لم يستسِغ الاحتلال الإسرائيلي وقوفَ الأزهر الشريف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وإدانته لجرائم الاحتلال بحق سكان غزة، وهاجم شيخ الأزهر، أحمد الطيب، واتهمه بأنه يقف إلى جانب "الحركات المتشددة" في المنطقة، وذلك بعد عدد من البيانات التي أصدرها.
حيث قال معهد دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي "INSS"، في تقرير له أعده المستشرق اليهودي أوفير وينتر، الباحث الأول في المعهد، والمحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب، تحت عنوان: "من الإسلام المعتدل إلى الإسلام الراديكالي.. الأزهر يقف إلى جانب حماس"، على حد تعبيره.
أضاف المعهد: "منذ الهجمات التي شنتها حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، كانت الإدانات من جانب رجال الدين في العالم العربي والإسلامي واضحة المعالم، وتوسعت الإدانات حتى صدرت من مؤسسة الأزهر في مصر، التي تعتبر مرجعية دينية سُنية عريقة ومؤثرة، وتستفيد بحسب الدستور المصري من ميزانية الدولة".
اتهام الأزهر بـ"دعم التشدد"
تابع الباحث اليهودي: "المؤسسة التي تصنفها مصر عادة كمنارة للاعتدال الديني وحاملة الراية الأيديولوجية للحرب ضد التطرف الإسلامي، انكشفت باعتبارها داعمة للتشدد، فمع اندلاع الحرب، يقوم الأزهر بحملة تهدف إلى تأجيج العداء لدى الرأي العام العربي والإسلامي ضد إسرائيل ومؤيديها في الغرب، وفي ظل الوضع المتفجر، يجب على إسرائيل ومصر والأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة أن تتحرك بسرعة وحسم لكبح هذا الخطاب الخطير"، على حد قوله.
كما أشار تقرير المعهد الإسرائيلي إلى أن "الأزهر مؤسسة إسلامية قديمة تأسست في القاهرة عام 998 كأكاديمية للدراسات الإسلامية، وأمَّمها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1961 وتبعتها الحكومة المصرية".
حيث زعم التقرير الإسرائيلي أنه منذ ذلك الحين، أصبح الأزهر "أداة لإضفاء الشرعية الدينية على سياسات الأنظمة المتغيرة في مصر ونشر الرسائل باسمها على الساحة الداخلية والخارجية، بما في ذلك ما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل".
كما تابع: "كان الأزهر يتمتع بمساحة ضيقة من الاستقلال، وكان يصطدم أحياناً مع الأنظمة، خاصة في القضايا الدينية والاجتماعية، فجامعة الأزهر هي واحدة من أكبر الجامعات في العالم".
إذ يدرس في الأزهر حوالي نصف مليون طالب، منهم عدة عشرات الآلاف من الطلاب الأجانب، ولها فروع حول العالم، يدير الأزهر أيضاً نظاماً تعليمياً في مصر؛ حيث يدرس حوالي مليونَي طالب، أي حوالي 10% من نظام التعليم بأكمله.
الأزهر في عهد السيسي
قال المعهد العبري المتخصص في الشؤون الأمنية إنه منذ بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتخذ الأزهر خطاً مزدوجاً: فمن ناحية، يحارب الخطاب والأيديولوجية المتشددة لجماعة الإخوان المسلمين والمنظمات السلفية الجهادية مثل داعش، التي تعرض استقرار مصر لخطر، ونشرت حكم الشريعة الإسلامية الذي ينص على حظر الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنهم يهددون استقرار مصر الاجتماعي، وتشويه القرآن والسنَّة.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل الأزهر على تعزيز الحوار والتعايش والتسامح بين المسلمين والمسيحيين في مصر وخارجها، وبذلك تضع نفسها كفاعل ديني عالمي تقود جبهة أيديولوجية ضد التنظيمات المتشددة الإسلامية، باستثناء تلك التي تقاتل ضد إسرائيل.
كما أكمل: من ناحية أخرى، ظل الأزهر يزرع باستمرار، منذ أكثر من عقد، خطاباً عدائياً تجاه إسرائيل، بينما يمنح الشرعية الأخلاقية والشرعية للنضال العنيف ضدها، وخصص جزءاً من الخطاب لدعم نضال الشعب الفلسطيني ضد ما يسميه الأزهر "الكيان الصهيوني"، والتحذير من مخططاته المزعومة لتهويد فلسطين والاستيلاء على الأقصى، وفضح الجرائم ضد الفلسطينيين أمام الرأي العام العربي والدولي.
