قال السياسي والناشط الفرنسي باتريك لوزيس، إن حكومة بلاده تتجاهل المشاكل الناجمة عن العنصرية في فرنسا، بينما يتعرض للتمييز 9 من كل 10 أشخاص من ذوي البشرة السوداء هناك، بحسب ما صرح به خلال مقابلة مع "الأناضول" حول العنصرية والتمييز، اللذين يواجههما السود في فرنسا يومياً.
ولفت لوزيس، وهو مؤسس ورئيس المجلس التمثيلي لجمعيات السود بفرنسا "CRAN"، إلى استطلاع أجرته شركة الأبحاث المستقلة "إيبسوس" بشأن السود في فرنسا، قائلاً إن "المشاركين في الاستطلاع قالوا إن هناك تمييزاً في العديد من مجالات الحياة".
ووفق الاستطلاع، فإن الغالبية الساحقة، 91% من السود في فرنسا قالوا إنهم يتعرضون للتمييز في الحياة اليومية، "ما يعني أن التمييز يشكل مصدر قلق كبير لكل الفرنسيين السود تقريباً".
وأشار لوزيس، إلى أن "السود يواجهون التمييز عند البحث عن منزل ووظيفة"، مضيفاً: "عندما تتصل وتقول إنك تريد منزلاً، يخبرك الشخص الذي تتحدث معه عبر الهاتف أن المنزل متاح، ولكن عندما يدرك أنك أسود، فقد يقول إن المنزل غير متاح".
وأردف لوزيس: "لن تتم ترقيتك عندما تتقدم لوظيفة، وعندما ترسل سيرتك الذاتية يتم إبلاغك بعد دقائق بأن الوظيفة مشغولة حالياً، ولكن الوظيفة ما زالت متاحة لشخص آخر تقدم لشغل نفس المنصب بعد دقائق قليلة منك".
كما أن التمييز يحدث أيضاً في الخدمات الأساسية، مثل وسائل النقل العام، بحسب الناشط الفرنسي، الذي قال إن "بعض الفرنسيين يعتقدون أن السود يجب أن يصعدوا خلفهم عند ركوب الحافلة أو القطار".
التحيّز ضد السود
وقال لوزيس، إن "السود غير موجودين بشكل كافٍ في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، أو في المناصب رفيعة المستوى في الجيش، أو في المناصب الإدارية في الشركات"، مؤكداً وجود "تحيّز" ضد السود "حيث يعتقد الناس أنهم (السود) ليسوا موهوبين بما فيه الكفاية، وهذه تعد عقبة أمامهم".
وأشار إلى حادثة تعرض البرلماني الأسود كارلوس مارتنيز بيلونغو، من حزب "فرنسا الأبية" لهجوم بكلمات عنصرية من قبل غريغوري دي فورنا، عضو الحزب اليميني المتطرف "التجمع الوطني" خلال خطاب ألقاه بيلونغو في الجمعية الوطنية عام 2022.
وقال لوزيس: "طلب أحد النواب من بيلونغو العودة إلى أفريقيا"، متسائلاً "هل يمكن قول ذلك لعضو أبيض في البرلمان الفرنسي؟ لن يفعل ذلك أحد"، وأضاف: "لقد كان الأمر صادماً للغاية، ولكن هذا بالضبط ما يواجهه السود في الشوارع".
وتابع لوزيس: "وحتى زملاؤك البرلمانيون في الجمعية الوطنية، يمكن أن يكونوا عنصريين تجاهك"، وشدد الناشط السياسي، على أن "الحكومة يجب أن تقبل أن كل الناس في فرنسا ليسوا متساوين".
وأردف: "كدولة، لدينا قيم رائعة للغاية، فأنا فرنسي وفخور بقيمنا، ولكن قيمنا يجب أن تطبَّق على الجميع، بغض النظر عن اللون".
