في الوقت الذي أدت فيه الغارات الجوية الإسرائيلية إلى منع الوصول إلى الإنترنت في قطاع غزة، كانت إحدى شركات الإعلام الكبرى في أوروبا تدفع بمبادرتها الخاصة للحد من الأخبار عبر الإنترنت حول الضحايا المدنيين في فلسطين.
أصدر تطبيق Upday، وهو أكبر تطبيق لتجميع الأخبار في أوروبا، توجيهات لإضفاء مشاعر مؤيدة لإسرائيل على التغطية الخبرية للحرب في غزة، وفقاً لمقابلات مع موظفين ووثائق داخلية حصل عليها موقع The Intercept الأمريكي، الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
انحياز مطلق للرواية الإسرائيلية
ومنحت إدارة شركة Upday، وهي شركة تابعة لشركة النشر العملاقة أكسل شبرينغر الألمانية، تعليمات لإعطاء الأولوية للمنظور الإسرائيلي، وتقليل الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين في التغطية، وفقاً للموظفين.
وقال أحد الموظفين لموقع The Intercept، في إشارة إلى الإشعارات الفورية، والتنبيهات المرسلة إلى ملايين الهواتف: "لا يمكننا دفع أي شيء يتعلق بعدد القتلى أو الضحايا الفلسطينيين دون ظهور معلومات حول إسرائيل في مكان أعلى في القصة". وقال الموظفون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لحماية سبل عيشهم، إن هناك انزعاجاً واسع النطاق في جميع أنحاء الشركة بشأن هذه التحركات.
ويظهر التأييد لإسرائيل، الذي يكنه كبار مسؤولي Upday لإسرائيل في صورته الشخصية بتطبيق المحادثات الخاص بالعمل Slack، حيث يظهر علم إسرائيل بجانب الصورة الرمزية للرئيس التنفيذي لشركة Upday توماس هيرش، وفقاً للموظفين (لم يستجب تطبيق Upday لطلب موقع The Intercept المباشر للتعليق).
تعليمات وُجهت للموظفين بالانحياز لإسرائيل
وقالت أحلام محتسب، أستاذة الدراسات الإعلامية في جامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردينو، عندما سئلت عن التوجيهات الداخلية لـUpday: "هناك حملة إعلامية سخيفة للغاية لرفض أي تعاطف فلسطيني وإخفائه. إن رواية الضحية الإسرائيلية أحادية الجانب تتطلب موافقة المؤسسات الإعلامية والحكومة الأمريكية نفسها".
في توجيهاتها، حذرت Upday موظفيها من نشر أي عناوين يمكن أن "يساء فهمها" على أنها مؤيدة للفلسطينيين، وفقاً للموظفين الذين قابلهم موقع The Intercept. وكان من المقرر صياغة التعليقات التي أدلى بها الساسة الإسرائيليون، والتي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، بلغة تؤكد على حجم ووحشية هجمات حماس على إسرائيل، والتي أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 1300 شخص، بما في ذلك العديد من المدنيين.
وكان من بين التوجيهات عدم الاستشهاد بالجماعات الفلسطينية المسلحة في العناوين الرئيسية.
وفقاً للموظفين، أعطت الشركة تعليمات -بما يتماشى مع بيان "أساسيات" أكسل شبرينغر- لدعم الشعب اليهودي، وحق إسرائيل في الوجود.
شركة أكسل شبرينغر تنفي
وقالت جوليا سومرفيلد، ممثلة شركة أكسل شبرينغر: "نحن نرفض بشدة هذه الادعاءات. لم نوجّه صحفيينا إلى تجاهل الضحايا المدنيين في غزة، ولم نطلب من محررينا التلاعب بالتغطية الإخبارية، ولم تشارك إدارة الشركة في أي قرارات تحريرية. تستند المبادئ التوجيهية التحريرية لتطبيق Upday إلى المبادئ الصحفية و"أساسيات شركة أكسل شبرينغر" المتاحة للعامة -في إشارة إلى بيان قيم الشركة.
وقالت سومرفيلد: "إن التغطية الإخبارية لتطبيق Upday تتبع هذه المبادئ، ويُتَّخذ كل قرار من قِبَلِ صحفيين متمرسين".
صدر تطبيق Upday لأول مرة في عام 2016، وهو يخدم أكثر من 30 دولة. يضم التطبيق عشرات الملايين من المستخدمين بفضل صفقة مع شركة سامسونغ التي تقوم بتحميل التطبيق مسبقاً على أجهزة التليفون التي تصنِّعها.
تنشر شركة أكسل شبرينغر صحيفتي Bild وDie Welt الألمانيَّتين، وصحيفة Fakt البولندية، من بين العديد من الصحف الأوروبية الأخرى. أما في الولايات المتحدة، فتمتلك الشركة حصة أغلبية في الموقع الإخباري Insider واشترت صحيفة Politico في عام 2021.
تعرضت شركة أكسل شبرينغر لانتقاداتٍ بسبب توجيهاتها. ومن بين مواقفها المعروفة دعمها القوي للدولة الإسرائيلية، وهو ما اتضح صراحةً في بيان "أساسيات" الشركة الذين يعلن دعمها لـ"أوروبا الموحدة"، و"التحالف عبر الأطلسي"، و"الشعب اليهودي" و"اليمين اليهودي" و"وجود دولة إسرائيل".
ويعكس نهج Upday انحيازاً واضحاً بين عمالقة وسائل الإعلام الغربية، والذي كان موجوداً منذ سنوات، ولكنه تكثف مع هجوم حماس المفاجئ على غلاف غزة.
في شبكة MSNBC الإخبارية الأمريكية، فُصِلَ 3 مذيعين مسلمين من وظائفهم، وفقاً لتقارير، بينما نفت الشبكة هذه المزاعم. واتخذت مؤسسات إخبارية أخرى إجراءات عامة لفرض رقابة أو طرد على المراسلين المتهمين بانتهاك المبادئ التوجيهية الداخلية أو انتهاك أخلاقيات مهنة الصحافة.
وأوقفت شبكة BBC البريطانية 6 صحفيين أثناء التحقيق فيما إذا كانوا قد نشروا تصريحات مزعومة معادية لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي. واضطرت الشبكة البريطانية أيضاً إلى الاعتذار للمشاهدين عن المعلومات المضللة التي تصور الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في المملكة المتحدة على أنها "موالية لحماس".
وقامت صحيفة The Guardian البريطانية مؤخراً بطرد رسام الكاريكاتير المخضرم لديها بعد أن انتُقِدَ بسبب رسمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أنه معادٍ للسامية.