تضمَّنت نتائج الانتخابات المحلية العراقية، التي أُعلن عنها الأربعاء، 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، مشاهد بارزة عدة، من بينها تصدُّر أبناء وأشقاء مسؤولين حاليين نتائجها، التي رسمت كذلك ملامح خارطة سياسية جديدة، لا سيما أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية في العام المقبل.
من أبرز المشاهد التي تضمنتها نتائج الانتخابات المحلية العراقية، التي جرت لأول مرة منذ 10 أعوام، تصدّر أبناء وأشقاء المسؤولين الحاليين والسابقين في حصد أصوات الناخبين، لا سيما في محافظة نينوى شمال العراق.
أبناء وأشقاء المسؤولين الحاليين
مهند الجبوري، نجل محافظ نينوى المستقيل مؤخراً، نجم الجبوري، جاء في المرتبة الأولى في المحافظة، وحصل على نحو 55.747 صوتاً بعدما تصدَّرت قائمته "نينوى لأهلها" نتائج المحافظة بأكملها، 141.749 صوتاً.
كذلك، حلّ في المرتبة الثانية عن القائمة ذاتها، حسّان، نجل وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، الذي يقود تحالف "الحسم الوطني"، لكن ابنه فضّل الدخول في قائمة "نينوى لأهلها"، وليس في تحالف والده.
وحصل عبد الله، نجل محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، على المرتبة الأولى ضمن تحالف الحسم الوطني، بـ 11.628 صوتاً، فيما حقق عمار، شقيق النائب الحالي عن تحالف العزم، محمود حسين القيسي، المرتبة الأولى على المرشحين السنَّة في بغداد، بحصوله على 14.866 صوتاً.
بالنسبة لائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، فقد تصدرت المرشحة سندس، شقيقة النائبة الحالية، عالية نصيف، المرتبة الثالثة على قائمتها في بغداد، بحصولها على 5.827 صوتاً.
في محافظة ديالى، تصدَّر المرشح عمر، شقيق النائب الحالي عن مضر الكروي تحالف السيادة، وذلك بحصوله على 13.291 صوتاً، وحلوله أولاً على القائمة، بينما حقق صباح، شقيق النائب الحالي صلاح مهدي زيني التميمي، المرتبة الأولى على قائمة "الأساس العراقي" بحصوله على 9.643 صوتاً.
ملامح البرلمان المقبل
تعد مجالس المحافظات في العراق بمثابة السلطة التشريعية والرقابية في كل محافظة، إذ تتمتع بالحق في إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين الاتحادية التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات التنفيذية.
وقال النائب السابق في البرلمان العراقي، عبد الهادي السعداوي، لـ"عربي بوست"، إن الانتخابات المحلية العراقية تُعد خطوة في تشكيل الحكومات المحلية، وإنجاحها على مستوى اللامركزية الإدارية والمالية والقانونية، وأن الأنظمة البرلمانية تقضي بوجود مجالس محلية، وأخرى للأقضية والنواحي.
وأوضح أن الانتخابات المحلية "ستؤثر على ملف اختيار رئيس جديد للبرلمان، وستكون له أولوية في المفاوضات داخل البيت السنّي، مع العلم أن من يأخذ منصب المحافظ في عدد من المحافظات السُّنية، سيكون منصب رئاسة البرلمان لغيره".
ولفت السعداوي إلى أن "خارطة نتائج الانتخابات المحلية العراقية ترسم لنا ملامح شكل البرلمان المقبل، وهذه نقطة فاعلة ومهمة، بمعنى أن الوزن الانتخابي للكتل السياسية سينعكس على التحالفات، وحجم تمثيلها البرلماني في الانتخابات التشريعية المقبلة".
من جانبه، قال أستاذ الإعلام والمحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، إن الانتخابات المقبلة قد تحصل بعد أكثر من عام، لذلك قد تسهم هذه المدة في زوال قوى سياسية وتقوية أخرى متأثرة بانتخابات مجالس المحافظات الحالية.
الدعمي أكد لـ"عربي بوست" أن "ما حصل في الانتخابات المحلية العراقية، هو خروج 3 محافظات (البصرة، كربلاء، واسط) عن سلطة قوى الإطار التنسيقي الشيعي، رغم انسحاب التيار الصدري من الانتخابات، والذي يُعدّ المنافس الأول لهم في الوسط وجنوب العراق.
وتمكنت قوى محلية جديدة شكلها المحافظون في هذه المدن، من الحصول على أغلب المقاعد في مجالس المحافظة، الأمر الذي علق عليه الدعمي، بأنه "يعنى أنهم أصبحوا رموزاً جديدة تنافس الإطار التنسيقي في هذه المحافظات حتى بالانتخابات البرلمانية".
