منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تتصاعد الخلافات الداخلية في حركة فتح رفضاً لموقف الرئيس محمود عباس من تبنيه للرواية الإسرائيلية والأمريكية، التي أدان من خلالها حماس وحمّلها مسؤولية انفجار الأوضاع في قطاع غزة، وقال إن ما فعلته حماس لا يمثل الكل الفلسطيني.
إلا أن هذا الموقف الرسمي المعلن من قبل فتح ظل سائداً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حتى خرج عضو اللجنة المركزية عباس زكي، في لقاء بُث على قناة الميادين، أشاد من خلاله بعملية "طوفان الأقصى"، وقال إنها أحدثت حالة من النهوض الفلسطيني، كما أشاد بأداء "القسام" في التخطيط والتنفيذ الناجح لهذه العملية.
أما عن موقف السلطة الرسمي من الحرب، فقال زكي: "ما زلنا في فتح نعاني من ظروف قاسية رغم أننا اخترنا السلام الخادع مع إسرائيل، كما أننا لم نأخذ دورنا بالاستعداد الجيد لهذه المعركة"، فيما وصف لقاء بلينكن-عباس بالفاشل، وقال إن "شعبنا أكبر من قياداته".
فتح تتبرأ من تصريحات زكي
ما إن خرجت تصريحات زكي للإعلام حتى سارعت حركة فتح بإصدار بيان ترفض فيه ما جاء على لسانه، وتتبرأ من موقفه، وأن ما تحدث به لا يعبر عن مواقف الحركة أو منظمة التحرير.
وقال مصدر في المجلس الثوري لحركة فتح لـ"عربي بوست"، إن "الرئيس عباس يعتزم اتخاذ سلسلة من الإجراءات التنظيمية بحق زكي قد تشمل منعه من الخروج على وسائل الإعلام مؤقتاً؛ لكونه خالف المحددات التي شدد عليها بضرورة الالتزام بخطاب موحد يركز على قضية إدانة العنف ويدعو إلى حماية المدنيين من الجانبين".
وأكد المصدر أن "المحددات صدرت عن مكتب الرئيس في الأيام الأولى لاندلاع الحرب، لتشمل أعضاء اللجنة المركزية مروراً بالمجلسين الثوري والاستشاري ووزراء الحكومة وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بضرورة تجنب الحديث أو التعقيب على أحداث غزة الجارية، منعاً لأي صدام مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية".
السلطة تختار الحياد
وبدأ لافتاً أنه مع دخول الحرب الإسرائيلية في غزة يومها العاشر، حاولت السلطة الفلسطينية وحركة فتح التزام الصمت والوقوف على الحياد حتى أطول فترة ممكنة، وتبني موقف يدين فيه العنف، دون التطرق إلى مسألة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في القطاع.
وقد أثبتت العديد من الشواهد انحياز السلطة إلى الموقف الإسرائيلي والأمريكي من هذه الحرب، إذ لم تدعُ حركة فتح أو السلطة الفلسطينية حتى هذه اللحظة إلى أي مسيرات تضامن أو توجيه دعم وإسناد سياسي لقطاع غزة، كما لم يدع رئيس السلطة إلى أي اجتماع على مستوى القيادة لبحث تداعيات الحرب، أما مجلس الوزراء فلم يخصص أو يدعُ إلى اجتماع طارئ على مستوى الحكومة لمناقشة الأوضاع الإنسانية في القطاع.
تمرد وانقلاب في حركة فتح
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ومكبرات الصوت دعوات في مدن مختلفة من الضفة الغربية، تدعو من خلالها المواطنين إلى مسيرات حاشدة واشتباكات بالأسلحة على نقاط التماس مع الجيش الإسرائيلي.
صدر البيان باسم أقاليم فتح المتمردة تيار المقاومة والتحرير، ما يؤشر إلى مستوى الغضب الداخلي في قواعد فتح التنظيمية، التي باتت تهدد بالخروج عن السياق والخط العام للحركة، وتتبنى مواقف تتناقض في جوهرها مع موقف الحركة الرسمي.
ورغم أن مثل هذه الدعوات قد لا تجد استجابة من قبل الشارع للتفاعل معها؛ خشية الملاحقة الأمنية، فإنها تؤسس لحالة جديدة في الضفة الغربية، قد تجد فيها السلطة نفسها غير قادرة على ضبط وإدارة الحالة العامة في الضفة، بسبب فقدان رصيدها داخل قواعد التنظيم.
كما أن هذه الدعوات في هذا التوقيت تُغضب السلطة، التي تتهيأ في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023 لعقد المؤتمر الثامن لحركة فتح، الذي سيناقش ضمن أجندته ملفات عديدة، منها تصويب الأوضاع التنظيمية الداخلية داخل الحركة، ومستقبل الرئاسة، واستكمال ما بدأ به الرئيس بالتدوير الشامل في المواقع الوظيفية والتنظيمية في فتح.
قال الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، إن "الموقف الرسمي المعلن لحركة فتح متأخر كثيراً عن موقف الشارع تجاه ما يجري من أحداث في غزة، وهذا قد يكون مرتبطاً بضغط أمريكي وإسرائيلي بتجنب أي رد فعل غير متوقع في الضفة الغربية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن غياب المعلومة عما يدور في ذهن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يجعل السلطة مترددة في إعلان موقف نهائي تجاه ما يجري في القطاع".
وأضاف على المستوى السياسي فإن "الموقف الرسمي المعلن من قبل الرئيس لا يلبي تطلعات الشارع، الذي كان يأمل أن لا يضع الرئيس المقاومة وإسرائيل في كفة واحدة، أما التفاعل على مستوى الشارع فتقييمه كان جيداً ولكنه لم يحظَ بتغطية إعلامية كافية؛ نظراً إلى سيطرة غزة على عناوين الأخبار الرئيسية".