كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الخميس 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نقلاً عن نتائج تحقيق استقصائي دولي، أن شركة مراقبة مملوكة لإسرائيليين، باعت برنامج تجسس لمصر تم استخدامه لاستهداف المعارضة، بينهم المرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن شركة "إنتليكسا"، وهي تحالف لشركات أسلحة ومراقبة رقمية مملوكة لإسرائيليين، ولكنها تعمل من خارج دولة الاحتلال، باعت برنامج التجسس المعروف باسم "بريداتور" (Predator) لمصر.
و"بريداتور"، وفقاً لما نشرته منظمة العفو الدولية في تقريرها عن الملف، هو برنامج التجسس الذي تنتجه هذه المجموعة ويتسم بقدرة فائقة على التطفّل؛ ويمتلك هذا البرنامج التجسسي، بمختلف أشكاله، القدرة على الوصول إلى كميات لا حد لها من البيانات على أجهزة المستهدفين.
وأضافت المنظمة أن بمقدور البرنامج التغلغل في جهاز ما بمجرد أن ينقر مستخدمه على رابط خبيث، ولكن بالإمكان أيضاً إرساله عبر هجمات تكتيكية قادرة على إحداث إصابة صامتة بأجهزة قريبة.
وقد عُثر على منتجات تحالف إنتلكسا فيما لا يقل عن 25 بلداً عبر أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وقد استُخدمت في تقويض حقوق الإنسان وحرية الإعلام، والحركات الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم.
برنامج تجسس أسوأ من بيغاسوس!
فيما تقول منظمة العفو الدولية إن شبكة التعاون الاستقصائي الأوروبي (EIC) الإعلامية، وهي شراكة تتألف من أكثر من 12 مؤسسة إعلامية، بمساعدة من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، شاركت في التحقيق وذلك من خلال تحليل المعلومات التقنية التي حصلت عليها الشبكة المذكورة.
وقال دونكا أو كيرفل، رئيس مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية: "ليس التحقيق في (ملفات بريداتور) بأقل إدانة وانتقاداً من (مشروع بيغاسوس) الذي سبقه؛ بل يقال إنه أسوأ منه إذ لم يكد يتغير أي شيء؛ فقد استمرت شركات المراقبة المرتزقة مثل تحالف إنتلكسا في بيع منتجاتها، وتحقيق أرباح تقدر بالملايين على حساب حقوق الإنسان، وهي بمأمن شبه تام من أي حساب أو عقاب".
كما طالب المسؤول بالمنظمة دول الاتحاد الأوروبي بالكف عن التملص من مسؤولياتها، وأن تبدأ في "كبح جماح هذه الشركات".
وتنتج برنامج بريداتور التجسسي مجموعة إنتلكسا (Intellexa)، وهي جزء من تحالف إنتلكسا، وتصف نفسها بأنها "شركة تتخذ مقرها في الاتحاد الأوروبي وتخضع للوائحه التنظيمية".
وتأسست الشركة عام 2018 على يد تال ديليان، وهو ضابط سابق بجيش الاحتلال الإسرائيلي، والعديد من شركائه، وتسيطر عليها شركة ثاليسترس (Thalestris) القابضة التي تتخذ مقرها في أيرلندا. ويجمع تحالف إنتلكسا بين مجموعة إنتلكسا ومجموعة الشركات نكسا (Nexa) التي تدير معظم أعمالها من فرنسا.
انتقادات لدول أوروبية
ويقول تحالف إنتلكسا إنه "شركة مقرها في الاتحاد الأوروبي وتخضع للوائحه التنظيمية"، وإن ذلك بحد ذاته دليل يدين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه؛ لتقاعسها عن منع هذا التغلغل والتوسع الآخذ في الاستفحال لمنتجات المراقبة المشار إليها على الرغم من سلسلة من التحقيقات أجريت في هذا الصدد مثل مشروع بيغاسوس ('Pegasus Project') عام 2021.
فيما قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كلامار: "إن تحقيق (ملفات بريداتور) يُظهر ما ظللنا نتخوف منه منذ وقت طويل: أن الاتجار في منتجات المراقبة ذات القدرة العالية على التطفّل يجري على نطاق شبه صناعي، وأن هذه المنتجات تعمل بحرية في الخفاء بمعزل عن أي إشراف، أو أي مساءلة حقيقية. ويثبت هذا، مرة أخرى، أن الدول والمؤسسات الأوروبية قد تقاعست عن إخضاع بيع ونقل هذه المنتجات للتنظيم الفعال"، على حد قولها.
كما كشف التحقيق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، عمل مستشاراً للشركة، وربما شارك في مساعدتها في ترويج منتجاتها بألمانيا.
مراقبة المعارضة في مصر
وبخصوص مصر، أفاد التحقيق بأنه كانت هناك محاولات عديدة لنقل التكنولوجيا إلى مصر، وبعد اتفاق الشراكة بين "نيكسا" و"إنتليكسا" حصلت محاولتان على الأقل في عام 2020 لبيع تقنيات المراقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
في عام 2021، تم الإعلان عن استهداف السياسي المصري المعارض أيمن نور ببرنامج التجسس "بريداتور" إلى جانب ضحية أخرى لم يذكر اسمها، إلا أنه كشف مؤخراً أن الضحية الأخرى هو النائب المصري المعارض أحمد الطنطاوي، الذي أعلن ترشحه للانتخابات المصرية المقبلة، إذ قالت صحيفة "هآرتس" أن الشركة الإسرائيلية أجرت محاولات عديدة لاختراق هاتف الطنطاوي في الأشهر الأخيرة.
كما أشار التحقيق إلى أنه تم وضع خطة للترويج لبرنامج " بريداتور" في سبتمبر/أيلول من عام 2020، إذ تم إنشاء مجموعة على تطبيق "واتساب" تضم ممثلين كباراً من الجانبين الفرنسي والإسرائيلي، من ضمنهم أوز ليف، أحد مؤسسي المجموعة، وهو نفسه قائد سابق لوحدة استخبارات إسرائيلية رفيعة المستوى، كما أشارت الصحيفة إلى أنه كان من المقرر أن يشارك إسرائيليون، وربما حتى أشخاص مقيمون بإسرائيل، في العرض الترويجي لبرنامج التجسس، فيما تقول الصحيفة إن كل هذا جرى "على الرغم من المخاوف المتعلقة بشأن سجل حقوق الإنسان في مصر".