ولفت إلى أن ما جرى في هذه المحافظات يؤكد أن المتغيرات في الواقع السياسي قد تحصل في أي لحظة، خصوصاً إذا استفاد من هذه التجربة المحافظون الجديدون الذين سيتسلمون إدارة محافظاتهم بعد الانتخابات الحالية.
وقال: "من المرجح أن تنشأ قوى جديدة تسيطر على المشهد السياسي، وهذا الأمر مرجح في الواقع الشيعي أكثر منه في الواقع السني، لأن الانتخابات المحلية العراقية الحالية جاءت برموز جديدة لها جماهيرية كبيرة، وقد ينعكس حضورهم على شكل البرلمان المقبل، وترسم خارطة سياسية جديدة، في حال قرروا تشكيلهم قوائم تخوض الانتخابات التشريعية المقبلة".
ولم تتمكن قوى الإطار التنسيقي الشيعي التي فضلت دخول الانتخابات المحلية بثلاثة قوائم رئيسة (تحالف نبني، ائتلاف دولة القانون، تحالف قوى الدولة) من تحقيق أغلبية في محافظات (البصرة، كربلاء، واسط) التي تمكن محافظوها الحاليون من الفوز بأغلبية كبيرة تمكنهم من إعادة تسميتهم محافظين.
ويتولى منصب محافظة البصرة زعيم قائمة "تصميم"، أسعد العيداني، وفي كربلاء يدريها المحافظ نصيف الخطابي، الذي ترأس قائمة إبداع "كربلاء"، بينما يشغل منصب محافظ واسط محمد المياحي، وتصدرت قائمته (واسط أجمل).
وأعرب السعداوي من جهته، عن اعتقاده بأن تدني مستوى المشاركة في الانتخابات الحالية أو التشريعية التي سبقتها في عام 2021، يعود إلى سوء الخدمات التي قُدمت على مدار السنوات الماضية، خصوصاً في مناطق وسط وجنوب البلاد (ذات الغالبية الشيعية)، مشيراً إلى أن "هذا مؤشر خطر ويجب متابعته من القوى السياسية".
ولفت إلى أنه مع عقد الانتخابات للمجالس المحلية، وهي "مجالس خدمية ورقابية، تم حلها عام 2019، تجاوز العراق بذلك خللاً دستورياً أربك المحافظات، وترك المحافظين دون رقابة، وهذا تسبب بانتشار الفساد بشكل كبير جداً".
تقدم بمقاعد القوى السُّنية و"عودة الحلبوسي"
تراجع المشاركة وتحديداً من المكون الشيعي، رفع من مقاعد القوى السنية بشكل لافت، لا سيما في محافظة بغداد التي وصل عدد مقاعدها فيها إلى 22 مقعداً من أصل 52، بعدما كان في عام 2013، 17 مقعداً فقط.
من أبرز القوى السياسية المتنافسة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، تحالف "نحن أمة"، وهي إحدى أهم القوى السنية التي يتزعمها رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وتحالف "الأنبار الموحد" بزعامة رئيس حزب الحل جمال الكربولي، الذي يضم عدداً من القوى والشخصيات السياسية السنية التي تمثل محافظة الأنبار غربي العراق.
جاء حزب "التقدم" الذي يتزعمه الحلبوسي (سني) في المركز الأول في بغداد، تلاه ائتلاف "تحالف نبني"، فيما جاء ثالثاً ائتلاف "دولة القانون"، كما تصدر حزب الحلبوسي في محافظة الأنبار.
تمثل نتيجة تحالف الحلبوسي عودةً له للساحة السياسية، بعد أن جرى في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إزاحته من منصبه، إذ قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق إقالته من رئاسة البرلمان، بتهمة تزويره طلب استقالة للنائب ليث الدليمي، التي استند إليها لفصله من عضوية البرلمان.
كركوك تنتخب أخيراً
من أبرز المشاهد أيضاً في الانتخابات المحلية العراقية الحالية، أنها جرت في محافظة كركوك الغنية بالنفط، التي يطلق عليها محلياً بأنها "عراق مصغّر"، كونها تضم خليطاً من العرب والأكراد والتركمان، والمسيحيين، والشيعة والسنة.
يبلغ احتياطي كركوك من النفط نحو 38 مليار برميل كحد أدنى، وهذا يشكل 12% من احتياطي النفط العراقي، وهي من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، فالأكراد يريدون ضمها إلى إقليم كردستان، والعرب والتركمان يرفضون ذلك.
تصدّرت قائمة "كركوك قوتنا وإرادتنا" التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني الانتخابات في هذه المحافظة، بحصولها على 139.373 صوتاً، تليها قائمة التحالف العربي في كركوك، برئاسة محافظها الحالي راكان الجبوري، بحصولها على 98.174 صوتاً، وحلت ثالثاً جبهة تركمان العراق الموحد، بقيادة حسن توران، وحصلت على 72.281 صوتاً.
