دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى هدنة إنسانية يتم تطبيقها فوراً بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، وطالبت بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة وحماية المدنيين، ويأتي هذا ضمن مشروع قرار صاغته الدول العربية.
ورغم أن القرار ليس ملزماً فإن له أهمية سياسية كبيرة ويعكس التوجهات العالمية، في وقت تكثف فيه إسرائيل عملياتها البرية في غزة رداً على الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتم تمرير القرار بأغلبية 120 صوتاً، وامتناع 45 عن التصويت، من بينهم تونس والعراق، إلى جانب معارضة 14 منهم إسرائيل والولايات المتحدة.
جرى التصويت في الجمعية العامة بعد فشل مجلس الأمن أربع مرات في اتخاذ إجراء خلال الأسبوعين الماضيين. ومن بين المعترضين على مشروع القرار العربي كل من: الولايات المتحدة، النمسا، كرواتيا، التشيك، فيجي، غواتيمالا، المجر، "إسرائيل"، جزر مارشال، جزر ميكرونيزيا، ناورو، بابوا غينيا الجديدة، باراغواي، تونغو.
امتناع تونس عن التصويت سبقه بساعات قليلة تجديد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال اجتماعه الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بقصر قرطاج، مع نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، دعم تونس الثابت للشعب الفلسطيني لاسترجاع حقه في كل فلسطين وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تناول هذا اللقاء فشل مجلس الأمن الدولي في المصادقة على أي مشروع قرار، في الوقت الذي يرتفع فيه عدد الشهداء والجرحى بالمئات على مرأى من العالم كله، وأكثر الشهداء والمصابين من الرضع والأطفال والنساء، "فلا بيوت المدنيين سلمت، ولا المساجد والكنائس احتُرمت، ولا أدوية ومستلزمات طبية أو مشافٍ استُثنيت، ولا ماء ولا غذاء ولا كهرباء لأكثر من مليوني شخص تستهدفهم آلة الحرب الصهيونية بهدف تهجيرهم عن أرض فلسطين"، وفق نصّ البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أن كل هذا يحدث تحت أنظار العالم والدول التي تدعم هذا الكيان الغاصب، وساهمت في وضع ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني.
وذكّر رئيس الجمهورية بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 المؤرخ بـ10 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1975 والذي أقرّ بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية على غرار نظام الفصل والتمييز العنصريين. وحتى لو تم إلغاء هذا القرار، إثر تغير التوازنات العالمية، في 16 من شهر ديسمبر/كانون الأول 1991، من الجمعية العامة ذاتها، فإن الحركة الصهيونية زادت إمعاناً في التقتيل والتنكيل والتهجير، لأنها قائمة منذ نشأتها على التمييز العنصري وعلى اعتبار فلسطين وطناً قومياً لليهود. فقرارات الجمعية العامة لم تغير شيئاً من طبيعة هذا الكيان الذي ارتكب أبشع المذابح قبل قرار التقسيم وما زال مصرّاً على ارتكابها إلى اليوم سواء صدرت قرارات من مجلس الأمن أو توصيات عن الجمعية العام لمنظمة الأمم المتحدة.
قيس سعيد يتحدث عن تقرير المصير
ذكّر رئيس الجمهورية بحق الشعب الفلسطيني بأن يقرّر مصيره بنفسه ومن حقه المشروع في أن يقاوم الاحتلال، مشيراً في هذا السياق، إلى أن عديداً من قوى التحرر في العالم من الاستعمار أو من التمييز العنصري كانت تُعتبر حركات إرهابية، فالتحرر من الاحتلال عند كثيرين إرهاب.
وأكّد رئيس الجمهورية أن تونس لن تتغيب عن التصويت كما فعلت سنة 1991، ولكن سيكون موقفها هو الوقوف الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى يستردّ أرضه كاملة وحقوقه المشروعة فيها، وهي حقوق لن تسقط بالتقادم ولا بمزيد سقوط الجرحى والشهداء.
في سياق متصل قال مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة طارق الأدب، في الاجتماع الطارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على مشروع القرار العربي بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مساء الجمعة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إنّ تونس صوتت بالامتناع على هذا المشروع.
وأوضح أنّ الوضع الخطير وغير المسبوق في قطاع غزة نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل على الشعب الفلسطيني وإجراءات الإغلاق ومنع كلّ وسائل الحياة عن ملايين الفلسطينيين يستوجب سقفاً أعلى وموقفاً أكثر وضوحاً.
وقال طارق الأدب: "رغم أن مشروع القرار يدعو إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية ومنع التهجير فإنه أغفل الإدانة الصريحة والقوية لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال، كما لم يتضمن المطالبة بمحاسبة المحتلّ على هذه الجرائم ولم يشر بشكل واضح إلى المطالبة بالوقف الفوريّ للعدوان، علاوة على مساواته بين الضحيّة والجلاد".