فيما أشار التقرير إلى أنه في أوقات التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين، يتضمن الخطاب دعوة للعرب والمسلمين للوقوف في طليعة النضال ضد إسرائيل.
هجوم على شيخ الأزهر
حسب التقرير، فإن شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي يترأس الجامع منذ عام 2010، يعتبر الروح الحية وراء خط الجامع الأزهر المتشدد تجاه إسرائيل، وأنه كثيراً ما يردد رسالة مفادها أن "كل احتلال ينتهي به الأمر إلى الزوال عاجلاً أم آجلاً"، أي إن وجود إسرائيل مؤقت ومحكوم عليه بالانقراض.
كما اتهم التقرير الشيخ أحمد الطيب بأنه يحتفظ باتصالات منتظمة ومفتوحة مع قادة حماس، وهذا على النقيض من النخبة الدبلوماسية المصرية التي تجنبت الاتصال المباشر مع الحركة منذ سيطرتها على قطاع غزة.
حيث أشار التقرير إلى إشادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بالطيب لرفضه لقاء نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، مايك بنس، احتجاجاً على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
في فبراير/شباط 2019، استقبل الطيب وفداً من كبار مسؤولي حماس، بينهم هنية وصالح العاروري، الذين شكروه على تعبئة الأزهر لصالح الفلسطينيين. من جانبه، أعرب الطيب عن أسفه؛ لأن الصراعات الداخلية تشغل المسلمين عن القضية الفلسطينية، وهو التوجه الذي "يخدم مصالح الاحتلال ويحقق أطماعه في ابتلاع فلسطين".
كما قال المعهد إن الأزهر الشريف يتزعم حملة دعم لحركة حماس، حيث إنه في أول رد لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي أدى إلى قتل أكثر من 1400 قتيل إسرائيلي، قال الأزهر: "نحيّي بكل فخر جهود المقاومة التي يبذلها الشعب الفلسطيني"، وأنه بعد أربعة أيام، تحدث الطيب مع هنية الذي سعى إلى حشد نفوذ الأزهر لإنهاء "العدوان الإسرائيلي على غزة"، وردَّ الطيب: "قلوبنا معكم ونتألم من المجازر في غزة".
أشار المعهد الإسرائيلي إلى أنه بعد أربعة أيام، نشر الأزهر رسالة أخرى أحادية الجانب باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، تحت عنوان "الاحتلال مصدر كل شر".
كما أن الأزهر وفقاً لتقرير المعهد العبري، في تصريحاته المتكررة منذ بداية الحرب، قدم الأزهر الدعم الديني والمعنوي لأعمال حماس، وحرض أتباعها في الجمهور الفلسطيني والمصري والعالم السنّي ككل على مقاومة إسرائيل.
تابع: بعد صلاة الجمعة يومَي 13 و27 أكتوبر، خرجت مظاهرات من ميدان الجامع الأزهر، حيث سُمعت شعارات: "بالروح والدم نفديك يا أقصى" و"خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، كما دعا الأزهر في فتواه التي أصدرها الفلسطينيين إلى الوقوف وقفة رجل واحد ضد الاحتلال، والأمتين العربية والإسلامية لمساعدتهم بقدر ما يستطيعون.
الأزهر "يسبب ضرراً لتل أبيب"
قال المعهد موجهاً حديثه للنظام في مصر: "إن الرعاية الدينية والسياسية التي يقدمها الأزهر لعناصر المقاومة المسلحة في فلسطين بأفظع صورة تسبب ضرراً لتل أبيب لا يمكن إصلاحه، قد يصل إلى حد التحريض على حروب دينية من شأنها أن تعرض استقرار الشرق الأوسط للخطر، ويتطلب هذا السلوك إجراءات مضادة فورية من جانب إسرائيل والمجتمع الإقليمي والدولي".
أضاف: "على الحكومة المصرية الضغط بقوة لكبح جماح الجامع الأزهر، حيث يجب على إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن تطالب الحكومة المصرية -التي تعد المصدر الرئيسي للنفوذ والسياسة- بقمع الأزهر، ووقف تمويله حتى تتوقف تلك المؤسسة الدينية عن نشر الرسائل المتشددة، وتأجيج التوترات السياسية والدينية وتشجيع نظريات المؤامرة ضد إسرائيل".