بهذا الخصوص، يرى النائب السعداوي أن "الانتخابات في كركوك تُعد إنجازاً كبيراً جداً فمجلس محافظة كركوك لم يتجدد منذ عام 2005".
وأشار إلى أن كركوك "من المحافظات المهمة وتعد قلب العراق، لأنها تمثل كل أطياف الشعب العراقي".
تراجع نسب المشاركة
من أبرز معالم الانتخابات المحلية العراقية أنها شهدت تراجعاً في نسبة المشاركة، إذ بلغت 41%، حسبما أكّد مسؤول في المفوضية خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، أي ما يعادل 6,6 مليون ناخب من أصل 16,1 مليون ناخب يحقّ لهم التصويت.
جرت الانتخابات المحلية العراقية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، في 15 محافظة عراقية، استثني منها مدن إقليم كردستان العراق، لكنها أوسع من الانتخابات السابقة التي جرت عام 2013 بـ3 محافظات.
الفارق عن آخر انتخابات محلية بلغ نحو 10%، فقد بلغت نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية التي جرت في أبريل/نيسان 2013، نحو 51%، واقتصرت على 12 محافظة فقط، بعدما استثنيت منها 3 محافظات سنية، هي: (كركوك ونينوى والأنبار)، بسبب احتجاجات شعبية اجتاحتها.
الصدر وإياد علاوي
وقاطعت العديد من القوى السياسية الشيعية انتخابات مجالس المحافظات العراقية، من أبرزها التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي يغيب لأول مرة عن الانتخابات منذ مشاركته الأولى عام 2005.
حثَّ الصدر أنصاره عبر تدوينة نشرها في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على منصة "إكس" على مقاطعة الانتخابات المحلية في البلاد، مؤكداً في معرض رده على سؤال من أحد أتباعه بخصوص المشاركة بالانتخابات، أن "المقاطعة ستقلل من شرعيتها خارجياً وداخلياً".
وكان الصدر أعلن في أغسطس/آب 2022، اعتزاله العمل السياسي، وانسحابه من العملية السياسية واستقالة نواب كتلته البرلمانية من المجلس "الكتلة الصدرية"، "احتجاجاً على الفساد"، وسط خلافات بينه وبين الإطار التنسيقي الشيعي المنافس.
على خُطى الصدر، أعلن إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف "الوطنية" عدم المشاركة، وذلك "تضامناً مع مطالب الشعب" وفق قوله، لأن المجالس "حلقة زائدة، وباب من أبواب الفساد" على حد تعبيره.
علاوي أوضح خلال بيانه في 20 أغسطس/آب 2023، أن "مطلب إلغاء مجالس المحافظات تحقق في المظاهرات الشعبية عام 2019، التي سدت باباً من أبواب الفساد والمناورات المشبوهة".
بضغط من الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أقدم البرلمان على إلغاء المجالس المحلية، واستقالة الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي، وذلك بعد مقتل نحو 800 شخص، وإصابة قرابة 30 ألفاً آخرين برصاص قوات الأمن والميليشيات الموالية لإيران.
في السياق ذاته، أكد أمين عام حزب "بيارق الخير"، محمد الخالدي، في 19 أغسطس/آب 2023، أنه مقاطع للانتخابات المحلية، "لأنه يدرك أن هناك متطلبات يجب توفرها لضمان نزاهة وشفافية التنافس بين القوى، وعدم وجود قانون يدقق في الأموال الطائلة المرصودة لبعض المرشحين".
حركتا "امتداد" و"وعي"
من الحركات البارزة التي لم تشارك في الانتخابات أيضاً، حركة "امتداد" التي تُعد نفسها ممثلة للاحتجاجات الشعبية في 2019، مؤكدة أن عدم مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات بموعدها الحالي يعود إلى تأخرها في انعقاد مؤتمرها العام الأول لانتخاب قيادة جديدة.
على الوتيرة ذاتها، أعلنت حركة "وعي"، برئاسة السياسي صلاح العرباوي، في 28 مارس/آذار 2023، مقاطعة الحركة انتخابات مجالس المحافظات، داعية العديد من الحركات المعارضة للواقع السياسي الحالي إلى مقاطعتها أيضاً.
يُشار إلى أن الدورة الانتخابية لمجالس المحافظات تمتد 4 سنوات، وتبدأ مع أول جلسة لها.
ويتكون مجلس المحافظة الواحد من 10 أعضاء، يضاف إليه مقعد واحد لكل 200 ألف نسمة لما يزيد على مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية سكانية تم وضع سجل الناخبين من خلالها.