وتابع المندوب التونسي الدائم لدى الأمم المتحدة: "واصلت بعض الدول مساعيها لتقديم تعديلات ومخرجات لا تركز إلا على ما من شأنه مزيد من إطلاق يد الاحتلال في مواصلة جرائمه وتبريرها، ولذلك دعونا إلى التصويت على نص قرار لا يزيد مفاقمة الوضع ومعاناة الفلسطينيين.. وبعد عدم تبني المخرجات المذكورة صوتنا بالامتناع عن القرار تماهياً مع موقف تونس المبدئي الذي يرفض المساواة بين المُعتدي والمُعتدى عليه ويؤكد الإدانة الواضحة والصريحة لاعتداءات قوات الاحتلال على الفلسطينيين، وهي مسائل مبدئية وثوابت في موقفنا لا نقبل بتغييبها عن قرار في مثل هذا الوضع الاستثنائيّ والخطير".
وأكّد المندوب التونسي الدائم لدى الأمم المتحدة طارق الأدب، أنّ تونس ستواصل دعمها الثابت للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة وإقامة دولته على أرضه، مضيفاً: "نتمنّى أن يتم فرض احترام وتنفيذ القرارات الأممية التي تجاوز عددها الألف لوضع حدّ للسياسات العدوانية ولمعاناة الشعب الفلسطيني ولإنهاء الاحتلال، وأن تتمّ تسمية الأشياء بأسمائها.. فقصف المستشفيات وقتل الأطفال والنساء والتنكيل بملايين المدنيين الأبرياء واستهداف بيوت العبادة والمنازل السكنية لا يمكن أن يكون دفاعاً عن النفس، بل جرائم حرب، في حين أصبح حقّ تقرير المصير ومقاومة الاحتلال ورفض سياسات التمييز العنصري إرهاباً".
ودعا طارق الأدب المجموعة الدولية ومجلس الأمن والجمعية العامة إلى تحمّل مسؤولياتها، ووضع حدّ لكلّ هذه الممارسات والمغالطات وأنصاف الحلول، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه التي لن تسقط بالتقادم وتوفير الحماية الدولية له.
في المقابل كشف خميس الخنجر، رئيس تحالف السيادة العراقي، عن أسباب امتناع العراق عن التصويت لصالح مشروع قرار الأردن، حيث قال في تغريدة له على تويتر: "العراق داعمٌ للأشقاء في فلسطين، وموقفه الرسمي والشعبي واضح في مساندته لصمود غزة وأهلها. امتناع العراق عن التصويت في الجمعية العامة إنما جاء حسب مبادئه الرافضة للتطبيع ولحل الدولتين. تحيةً لأبطال فلسطين، وسلاماً على أرواح شهدائها ودمهم الطاهر".
مظاهرات في تونس ضد إسرائيل
في سياق متصل تظاهر مئات التونسيين أمام السفارة الفرنسية في العاصمة تونس، مساء الجمعة، تنديداً بتكثيف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية.
جاء ذلك بحسب مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تناقلتها وسائل إعلام محلية، وأكدها شهود عيان لمراسل الأناضول. وردد المتظاهرون شعارات بينها: "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، و"مقاومة مقاومة.. لا صلح لا مساومة"، و"غزة غزة.. رمز العزة".
وتشهد المدن التونسية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد غزة قبل نحو ثلاثة أسابيع، مسيرات حاشدة تطالب بوقف الغارات على القطاع، ورفع الحصار، ودعم الشعب الفلسطيني.
وفي وقت سابقٍ الجمعة، أعلن متحدث الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، في مؤتمر صحفي، أن "القوات البرية التابعة له ستقوم بتوسيع نشاطها هذه الليلة في قطاع غزة"، تزامناً مع قصف مكثف على القطاع، وانقطاع كامل للاتصالات والإنترنت.
وفي السياق، نقلت القناة "12" العبرية (خاصة) عن مصادر بالجيش الإسرائيلي، لم تسمها، قولها إن ما يحصل في غزة الآن "ليس غزواً برياً بشكل رسمي".
الأردن ينتقد الحرب البرية على غزة
قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، الجمعة، إن إسرائيل "شنت للتو حرباً برية على غزة، وستكون النتيجة كارثة إنسانية ذات أبعاد أسطورية لسنوات قادمة".
وتشن إسرائيل منذ 3 أسابيع، عملية عسكرية في قطاع غزة أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، دمرت أحياء بكاملها، وأسقطت 7326 شهيداً، منهم 3038 طفلاً، و1726 سيدة، و414 مسناً، إضافة إلى إصابة 18967 مواطناً بجراح مختلفة.
وخلال الفترة ذاتها قتلت حركة "حماس" أكثر من 1400 إسرائيلي وأصابت 5132، وفق وزارة الصحة الإسرائيلية، كما أسرت ما يزيد على 220 إسرائيلياً، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم بأكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.