تعيش بلدة حوارة جنوب نابلس حالة إغلاق تامة، بعد أن فرضت قوات الاحتلال على شوارعها منع التجول الإجباري منذ عملية "طوفان الأقصى" وتزامناً مع 35 يوماً من الحرب والقصف على قطاع غزة.
جميع المتاجر مغلقة في الطريق الرئيسي لبلدة حوارة، وهو الطريق المتجه شمالاً للقادمين من وسط وجنوب الضفة إلى مدينة نابلس، إذ جرى إغلاق محطات الوقود، والمخابز، والمصارف، والمتاجر بأمرٍ من الجيش الإسرائيلي. بينما يقف الجنود الإسرائيليون في حذرٍ حاملين رشاشاتهم الآلية، وذلك لحماية بوابة معدنيةٍ صفراء مغلقة عند نقاط العبور الرئيسية الفاصلة بين شرق وغرب البلدة المقسمة الآن، حسبما رصدت صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
على الطريق نفسه، لا تتحرك سوى سيارات سكان مستوطنات اليهود المتشددين المنتشرة على التلال القريبة، والتي يشتهر سكانها القوميون المتطرفون بترويجهم وتنفيذهم أعمال عنف ضد الفلسطينيين.
ويعد تقسيم البلدة الذي بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من أكثر ردود الفعل تطرفاً بواسطة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة. لكنه جاء بالتزامن مع استغلال شخصيات اليمين المتطرف للأزمة من أجل المطالبة بتشكيل "مناطق أمنية" جديدة حول المستوطنات، وذلك بهدف تكوين مناطق جديدة مغلقة على الفلسطينيين.
إذ لا يستطيع سكان حوارة، البالغ عددهم نحو 7000 نسمة، أن يجتازوا الطريق إلا بتصريح، إن حصلوا عليه من الأساس. حيث جرى سد الطرق الجانبية، وأصبحت المسافة التي كانت تُقطع في دقائق سيراً على الأقدام تستغرق ساعات من السفر.
من جانبه، قال رئيس بلدية حوارة معين الضميدي: "الوضع يُشبه ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. بالأمس، قرر جميع الموجودين في البلدة أن يحاولوا إعادة فتح المتاجر لكسر الحصار. لكن الجيش أخبرهم بأن بقاء المتاجر مفتوحة سيؤدي إلى تكرار هجوم المستوطنين الأخير على حوارة".
وأوضح الضميدي: "خلال الأيام العشرة الأولى، مُنِعَ السكان من عبور الطريق الرئيسي سيراً على الأقدام. وبعد مفاوضات محتدمة ومُضنية، سيُسمح لك بالعبور من الشرق إلى الغرب لكن دون السير على الرصيف. لم أر شيئاً كهذا من قبل. وهم يفعلون كل ذلك لمجرد إرضاء المستوطنين".
وتحدث الضميدي خلال اجتماع طارئ في مبنى البلدية المكتظ بأعضاء المجلس البلدي وأصحاب المتاجر من جانبي البلدة، حيث تمت الدعوة إلى الاجتماع من أجل نقاش أسباب فشل جهودهم في إعادة فتح المتاجر وتحدي الجيش الإسرائيلي.
وقال الضميدي بغضب: "ليس هذا إغلاقاً ليومٍ أو يومين. لقد مضى شهر كامل".
وشملت قائمة الذين حاولوا فتح متاجرهم "عودة" البالغ من العمر 26 عاماً، والذي يملك متجراً للهواتف المحمولة ومغسلة للتنظيف الجاف.
حيث قال عودة: "فتحت متجري لنحو 10 دقائق قبل أن يأتي الجيش إلى المتجر. وطلب مني الجنود أن أُغلق المتجر على الفور. ثم ذكّروني بمتجرٍ جرّفه الجيش (كتهديد)، قبل أن يُلقِّم أحدهم سلاحه في وجهي. لقد مضى شهر كامل ونحن لا نستطيع حتى العبور إلى الجانب الآخر من البلدة".
وينطوي إغلاق وفصل حوارة على تداعيات جوهرية. إذ يعتمد كثير من الفلسطينيين على البطاقات مسبقة الدفع لخدمات الماء والكهرباء، لكن غالبية المحال التجارية التي تشحن تلك البطاقات موجودة في الطريق الرئيسي.
واضطرت البلدية الآن إلى اتخاذ الترتيبات اللازمة من أجل جمع البطاقات وتوصيلها إلى متجر ما يزال مفتوحاً، بعد الحصول على إذن.
ومع إغلاق المخابز، صار السكان مضطرين إلى الخبز في المنزل أو السفر إلى البلدات القريبة عبر الطرق الخلفية القليلة التي ما تزال مفتوحة.
حيث قال جلال عودة، عضو المجلس البلدي: "أنا من شرق البلدة. وكان عليّ المجيء إلى هنا لتوقيع بعض الأوراق. يُمكنني قطع مسافة ثمانية أمتار فحسب لعبور الطريق. لكنني اضطررت إلى قيادة السيارة مسافة 14 كيلومتراً من أجل الوصول إلى هنا اليوم. لقد استغرقت ساعتين في تلك الرحلة. هذا ليس عدلاً على الإطلاق".
بينما قال محمد هندان (71 عاماً)، مالك أحد المخابز: "هذه ليست حياةً طبيعية. لا أستطيع زيارة قريبي إذا كان يعيش في الجانب المقابل من البلدة".
ثم أردف: "لدي سوبر ماركت، ومخبز، ومتجر حلويات. وقد أُغلِقَت جميعها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولدي 15 عاملاً لا أستطيع دفع أجورهم. كما أرمي البضائع في القمامة بصفةٍ يومياً؛ لنفاد صلاحيتها".
ولم يأتِ إغلاق حوارة من فراغ. فبعد أن كانت البلدة محوراً للتوترات العنيفة بين المستوطنين المتطرفين والسكان الفلسطينيين، تحولت حوارة إلى رمز للأزمة المتزايدة في الضفة الغربية على مدار العام ونصف العام الماضيين، ورمزٍ للنفوذ السياسي المتزايد للساسة المرتبطين بالمستوطنين في حكومة نتنياهو.
وتشهد أنحاء متفرقة من الضفة الغربية والقدس يومياً حملات مداهمة واقتحامات للقرى والبلدات من قِبل قوات الجيش الإسرائيلي، تصحبها مواجهات واعتقالات وإطلاق للنار وقنابل الغاز على الفلسطينيين.
وزادت وتيرة تلك الحملات بالتزامن مع حرب مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء.