شارك طبيب تجربته بعد أن قضى أياماً في العمل بأحد مستشفيات غزة خلال العدوان الإسرائيلي عليها، إذ قال الجراح إنه عايش "مذبحة" استمرت 43 يوماً، مضيفاً أنَّ تدمير النظام الصحي الفلسطيني كان هدفاً عسكرياً إسرائيلياً في الحرب، حسب ما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وخلال مؤتمر صحفي في لندن، تحدث البروفيسور غسان أبو ستة، جراح التجميل والترميم، الذي سيقدم شهادته لاحقاً إلى الشرطة البريطانية، عن مشاهد مروعة في مستشفييْ الأهلي عرب ودار الشفاء بعد توقفهما عن العمل، وقال إنه شهد استخدام ذخائر الفوسفور الأبيض، التي نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدامها.
وقال أبو ستة، الذي يعمل في المجال الطبي في غرب لندن وعمل في غزة منذ عام 2009، وكذلك في الحروب في اليمن والعراق وسوريا ولبنان: "بعد رؤيتي هذه المذبحة تتكشف، أقول إنَّ غرضهم كان تحويل قطاع غزة لمكان غير صالح للسكن، وكان تدمير جميع مكونات الحياة الحديثة التي يعتمد عليها النظام الصحي هو الهدف العسكري الرئيسي".
وعندما سُئِل عن مزاعم الاحتلال بأنه في حالة حرب مع حماس وإنكارها لاستهداف المدنيين في غزة، قال: "إحصائياً، تحكي الأرقام قصة مختلفة".
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش أيضاً، في أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ الاحتلال استخدم الفوسفور الأبيض في غزة، بينما أضافت منظمة العفو الدولية أنَّ لديها أدلة على استخدامه في جنوب لبنان.
أزمة إنسانية في غزة
ورغم الإعلان عن تمديد الهدنة، الإثنين 27 نوفمبر/تشرين الثاني، لمدة يومين إضافيين، قال أبو ستة إنَّ الإمدادات الأخيرة من الأدوية والغذاء والمياه لا تقترب حتى من معالجة المشكلات الإنسانية التي يشهدها القطاع.
وقضى الجراح أبو ستة 6 أسابيع يتنقل بين مستشفيات غزة؛ حيث تبين له على الفور أنَّ نصف الجرحى هم من الأطفال. ومع مرور الوقت، تحول العاملون الطبيون من علاج إصابات الانفجارات إلى إصابات الصواريخ المتشظية والقناصة والقنابل الحارقة التي أنكر الاحتلال استخدامها.
وقال أبو ستة في المؤتمر الصحفي: "بدأنا نرى حروقاً ناجمة عن الفوسفور الأبيض. لقد عالجت مثل هذه الحروق في قطاع غزة خلال حرب عام 2009؛ لذا كانت هذه الأسلحة مألوفة لي لما تحدثه من إصابات وحروق مميزة للغاية".
وفي اليوم الذي تعرّض فيه المستشفى الأهلي العربي، وهو الأقدم في غزة، للهجوم في 18 أكتوبر/تشرين الأول، سمع أبو ستة صوت صفير صاروخ أعقبه انفجار. وأدى الانفجار إلى مقتل المئات، وأثار احتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأضاف أبو ستة أنَّ الهجوم على المستشفى الأهلي العربي كان بمثابة اختبار حقيقي لما خطط جيش الاحتلال الإسرائيلي لفعله ببقية النظام الصحي في قطاع غزة. وأوضح أنه بعد الهجوم، تعرضت 4 مستشفيات أطفال للاستهداف. وفي الأسبوع الماضي، استهدف الاحتلال مستشفى العودة والمستشفى الإندونيسي في شمال غزة، واعتقل مدير مستشفى الشفاء وعدداً من المسعفين.
وتابع أبو ستة، الذي شهد مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي يأمر فيها المدير الطبي لمستشفى العودة بضرورة إخلاء المستشفى وإلا ستكون هدفاً لهم، أنَّ "هناك نمطاً يكون فيه هدف هذه الحرب هو تحويل غزة إلى منطقة حرب وموت غير صالحة للسكن".
ومع مرور الوقت، تضاءلت الإمدادات الطبية، واضطر الأطباء لإجراء عمليات مؤلمة دون تخدير، قبل أن تصير العمليات الجراحية غير ممكنة. وقال أبو ستة إنَّ جروح المرضى كانت تُنظَّف باستخدام سائل الغسيل والخل المبتاعين من المتاجر، بينما أصيب آخرون باليرقات إثر تلوث جروحهم.
ومنذ مغادرته غزة قبل 10 أيام، قال أبو ستة إنه شعر بإحساس غامر بالذنب تجاه الأشخاص الباقين في القطاع، وأضاف: "أخشى أنَّ أولئك الذين صمدوا بما فيه الكفاية للبقاء سوف يغادرون في نهاية المطاف بمفردهم، وسيحدث حينها ما أراده الإسرائيليون، أي عام 1948 آخر".
وقال: "هذه الحرب هي استمرار لنكبة 1948".
ويشار إلى أنه في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أطلقت المقاومة الفلسطينية هجوماً على مستوطنات غلاف غزة، قتلت خلاله أكثر من 1200 إسرائيلي، وأصابت أكثر من 5 آلاف، وأسرت نحو 239.
فيما شنّ الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على القطاع خلّفت دماراً هائلاً في البنية التحتية وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لمصادر رسمية فلسطينية وأممية.