نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية، السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول، تقريراً حول أحد الآثار المترتبة على الحرب بين إسرائيل وغزة، وهو انهيار العلاقة السريع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعض ناخبيه الأكثر ولاءً؛ وهم الأمريكيون المسلمون والعرب.
التقرير أشار إلى أن البيت الأبيض قد لخّص هذا الأسبوع التوترات، بدءاً بجلسة استماع لموظفي الإدارة المحبطين المنتمين لتلك المجتمعات، وانتهاءً باجتماع مثير للجدل بين الرئيس وخمس شخصيات مسلمة اختارها البيت الأبيض، الذين واجهوا ضغوطاً هائلة من الناشطين للتراجع عن الحضور تعبيراً عن احتجاجهم.
ووفقاً للتقرير، فإن الازدراء الصريح تجاه بايدن من كثيرين في كتلة ديمقراطية يمكن الاعتماد عليها في الانتخابات، هو من بين العلامات العديدة التي تشير إلى أنَّ الصراع يعيد تشكيل السياسة الداخلية الأمريكية بسرعة.
ووُصِفَت أحداث الأسبوع بالتفصيل في مقابلات مع العديد من المدافعين عن العرب الأمريكيين والمسلمين داخل الإدارة وخارجها، وجميعهم تقريباً تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، ليصفوا بصراحة تعاملاتهم مع البيت الأبيض.
"دعاة حرب أم صانعو سلام؟"
إذ قال أحد المنظمين المجتمعين إنَّ مخاوف المجتمع يمكن تلخيصها في سؤال بالغ الأهمية: "هل نتعامل مع دعاة حرب أم نتعامل مع صانعي سلام؟ ومع مَن نتعامل؟".
بالنسبة للعديد من المسلمين والعرب الأمريكيين، جاء الجواب الأربعاء، 25 أكتوبر/تشرين الأول، عندما شكَّك بايدن في عدد الضحايا الفلسطينيين، لأنَّ الأرقام تأتي من مسؤولي الصحة الذين يقدمون تقاريرهم إلى حركة حماس.
وتاريخياً، كانت هذه الأرقام دقيقة، وفقاً لباحثين في الشرق الأوسط. ويوم الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت حماس أسماء وأرقام هويات وطنية ومعلومات أخرى لـ6747 شخصاً مدرجين في إحصاء وزارة الصحة للضحايا في غزة. وقالت الحركة إنَّ 281 جثة لا تزال مجهولة؛ ليصل العدد الإجمالي إلى 7028 ضحية.
وفسَّر الكثيرون تصريحات بايدن، التي كررتها الإدارة لاحقاً في بيانات رسمية، على أنها تصف الفلسطينيين بالكاذبين، أو أنها تساوي بين المهنيين الطبيين المحاصرين في غزة وحماس.
اجتماعات بين العرب والبيت الأبيض
فيما قال أحد كبار الموظفين الأمريكيين من أصول عربية في البيت الأبيض، الذي يشارك مشاركة مباشرة في التعامل مع المجتمعات المعنية، إنَّ الموظفين رفيعي المستوى يعقدون عدة اجتماعات مع الأمريكيين العرب والمسلمين والفلسطينيين لمناقشة رد البيت الأبيض.
ورفض الموظف التعليق على ما قيل في الاجتماعات. وعندما سُئل عما إذا كان أي شيء سيتغير في لهجة بايدن أو سياسته نتيجة للاجتماع، أشار ذلك الشخص إلى المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 20 أكتوبر/تشرين الأول، الذي كرر فيه الرئيس دعم الولايات المتحدة لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
في السياق، وصفت جماعات الدفاع عن العرب والمسلمين الأمريكيين الغاضبة، هذا الأسبوع، تصريحات بايدن حول عدد القتلى بأنها خطيرة، وتحدثت بعض الأصوات البارزة من تلك المجتمعات على الشبكات الاجتماعية، قائلة إنَّ الرئيس فقد دعمهم، وإنهم يفكرون في عدم المشاركة في انتخابات عام 2024.
وعندما انتشرت أنباء عن رغبة الرئيس في مقابلة قادة المجتمع- القادة الذين وافق عليهم كبار الموظفين- بدأ النشطاء الوطنيون على الفور في الاتصال بالهواتف للضغط على المدعوين لرفض المشاركة، أو القبول بشرط أن يُحاسَب بايدن على تصريحاته حول الوفيات الفلسطينية.
لماذا نجلس مع بايدن دون أي اتفاق؟
من جانبه، قال أحد المنظمين المجتمعيّين المشاركين في المحادثات: "لماذا تجلس معه دون أي اتفاق على أنه سيتراجع عن هذا التصريح ويعتذر؟ ما المقعد الذي تتفاوضون عليه على الطاولة، مقعد المرحاض؟".
