قالت صحيفة New York Times الأمريكية إن السلطات في منطقة شرق ليبيا التي دمرها الفيضان تحركت في اتجاه إسكات المعارضة على مدار الأسبوع الماضي، واعتقلت عدداً من المحتجين والنشطاء الذين طالبوا بالمساءلة على ما وصفوها بالاستجابة الرسمية الفاشلة للكارثة خاصة في مدينة درنة.
الصحيفة الأمريكية نقلت في تقرير لها الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2023، عن شهود عيان وأحد الأقارب، اعتقال ثلاثة أشخاص على الأقل، ممن انتقدوا استجابة الحكومة أو شاركوا في احتجاج بمدينة درنة يوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول.
كما قال عمال إغاثة وصحفيون إن الإدارة المستبدة التي تحكم النصف الشرقي من ليبيا المحاصرة -حيث تقع مدينة درنة- قيّدت الوصول إلى المدينة. بينما شهد يوما الثلاثاء والأربعاء قطع خدمات الإنترنت والهاتف الجوال عن المدينة أيضاً، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت الشركات المقدمة لتلك الخدمات قد تعمّدت قطعها.
غضب داخل مدينة درنة
إذ قال عامل الإغاثة المتطوع من مدينة درنة إسلام عزوز، الذي حضر احتجاج يوم الإثنين 19 سبتمبر/أيلول: "وصل غضب الناس إلى مستويات مرتفعة للغاية، وتم قطع الاتصالات، لأنهم يخشون من تعبير الناس عن غضبهم علناً". يُذكر أن احتجاج يوم الإثنين شهد مطالبة المئات بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة.
أردف عزوز: "لقد فقد الناس منازلهم ومدينتهم. ولا شك في أنهم يشعرون بالغضب ضد الفساد والإهمال الذي أسفر عن هذه الكارثة". لكن المسؤولين في شرق ليبيا يقولون إن انقطاع الإنترنت حدث نتيجة الأضرار والتخريب بسبب الفيضان.
في أعقاب احتجاج يوم الإثنين، قال بعض مراسلي قنوات البث الناطقة بالعربية من مختلف أرجاء الشرق الأوسط إنهم تلقوا الأوامر بمغادرة درنة. بينما قال بعض الصحفيين الذين يغطون عمليات الإنقاذ والإغاثة، إنهم قد مُنِعوا من التحرك بحريةٍ داخل المدينة أو من دخولها مرةً أخرى بمجرد المغادرة.
وفق الصحيفة الأمريكية فإنه يبدو أن فرق الإنقاذ وجماعات الإغاثة الأخرى تواصل عملها كالمعتاد. لكن عزوز قال إن يوم الأربعاء شهد مطالبة بعض جماعات المتطوعين المدنيين من غرب ليبيا بمغادرة مدينة درنة.
في حين قالت جورجيت غانيون، منسقة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، إن السلطات في درنة منعت دخول قافلة مساعدات الأمم المتحدة القادمة من بنغازي يوم الأربعاء، دون تفسير. لكنها أوضحت أن أعمال الإغاثة الأخرى التي تديرها الأمم المتحدة في درنة ما تزال جارية.
كما أردفت جورجيت: "لم تكن هناك جهود شاملة لتقييد تحركات الأمم المتحدة أو تقييد وصول الإمدادات الإنسانية".
انقسام وتسييس للمؤسسات والإعلام
يرجع الارتباك الكبير المحيط بدخول درنة إلى حالة الانقسام والتسييس الشديدة التي تعيشها المؤسسات ووسائل الإعلام الليبية. ولهذا كان من الصعب الوصول إلى معلومات موثوقة حول حصيلة الوفيات وغيرها من المعلومات الأساسية، وذلك قبل قطع الاتصالات من الأساس.
من ناحيته بدأ المحلل والمستشار الليبي السابق محمد الجارح، العمل كمتحدث رسمي للجنة الاستجابة الطارئة في حكومة شرق ليبيا يوم الثلاثاء. ثم خرج في يوم الأربعاء ليقول إن السلطات تحاول تنسيق جهود الإغاثة الفوضوية، بالتزامن مع تكدس حركة مرور المساعدات على الطرق وزيادتها للزحام في ما تبقى من شوارع درنة.
لكن مسؤولي شرق ليبيا ما زال ينقصهم وضع بروتوكولات واضحة للتصريح بدخول مدينة درنة وفقاً للجارح، الذي قال إنه لا يعرف سبب منع قافلة الأمم المتحدة من الدخول.
حيث اعتادت إدارة شرق ليبيا، بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر والقوات التي يقودها، تبرير أفعالها بالقول إنها تقتلع جذور المتشددين الإسلامويين. لكن الوضع مختلفٌ بعض الشيء هذه المرة.
حيث قال الجارح إن السلطات في الشرق تشعر بالقلق من تسلل العناصر المناهضة لحفتر وسط جهود الإغاثة، حتى تحرض على العنف وتثير المظالم المحلية ضد قادة المنطقة. وأردف أن المنافذ الإعلامية الإسلاموية تُسيِّس الكارثة عن طريق بث انتقادات لحفتر دون أي أساس من الصحة.
لكن عندما يتعلق الأمر بالسكان الغاضبين حيال كل ما خسروه في الفيضانات؛ يبدو أن سلطات بنغازي قررت العودة إلى التكتيكات الأمنية القمعية نفسها التي اعتادت استخدامها لردع كل ما تعتبره تهديداً لسلطتها.
إذ اجتمع المئات من سكان مدينة درنة داخل مسجدٍ بالمدينة يوم الإثنين بغرض الاحتجاج على استجابة الحكومة للإعصار، مطالبين بتحقيق دولي حول المسؤولين عن صيانة تلك السدود التي انفجرت، فضلاً عن إقالة رئيس برلمان شرق ليبيا.
كما أضرم المحتجون النار في منزل عمدة درنة، الذي يُعد ابن شقيق رئيس برلمان حكومة بنغازي، مقدمين سلسلةً من المطالب. يُذكر أن رئيس البرلمان عقيلة صالح يُعد من الساسة النافذين المتحالفين مع حفتر في الشرق.
قطع الاتصالات واعتقال صحفيين
بعد المظاهرة بوقتٍ قصير؛ انقطعت جميع الاتصالات في درنة ليفقد السكان وعمال الإغاثة وغيرهم كل سبل الاتصال، أو تبادل الرسائل، أو استخدام الإنترنت منذ صباح الثلاثاء الباكر وحتى مساء الأربعاء، عندما عاد الاتصال بالإنترنت وفقاً للسكان.
كما اعتقلت قوات الأمن الداخلي اثنين من المحتجين في المظاهرات -على الأقل- بينهم أحد منظمي المظاهرة، وذلك وفقاً لعزوز الذي حضر الاحتجاج واثنين آخرين من المحتجين الذين قالوا إنهم شاهدوا عمليات الاعتقال.
في حين ذكر صحفي من درنة يُدعى جوهر علي، أن شقيقه تعرض للاعتقال يوم السبت، بعد أن ظهر في التلفزيون للمطالبة بمحاسبة المسؤولين، وانتقد طريقة إدارة جهود الإغاثة. وأفاد جواهر علي بأن السلطات أفرجت عن المحتجين الآخرين لاحقاً، بينما ظل شقيقه رهن الاحتجاز.