تراجعت الاستثمارات الإماراتية داخل الدول الأفريقية، إذ تواجه أبوظبي أزمات في صفقاتها لإدارة موانئ استراتيجية في تنزانيا وجيبوتي والصومال، فيما تقف الصين في مواجهة امتدادات الإمارات، حسبما رصدت مجلة Foreign Policy الأمريكية، الأربعاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
بحسب المجلة المتخصصة في دراسات العلاقات الدولية، فإن الإمارات تعمل على توسيع نفوذها في أفريقيا من خلال الوصول إلى الموانئ؛ وذلك في محاولة لتصبح القوة المهيمنة بالشرق الأوسط.
حيث يدير أفراد العائلة المالكة الإماراتية نحو 12 ميناء في جميع أنحاء أفريقيا من خلال شركات مملوكة للدولة، وضمن ذلك الخطط التي تم الانتهاء منها العام الماضي لبناء ميناء على البحر الأحمر بقيمة 6 مليارات دولار شمال بورتسودان.
كما كانت الإمارات رابع أكبر مستثمر في أفريقيا على مدى السنوات العشر الماضية، بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبلغت الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا ما يقرب من 60 مليار دولار على مدى العقد الماضي، مع التركيز على البنية التحتية والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية.
أزمة في تنزانيا
لكن صفقة جديدة بملايين الدولارات بين الحكومة التنزانية وشركة النقل البحري العملاقة، موانئ دبي العالمية، المملوكة للعائلة المالكة الإماراتية، أثارت غضباً شعبياً ومعارضة سياسية.
بموجب الاتفاقية، ستستثمر موانئ دبي العالمية 250 مليون دولار لتحديث نحو ثلثي ميناء دار السلام وتشغيله حصرياً لمدة 30 عاماً.
وُقِّعَ الاتفاق في 22 أكتوبر/تشرين الأول، لكن التقارير عن العقد ظهرت لأول مرة في يوليو/تموز، عندما زعمت جماعات المجتمع المدني والمعارضة أنه "ينتهك دستور تنزانيا ويعرض السيادة الوطنية للخطر".
وفي 10 أغسطس/آب، كانت المحكمة العليا بتنزانيا قد رفضت التماساً يطعن في شرعية اتفاقية الميناء. وقالت منظمة العفو الدولية في أغسطس/آب، إن ما لا يقل عن 24 شخصاً اعتُقِلوا لمعارضتهم الصفقة. وقد أُطلق سراح البعض منذ ذلك الحين.
يقول النقاد إن شروط الصفقة كانت في صالح الإمارات وقوضت الحقوق والإدارة المحلية. ومع ذلك، قال وزير النقل التنزاني ماكامي مباراوا، إن تنزانيا ستحتفظ بنسبة 60% من الإيرادات.
كما بدأت موانئ دبي العالمية الاستثمار في القرن الأفريقي منذ أكثر من عقدين من الزمن من خلال إدارة ميناء جيبوتي، وبناء محطات إضافية والمساعدة في تمويل الطرق والبنية التحتية. ويمثل الميناء وحده 95% من واردات إثيوبيا.
وفي العام الماضي، أُجلِيَ أكثر من 70 ألفاً من شعب الماساي من أراضي أجدادهم داخل منطقة محمية في تنزانيا. ووفقاً لجماعات حقوق الإنسان، كان ذلك حتى تتمكن الحكومة التنزانية من تحويل جزء من المنطقة إلى محمية صيد فاخرة -كما يُزعم- للعائلة المالكة الإماراتية، حيث تسعى البلاد إلى جذب مزيد من السياحة من الإمارات.
الصراع في الصومال
وسرعان ما عززت الشركة استثماراتها في عمليات الموانئ بأنغولا، ومصر، والمغرب، وموزمبيق، والسنغال، وحصلت في العام 2016 على امتيازٍ مدته 30 عاماً لتشغيل ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية. وأدت الصفقة إلى صراع مع الحكومة الصومالية، التي أرادت من موانئ دبي العالمية أن تتواصل مباشرة مع مقديشو.
لم يمنع هذا موانئ دبي العالمية من التوقيع على توسعة ميناء بقيمة 366 مليون دولار في منطقة بونتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الصومال، أو من إطلاق بناء ميناء عميق في البحر بقيمة 1.2 مليار دولار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي من المتوقع أن يكتمل بحلول العام 2025.
الصين وجيبوتي
ومع ذلك، فإنّ سعي أبوظبي إلى النفوذ الإقليمي اصطدم بالهيمنة الصينية. وفي عام 2018، استولت حكومة جيبوتي على ميناء دوراليه الذي بنته وتديره الإمارات، ويقع بالقرب من ميناء جيبوتي الرئيسي، وسلمت المحطة إلى شركة China Merchants Port Holdings ومقرها هونغ كونغ.
تزامن ذلك مع افتتاح منطقة تجارة حرة بقيمة 3.5 مليار دولار للشركات الصينية المملوكة للدولة بجوار الميناء. ومع ذلك، قالت موانئ دبي العالمية، التي حصلت على امتياز لمدة 50 عاماً منذ عام 2006، إن الخطة تنتهك صفقة "الوصول الحصري" الخاصة بها.
وألقت حكومة جيبوتي باللوم على موانئ دبي العالمية في رفض "التسوية الودية" عندما أنهت العقد. وحسبما ورد قال سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية، إن الإمارات "ستعيد جيبوتي" إلى الظروف التي كانت عليها قبل استثماراتها. ويعتقد أن النزاع بدأ بعد أن رفضت جيبوتي مقترحات لإقامة قاعدة عسكرية إماراتية هناك، لكنها سمحت بعد ذلك للصين بإنشاء قاعدة في عام 2017.
وبينما اتهمت حكومة جيبوتي الشركة باستخدام الفساد لتأمين امتياز دوراليه، أمرت محكمة الاستئناف في هونغ كونغ جيبوتي بدفع أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كتعويضات لموانئ دبي العالمية بعد أحكام سابقة صادرة عن محكمة تحكيم في لندن. وهناك دعاوى قضائية أخرى معلقة تتعلق بهذا الخلاف، من ضمنها دعوى يجري الاستماع إليها في محكمة فيدرالية أمريكية.
وفي صفقاتها الأخيرة، تتعرض الإمارات لضغوط متزايدة، ليس من الصين، بل من منظمات حقوق الإنسان، بعد اعتقال المنتقدين الذين عارضوا صفقاتها.