أثار إعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات أوروبية إلى مصر، مع تأكيده استكشاف الخيارات مع الدول الأعضاء لمساعدة القاهرة على معالجة عبء ديونها الثقيل، في هذا الوقت تحديداً، تساؤلات حول الدافع وراء هذا الأمر، وهو ما كشفت إجابته العديد من المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست".
إذ كشف مصدر دبلوماسي مطلع على المباحثات التي دارت مؤخراً بين مصر والاتحاد الأوروبي، أن الدافع وراء هذه المساعدات مرتبط بالتخوفات الأوروبية من المشروع الإسرائيلي الأمريكي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية.
وأوضح المصدر أن هناك "قلقاً أوروبياً من المضي قدماً في خطة تهجير الفلسطينيين التي يُجهز لها بنيامين نتنياهو، في الوقت الذي تعاني فيه مصر أوضاعاً اقتصادية متردية، ما يثير مخاوف أوروبية من أن الخيار الآخر سيكون هجرتهم باتجاه دول الاتحاد الأوروبي".
لذلك – بحسب المصدر – أعلن الاتحاد الأوروبي عن هذه المساعدات في هذا التوقيت رغم المطالب المصرية السابقة والتي أخذت منحى تصاعدي مع استقبال مئات آلاف السودانيين الفارين من الصراع في بلدهم.
مساعدات أوروبية إلى مصر بقطاعات مختلفة
كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قد أجرت زيارة إلى القاهرة، بحثت فيها بحسب وكالة "بلومبرغ"، نقلاً عن مصادر مطلعة، "الجهودَ المبذولة لدعم التنمية الاقتصادية في مصر، وتخفيف تأثير الأزمة المستمرة".
وفقاً للوكالة ذاتها، فإن الدعم الاقتصادي من الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة سيشمل هذه القطاعات: "الاستثمارات، والهجرة، والأمن، والاقتصاد"، وبحث سبل معالجة عبء ديون مصر الثقيلة.
بالإضافة إلى ذلك، أكدت الوكالة أن الاتحاد سيقترح خطة استثمارية لمصر تهدف إلى تعبئة 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار) في القطاعات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل، والتي يتخللها منتدى استثماريٌّ مخطط له في ربيع عام 2024.
وكشف المصدر أن هناك تخوفات من هجرة الفلسطينيين إلى أوروبا مع تمدد الاحتلال الإسرائيلي إلى شمال القطاع وعدم السماح للسكان بالعودة مرة أخرى إليه، وبذلك سيكون هناك أكثر من 2 مليون فلسطيني عليهم العيش في أقل من نصف مساحة القطاع المقدرة بـ 350 كيلو متر فقط، وذلك أمر صعب سيدفع البعض للهجرة إلى الخارج، وقد تكون القبلة في تلك الحالة دول الاتحاد الأوروبي.
وأوضح المصدر أن الأوروبيين يريدون الاطمئنان بأن "مصر ستتصدى لهذا المخطط، وأن الأزمة الاقتصادية لن تكون حائلاً لذلك التصدي"، على حد قوله، مضيفاً أنه ليس صحيحاً ما يتم تداوله عن أن تلك المساعدات هي للموافقة على التهجير للأراضي المصرية، لكن لأن القاهرة أرسلت تحذيراً إلى الأوروبيين بعدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية لقبول مخطط التهجير، وإلا ستقوم القاهرة بإرسال مليون شخص إلى أوروبا.
وشرح المصدر لـ "عربي بوست" هذا الأمر بالقول إن هناك أحاديث في الغرف المغلقة والعلنية تؤيد الرغبة الإسرائيلية في تهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء، لذلك حرصت مصر على تمرير رسائل من خلال مسؤوليها سواء وزير الخارجية أو رئيس الوزراء أو مسؤولين بالأمن القومي، للتحذير من مخطط التهجير ليس فقط لمصر أو للأردن لكن لأوروبا أيضاً، مشيراً إلى أن المطالبات الآن بعد تمسك القاهرة بموقفها هو تهجير أهل قطاع غزة لدول أخرى حول العالم.
وكان رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، قال في كلمته أمام البرلمان خلال حضوره لمناقشة 16 طلب إحاطة بشأن الأزمة، إن بلاده سيكون لها "رد حاسم" وفقاً لأحكام القانون الدولي، في حال حدوث أي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها في سيناء.
لم يجب المصدر عما يعنيه هذا "الرد الحاسم" وإذا ما كان يعني إمكانية دخول الجيش المصري حرب ضد إسرائيل حال استمرت في مخططها الواضح للعيان، لكنه أشار إلى أن القاهرة دائما ما تحذر من اتساع دائرة الصراع والتصعيد في المنطقة، لكن السياسة الإسرائيلية القائمة على إغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطينيين ستكون عواقبها وخيمة، وسيناريو عدم إحياء المسار السياسي يتولاه المجالس الأمنية والتي تنعقد باستمرار وهي من ستتخذ القرار المناسب.
استقبال مزدوجي الجنسية والمصابين
وكان رئيس الوزراء المصري أشار أيضاً إلى تعرض بلاده لضغوط سياسية واقتصادية على خلفية إجراءاتها تجاه منع محاولات تهجير الفلسطينيين، وأن مصر ترحب بدخول الفلسطينيين في الظروف العادية في أي وقت، لكن دخول 2 مليون فلسطيني في ظل الظروف الحالية يعني تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو ما لن تقبله مصر تحت أي ظرف.
وكشف مصدر دبلوماسي آخر من الخارجية المصرية، على صلة وثيقة بتطورات الأوضاع في غزة، عن أن "القاهرة لن تمانع في استقبال عشرات الآلاف من الفلسطينيين للعلاج، وكذلك الوضع بالنسبة لاستقبال مزدوجي الجنسيات وعائلاتهم".
وشدد في حديثه لـ"عربي بوست" على أنه "من الممكن أن تفتح مصر أذرعها لاستقبال عشرات الآلاف، لكن دون أن تسمح بوجود هجرة قسرية ممنهجة".
وأكد المصدر ما قاله المصدر الأول، من أن "مساعدات الاتحاد الأوروبي في هذا التوقيت تأتي في سياق أنها تخشى من هجرة الفلسطينيين إليها".
وقال إن "المسؤولين عن الأمن القومي المصري أحاطوا بتقارير عن موقف كل دولة من الحرب الدائرة في غزة، وكانوا على علم بأن هناك ضغطاً إسرائيلياً على الاتحاد الأوروبي للضغط على مصر لتقبل بمخطط التهجير".
واعتبر المصدر الدبلوماسي أن "التلويح بالمساعدات الاقتصادية لم يغير الموقف المصري من مخطط التهجير، لذلك كان هناك ضغط أوروبي من الناحية الإنسانية لإنقاذ أهل غزة من الإبادة، والموافقة على توطينهم في سيناء، لكن كان هناك رد حاسم بأن عليكم أن تضغطوا على إسرائيل بكل الوسائل لإيقاف الإبادة من الأساس".
مباحثات أوروبية مصرية خلال الهدنة
كشفت المصادر المطلعة أيضاً عن أنه مع بدء الهدنة في قطاع غزة، سيستغل المسؤولون المصريون الوقت للتباحث مع مصر حول السيناريوهات المطروحة حال توقفت الحرب أو استمرت، وستكون هناك خطة للتعامل مع الاحتمالات كافة.
وأشار إلى أن "القاهرة دائماً ما تحذر من اتساع دائرة الصراع والتصعيد في المنطقة، لكن السياسة الإسرائيلية القائمة على إغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطينيين ستكون عواقبها وخيمة"، مضيفاً: "ستتولى سيناريو عدم إحياء المسار السياسي المجالس الأمنية المصرية التي تنعقد باستمرار، وهي من ستتخذ القرار المناسب بالنسبة لمصر".
وشدد على أن "القاهرة أوضحت أنها تعرضت لضغوط خلال الفترة الماضية من أطراف مختلفة، بشأن وسائل وسبل مختلفة للتعامل مع قطاع غزة، وأنها مصممة على موقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية أو التدخل في مستقبل القطاع"، على حد قوله.
