بالتزامن مع تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم في شمال غزة وفرارهم إلى جنوب القطاع المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يتصاعد القلق في مصر إزاء انتقال الأزمة الإنسانية المتفاقمة عبر حدودها، وفق ما ذكرته صحيفة Financial Times البريطانية، الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الصحيفة البريطانية أشارت إلى أن مصر، الدولة الوحيدة غير إسرائيل التي تشترك في حدود مع غزة المحاصرة، تطالبها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بالسماح للفلسطينيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية بالخروج عبر معبر رفح.
"التهجير القسري" ليس حلاً
لكن رسالة القاهرة إلى الدبلوماسيين الغربيين واضحة: أنها ستسلم المساعدات إلى غزة لكنها سترفض أي ضغط يدفعها لقبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين. ونبّه وزير الخارجية المصري سامح شكري، الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن "التهجير القسري" ليس حلاً للأزمة الفلسطينية.
بلهجة أشد حدة، قال مسؤول مصري بارز لنظيره الأوروبي: "هل تريدون منا أخذ مليون شخص؟ حسناً، سأرسلهم إلى أوروبا. أنتم تهتمون كثيراً بحقوق الإنسان، خذوهم". بينما قال المسؤول الأوروبي، مستذكراً هذا الحوار: "المصريون غاضبون جداً جداً" من الضغوط التي يتعرضون لها لاستقبال اللاجئين.
لكن هذه الضغوط ستتصاعد على الأرجح كلما طال أمد الهجوم الإسرائيلي، إذ يتوقع كثيرون أن تنفذ الدولة اليهودية اجتياحاً برياً لغزة، القطاع الفقير الذي يضم 2.3 مليون نسمة، أي ما يقرب من أربعة أضعاف سكان سيناء.
عمّق إنذار بنيامين نتنياهو في بداية الأزمة بضرورة أن "يغادر" سكان غزة الشكوك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد تهجيرهم إلى مصر، رغم نفي الحكومة.
فيما طالبت بعض الدول الأوروبية علناً بفتح معبر رفح الحدودي للسماح للمدنيين الفلسطينيين بالفرار، فدعا وزير إيطالي القاهرة إلى "إثبات قيادتها للعالم العربي".
نزوح الفلسطينيين لسيناء "كابوس"
لكن وسائل الإعلام الرسمية المصرية قالت إن إفراغ غزة من شعبها "سيُنهي حلم الدولة الفلسطينية"، وسيُعفي إسرائيل أيضاً من مسؤولياتها القانونية باعتبارها "قوة احتلال".
كما تعتبر القاهرة نزوح الفلسطينيين إلى شمال سيناء سيناريو كابوسياً قد يطلق العنان لضغوط لا ترغب في التعرض لها. إذ تفتقر سيناء، التي كانت في السابق قاعدة لمسلحي داعش، إلى البنية التحتية اللازمة للتعامل مع هذه الأعداد الهائلة، كما أن مصر تعاني أزمة اقتصادية.
حيث أشار مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن حجم العدد المناسب من الفلسطينيين لمصر خلال الأزمة يظل سؤالاً بلا إجابة. وقال: "كم وإلى متى؟ وحتى لو كان الموضوع حماية إنسانية مؤقتة، فبعد الهجوم الإسرائيلي ربما لن يتبقَّ شيء يعود إليه الفلسطينيون. أو ربما لن تسمح لهم إسرائيل بالعودة".
كما أشار حنا إلى أن عمليات التهجير الفلسطينية السابقة أصبحت دائمة. فقد أمضى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن عقوداً في هذين البلدين دون أي أمل في العودة إلى قراهم وبلداتهم.
حنا قال أيضاً إن المصريين ربما تقلقهم عوامل أمنية أيضاً. وأضاف: "مصر حاربت داعش في شمال سيناء، وكانت علاقتهم بالمتطرفين في غزة قضية رئيسية حينذاك". ولن ترغب القاهرة في فرض رقابة على مجتمع منفي قد يضم مسلحين يريدون محاربة إسرائيل من أراضيها.
بينما قال دبلوماسي غربي: "المصريون يقولون: سنكون مستعدين في ظروف معينة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكننا لن نسمح تحت أي ظرف لأي شخص لا يحمل جنسية مزدوجة من غزة بالدخول إلى سيناء".
أضاف الدبلوماسي الغربي: "والإسرائيليون يقولون العكس تماماً: إنهم مستعدون للسماح بخروج الناس من غزة، والكثير منهم، لكنهم غير مستعدين للسماح بدخول المساعدات الإنسانية. ونحن عالقون الآن بسبب هذا".