التنميط العرقي من قِبل الشرطة
من جانب آخر، أشار لوزيس، إلى أن "الشرطة الفرنسية تمارس التنميط العرقي ضد السود"، موضحاً أنه "عندما تسأل السود عما يحدث معهم في الحياة اليومية، يقول معظمهم إنهم يخضعون لمزيد من عمليات التفتيش والاستجواب من قِبل الشرطة، مقارنة بالأشخاص غير السود"، واستدرك قائلاَ: "ليس كل شرطي عنصرياً، ولكن هناك عنصرية داخل قوات الشرطة".
وشدد لوزيس، على أنه "من الخطأ تجريم السود بسبب لون بشرتهم"، وقال: "لا ينبغي أن نتعرض للعنصرية في بلدنا بسبب لون بشرتنا فقط، هذا ليس عادلاَ في البلد الذي أقدّره وأحبه"، معبراً عن رغبته "في أن تُعرف فرنسا كدولة تسودها المساواة، وأن يتم القضاء على العنصرية فيها".
السود في الإعلام الفرنسي
وفي إشارة إلى التصور الذي تخلقه وسائل الإعلام بشأن السود قال لوزيس: "لا أفهم لماذا عندما تُرتكب جريمة في مكان ما تقوم الصحف بالحديث عن الجريمة فقط، ولكن عندما يرتكب شخص أسود جريمة ما، فإنها تؤكد على أن مرتكب الجريمة شخص أسود".
وأوضح أن "وسائل الإعلام الفرنسية تقدم حالياً تغطية أكبر لقضايا العنصرية ضد السود مقارنة بالماضي"، مشيراً إلى أن هناك "عدد قليل جداً من الصحفيين السود في صحيفة لوموند الأكثر شعبية، أو أي قناة تلفزيونية".
وخاطب لوزيس وسائل الإعلام الفرنسية قائلاً: "من الرائع أن نغطي العنصرية، لكن عليك أن تنظر إلى نفسك وتفعل ما تريد من الآخرين فعله".
الحكومة لا تحرك ساكناً
من جانب آخر، رأى الناشط الفرنسي لوزيس أن "المشكلة الأكبر في فرنسا هي تجاهل الممارسات العنصرية والتمييزية ضد السود"، مؤكداً أنه "من المهم لفرنسا أن تعترف بوجود التمييز في البلاد وأن تحاربه، لكنها لا تقبل مشاكل التمييز التي تضر بجميع السود تقريباً".
وأعرب لوزيس، عن "أسفه للتمييز الذي تعرض له طيلة حياته المهنية"، وقال: "أنا أضحك الآن، ولكن عندما ذهبت إلى مكان عملي لأول مرة مرتدياً بدلة، لم يعتقد أحد أنني الرئيس؛ لأنهم لم يعتادوا رؤية السود في المناصب الإدارية".
وذكر لوزيس أنه ترك منصبه كرئيس لمؤسسة "CRAN" عام 2011، "ليترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية"، مشيراً إلى أنه "تم فتح تحقيق ضده في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2011 فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقاً أولياً في اتهامات بخيانة الأمانة وغسل الأموال ضد لوزيس (بحسب صحيفة ليبراسيون الفرنسية آنذاك).
أضاف لوزيس: "من الواضح أن الشفافية هي إحدى القيم التي يجب أن نتقبلها، فإذا كنت في منصب عام، فعليك أن تقبل بالتحقيق، فلا أحد فوق القانون، ولا أحد يستطيع أن يخرقه، ولكن الطريقة التي أجري بها التحقيق كانت غير عادلة".
وتابع: "لو لم أكن أسود، لكان التحقيق أقصر، لكنه استغرق وقتاً طويلاً، ولحسن الحظ تمت تبرئتي"، واختتم لوزيس حديثة قائلاً: "كنت أتوقع إعلان نتيجة التحقيق، لكن وسائل الإعلام كانت مهتمة أكثر بالتحقيق معي بدلاً من تبرئتي".