يلجأ نازحون في غزة، يحتمون بفناء مدرسة في رفح الواقعة بجنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، إلى حلول يائسة مثل تخفيف حليب الأطفال المجفف في كمية كبيرة من الماء أو إطعام الأطفال وجبة واحدة يومياً بسبب عدم توافر ما يكفي الطعام، في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي، وضعف المساعدات التي دخلت القطاع.
ويعيش النازحون هذه الوضعية المزرية، في الوقت الذي أكد فيه مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الخميس 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن رفح هي المنطقة الوحيدة في القطاع الفلسطيني بأكمله التي تلقت مساعدات محدودة خلال الأيام الأربعة الماضية، ما يعني أن المناطق الأخرى تعرف واقعاً أمرَّ منها.
"أي شيء مثل الحليب"
يجلس زكريا ريحان على حصيرة أمام خيمة عائلته في مخيم مؤقت للنازحين وهو يحمل طفله الصغير "يزن" وزجاجة رضاعة تحتوي على كمية صغيرة من السائل.
يقول ريحان: "هذا في الأساس ماء مع ملعقة من اللبن المجفف، ربما أقل من ملعقة، أي شيء تكون رائحته مثل الحليب فقط؛ كي أتمكن من خداعه ليعتقد أنه حليب حتى يمكنه تناوله… لكنه ليس صحياً، ولا يمنحه أي تغذية".
كما أضاف ريحان أن جميع العائلات في المخيم تكافح يومياً من أجل العثور على الطعام ووسيلة لطهيه، ومضى قائلاً إنه أكل بقوليات نيئة من علبة جاءت ضمن شحنة مساعدات، بسبب عدم وجود وقود لإشعال النار.
وأوضح: "نعم، تأتي مساعدات لكنها ليست كافية على الإطلاق، لا تكفي جميع الأسر، يمكنك الحصول على علبة بقوليات أو علبة لحم لعشرة أشخاص، حتى لو تناولها شخص واحد فقط، فلن تُشعره بالشبع".
ومثّل نقص الغذاء مشكلة طيلة الحرب على غزة المستمرة منذ شهرين، لكنه تفاقم منذ انتهاء الهدنة التي استمرت أسبوعاً في الأول من ديسمبر/كانون الأول، بسبب تراجع عدد شاحنات المساعدات التي تدخل من مصر وعرقلة القصف العنيف لتوزيعها وضمن ذلك في جنوب غزة.
وجبة واحدة يومياً
في خيمة أخرى بالمخيم المقام بمدرسة في رفح، كان ثلاثة أطفال يأكلون الأرز من وعاء واحد. وقالت والدتهم يسرا الديب إنهم لن يتناولوا شيئا آخر بقية اليوم.
كما أضافت وقد بدا عليها الغضب والإرهاق: "الأطفال ينامون جائعين ويستيقظون جائعين. أعددت لهم وجبة وهي الوجبة الوحيدة التي يتناولونها في اليوم، ولا يأكلون بقية اليوم".
وتابعت: "في المنزل، كنت أطعمهم وجبة مغذية، ولم يمرضوا قط، لكن هنا، هم دائماً مرضى، وكل يوم يصابون ببرد في معدتهم".
الخبز بوزن الذهب
في جانب آخر من المخيم، قطع ناجي شلح، بعض الطماطم والفلفل الأخضر وكان يستعد لطهيهما في مقلاة صغيرة، وقال أيضاً إن هذه ستكون الوجبة الوحيدة لأطفاله خلال اليوم.
أضاف ناجي: "إذا تمكنت من العثور على خبز لأطفالي، فسيكون أشبه بالحصول على رطل من الذهب"، قائلاً إنهم يعانون من الجفاف بسبب نقص الطعام والماء، وإن أحد أبنائه فقد كثيراً من وزنه.
ومضى قائلاً: "وإذا حصلت على الخبز، فلا أستطيع إعطاء طفلي سوى نصف رغيف، لأنه إذا تناول الرغيف كله، فلن يأكل في اليوم التالي".
المساعدات غير كافية باعتراف أممي
تأتينا هذه المشاهد في اليوم الذي انتقد فيه مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق الإغاثة الطارئة، الجهود الإنسانية "غير الكافية" في قطاع غزة.
وقال غريفيث في مؤتمر صحفي عقده بمدينة جنيف السويسرية، الخميس، إنه "ليست لدينا عملية إنسانية في غزة يمكن تسميتها بهذا الاسم بعد الآن".
رغم استمرار الشاحنات في المرور عبر معبر رفح الحدودي، أكد غريفيث أن العملية الإنسانية الحالية في غزة "غير مستدامة".
المسؤول الأممي لفت إلى أن المفاوضات جارية لفتح معبر كرم أبو سالم من إسرائيل إلى غزة، واصفاً إياها بـ"الواعدة"، وأكد مسؤول الإغاثة مجدداً أنه "لا توجد مناطق آمنة في غزة".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت حتى الخميس 17 ألفاً و177 قتيلاً، و46 ألف جريح، ودماراً هائلاً بالبنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية