤلاء إلى 300 ألف نسمة هم من سكان المدينة، أي إن رفح بات فيها مليون شخص، وهو ما يمثل قرابة نصف سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.1 مليون شخص.
وهذه الأرقام ليست نهائية مع صعوبة إجراء إحصاء لعدد النازحين في رفح بسبب ظروف الحرب، وتذهب توقعات إلى أن يكون عدد النازحين قد سجل ارتفاعاً، لا سيما مع توغل آليات عسكرية لقوات الاحتلال في خان يونس، وإصدار الجيش أوامر إخلاء لسكان أحياء في وسط غزة.
ومن بين أكثر المناطق في رفح التي شهدت توافداً كبيراً للنازحين، المنطقة الواقعة بجوار مقر للأمم المتحدة، حيث يفترض النازحون أن هذه المنطقة ربما تكون أقل عرضة للقصف من قبل الطائرات والمدفعية والبحرية الإسرائيلية.
كذلك تظهر صور الأقمار الصناعية، توافد نازحين إلى المنطقة عند الشريط الحدودي بين غزة ومصر، فيما يوجد نازحون على بعد نحو 900 متر فقط من الأراضي المصرية.
هذا النزوح الكثيف إلى جنوب غزة، كانت قد ازدادت وتيرته مع بدء الاحتلال للعملية البرية في قطاع غزة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وارتفعت الوتيرة أكثر مع تصعيد الاحتلال من عمليات تدمير المربعات السكنية في شمال وشمال شرق، وشمال غرب قطاع غزة.
ولم تعد الملاجئ في مدينة رفح قادرة على استيعاب المزيد من الوافدين إليها، وفي هذا الصدد، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في بداية ديسمبر/كانون الأول 2023، إنه من بين حوالي 1.8 مليون نازح في جميع أنحاء غزة، يعيش ما يقرب من مليون شخص في 99 منشأة تديرها وكالة الأمم المتحدة للإغاثة (الأونروا) في الجنوب، بما في ذلك في خان يونس ورفح.
مكتب الأمم المتحدة قال إنه مع امتلاء الملاجئ، استقر معظم النازحين داخلياً الوافدين حديثاً في الشوارع وفي الأماكن الفارغة بجميع أنحاء المدينة، ومع الارتفاع المستمر في عدد النازحين، تُشير تقديرات إلى أن ما يقرب من 85% من سكان غزة تركوا منازلهم منذ بدء الحرب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وكان جيش الاحتلال قد دعا سكان مناطق شمال ووسط غزة إلى التوجه نحو الجنوب، زاعماً أنها مناطق آمنة، لكن العديد من المناطق التي وصفها الاحتلال بالآمنة والتي انتقل إليها النازحون تعرضت للقصف.
كذلك تحوّلت مدينة رفح إلى ما يشبه الأمل الأخير لسكان غزة للنجاة من القصف العنيف للاحتلال، لكن هذه المنطقة لم تكن مستثناة من الاستهداف المتكرر، على الرغم من اقترابها الشديد من الأراضي المصرية.
وبحسب ما رصدناه من غارات جوية ضربت أماكن سكنية في رفح، فإن العديد من الضربات وقعت على بعد أمتار فقط من الأراضي المصرية.
من بين الاستهدافات قصف لمنزل في حي البرازيل في رفح جنوب غزة، ولا تبعد المنطقة المستهدفة عن الأراضي المصرية سوى نحو 400 متر فقط.
كذلك تعرض محيط مستشفى الكويت في رفح إلى قصف من قبل قوات الاحتلال مرات عدة، ولا يبعد موقع المستشفى عن الأراضي المصرية سوى نحو 650 متراً.
ويثير هذا التكدس الكبير للنازحين في مدينة جنوب غزة ومدينة رفح، قلقاً من حدوث سيناريو تهجير جماعي لسكان غزة إلى الأراضي المصرية، وفي هذا الصدد، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد حذر في وقت سابق خلال وجوده في قطر، "من تزايد الضغط من أجل التهجير الجماعي إلى مصر".
وأمس الإثنين 25 ديسمبر/كانون الأول 2023، دعا وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية، بتسلئيل سموتريتش، مصر، إلى السماح لسكان غزة بالمرور عبر الحدود المصرية، حتى يتمكنوا من الهجرة إلى بلدان أخرى، وذلك في وقت أعربت فيه القاهرة مراراً عن رفضها الدعوات لنقل سكان غزة إلى أراضيها.
وإلى جانب موجات النزوح الواسعة التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على غزة فإنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتل جيش الاحتلال 20 ألفاً و674 شهيداً، وتسبب بإصابة 54 ألفاً و536 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن دمار هائل في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً للسلطات في قطاع غزة والأمم المتحدة.