عُقد الاجتماع في نهاية المطاف، يوم الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، متوجاً أسبوعاً من المناقشات المشحونة التي تركت علاقات بايدن مع العديد من الأمريكيين العرب والمسلمين مجروحة بشدة. وظهرت تصدعات بين جماعات المناصرة الوطنية أثناء نضالها من أجل بناء استجابة موحدة للصراع.
من جهتها، قالت مايا بيري، الناشطة في مجال الحقوق المدنية والمديرة التنفيذية للمعهد العربي الأمريكي: "لا يمكنك اختزال هذا في حسابات سياسية مفادها أنه بحلول عام 2024، لن تتذكر هذه المجتمعات ذلك، وأنا أتحدث عن المجتمعات بصيغة الجمع: العرب الأمريكيين، والأمريكيين الفلسطينيين، والناخبين الشباب، وأتحدث عن الناس الذين أمضوا حياتهم يعملون من أجل السلام في المنطقة. هؤلاء جميعهم ناخبون لن ينسوا موقف الإدارة الأمريكية".
اجتماع مثير للجدل في البيت الأبيض
عُقِد الاجتماع الأكثر إثارة للجدل هذا الأسبوع، يوم الخميس 26 أكتوبر/تشرين الأول، الذي وجه خلاله البيت الأبيض دعوة لخمس شخصيات وطنية مسلمة اختارتها الإدارة الأمريكية، في عملية وصفها أحد الأشخاص المشاركين في المحادثات بأنها "عرض تافه".
وقال نشطاء آخرون إنَّ المدعوين كانوا من المدافعين عن المسلمين الأمريكيين المعروفين والمحترمين عامةً، إلا أنَّ الكارثة الإنسانية في غزة تجعل هذا الوقت أنسب للأصوات الفلسطينية، بما في ذلك المسيحيون.
وعلّق أحد المشاركين في المحادثات: "أنا لست منزعجاً بشأن من سيحضر الاجتماع، بل منزعج بشأن من لم يُدعَ للحضور. وستخرج الإدارة الأمريكية علينا لتقول إنها أنجزت خطوة، والتقى بايدن بالجالية العربية الأمريكية، وهذا ليس صحيحاً".
ولفت أحد المدعوين الخمسة للاجتماع، إلى أنَّ أحد المخاوف الرئيسية كان عدم سماح البيت الأبيض إلا بحضور أمريكي فلسطيني واحد فقط.
وأشار أحد المدعوين الآخرين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، للتعليق بصراحة حول قضية حساسة تتعلق بالبيت الأبيض، إلى أنَّ قرار الحضور كان أحد أصعب المعضلات التي واجهوها على الإطلاق.
وقال المشارك إنَّ الهدف هو الضغط على بايدن بشأن وقف إطلاق النار والحاجة إلى مشاركة أوسع وأكثر جدوى مع الفلسطينيين. وأضاف أنَّ المجموعة كانت واضحة بشأن ما يتعلق بمسألة أرقام الضحايا في غزة، بينما بدا الرئيس الغاضب أكثر تركيزاً على النقاش حول البيانات من التركيز على حقيقة مقتل مئات الأطفال. وعلّق: "قلنا: الفلسطينيون يموتون. نحن لسنا موافقين على التنازع على أعداد قتلاهم".
الشعور بالخيانة
وتدور روايات حول هذه المناقشات في جميع أنحاء البلاد، بين الأمريكيين المسلمين والعرب، الذين يقولون إنهم يشعرون بالخيانة والغضب من البيت الأبيض، ويشعرون بأنه يتجاهل حياة الفلسطينيين، ويتجاوز القانون والأعراف الدولية.
وقد أدلى بايدن بتعليقات متعددة حول ضرورة التزام جميع الأطراف بحماية المدنيين. وفي مؤتمر صحفي، يوم الأربعاء 25 أكتوبر/تشرين الأول، قال إنَّ تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة يحتاج إلى زيادة، وإسرائيل بحاجة إلى بذل "كل ما في وسعها لحماية المدنيين الأبرياء". لكن بعض الزعماء المسلمين والعرب الأمريكيين يقولون إنَّ الكلمات لم تعُد كافية.
وقال أحد الأشخاص المشاركين في اجتماعات البيت الأبيض: "هناك مثل عربي يقول: لا تنظر إلى ما يقوله الفم، بل انظر إلى ما تفعله الأيدي، انظروا ماذا تفعل أياديهم، إنهم يؤججون النيران".