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أشار إلى أن بلاده "تتعرض لضغوط سياسية واقتصادية على خلفية إجراءاتها تجاه منع محاولات تهجير الفلسطينيين، وأن مصر ترحب بدخول الفلسطينيين في الظروف العادية في أي وقت، لكن دخول 2 مليون فلسطيني في ظل الظروف الحالية يعني تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو ما لن تقبله مصر تحت أي ظرف"، وفق تعبيره.
وكان قد أقر بأن "الاتحاد الأوروبي ينتظر دوراً فاعلاً لمصر لمواجهة الصراع الحالي، لما يخلقه من تحديات أمنية لدول الاتحاد".
المساعدات وحرب غزة
قال المصدر ذاته إن "الاتحاد الأوروبي يدرك أن مصر لن يكون باستطاعتها تحمل مسؤولية ملايين المهاجرين إليها، في ظل أوضاعها الاقتصادية الصعبة التي تتفاقم على نحو أكبر مع اندلاع الحرب في غزة، وبالتالي قد يكون تقديم مساعدات أوروبية إلى مصر بمثابة دعم مشروط بجهود أكثر فاعلية تقوم بها القاهرة، لمنع الهجرات إلى أوروبا بشكل غير مباشر عبر الأراضي الليبية، وذلك بعد أن تحوّلت مؤخراً إلى معبر للأفارقة الساعين للوصول إلى الشواطئ الليبية ومنها إلى أوروبا".
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد نفى في مؤتمر صحفي عقده مع مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في القاهرة، خلال زيارة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، وجود روابط بين تقديم مساعدات أوروبية إلى مصر وحرب غزة، قائلاً إن المناقشات حول المساعدات بدأت قبل أشهر من بدء الحرب.
في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قالت صحيفة "فيننشيال تايمز" البريطانية، نقلاً عن مصادر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، "يسعى إلى إقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر، لقبول اللاجئين من قطاع غزة".
وذكرت مصادر مطلعة على المناقشات للصحيفة، أن "مقترح نتنياهو جرى تقديمه من خلال دول عدة، من بينها التشيك والنمسا، في مناقشات خاصة خلال قمة زعماء الاتحاد الأوروبي"، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية الرئيسية، لا سيما فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة، رفضت هذا الاقتراح، ووصفته بأنه "غير واقعي"، مشيرة إلى "مقاومة المسؤولين المصريين المستمرة لفكرة قبول اللاجئين من غزة، حتى على أساس مؤقت".
ذهب المصدر الدبلوماسي الثاني، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أنه بغض النظر عن دافع الاتحاد الأوروبي من هذه تقديم مساعدات أوروبية إلى مصر "فإنه لا يمكن الحديث عن صفقة للتهجير مقابل الحصول عليها، والتي تُعدّ حقاً رئيسياً للقاهرة، جراء استضافتها أكثر من 9 ملايين مهاجر من بلدان مختلفة، وتحملها أعباء عدم هجرة هؤلاء إلى أوروبا، مع إحكام تأمين الحدود البحرية، ووقف الهجرات من حدودها عبر البحر المتوسط إلى دول الاتحاد".
وتابع بأن "تهجير أهالي قطاع غزة أمر مختلف، لأن الأمر يحمل بعداً سياسياً، ينضوي على تصفية القضية الفلسطينية برمتها".
وأشار إلى أن "الحرب الإسرائيلية على غزة لم تنته بعد، ومن المتوقع أن يواصل الاحتلال عدوانه على القطاع بعد انتهاء الهدنة، بالتالي فإن الضغوط بشأن عملية التهجير لن تتوقف الآن، وستستمر إذا استمرت العمليات الإسرائيلية"، على حد قوله.
الأزمة الاقتصادية في مصر
يواجه الاقتصاد في مصر أزمة طاحنة، مع وصول درجات الائتمان إلى مستوى غير مرغوب فيه، وتأخير مراجعة البرنامج مع صندوق النقد الدولي، ونقص حاد في النقد الأجنبي.
وخفّضت مصر قيمة عملتها 3 مرات منذ أوائل عام 2022، مع ارتفاع التضخم، وخسارة الجنيه ما يقرب من نصف قيمته.
وتُعدّ مصر الآن واحدةً من الدول الخمس الأكثر تعرّضاً لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، وفقاً لوكالة "موديز".
وتضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من 3 مرات في العقد الأخير، لتصل إلى 165,4 مليار دولار في 2023، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.