قالت صحيفة Financial Times البريطانية في تقرير نشرته الجمعة 15 سبتمبر/أيلول 2023، إنه مع اجتياح العاصفة دانيال للبحر المتوسط وسلكها لمسار تصادمي مع ليبيا؛ بدأ المسؤولون في شرق البلاد يصدرون تحذيرات متضاربة. إذ طُلِب من بعض سكان مدينة درنة الساحلية البقاء في منازلهم، بينما طُلب من آخرين إخلاء بيوتهم.
لهذا لم يكن هناك وقت للاستعداد عندما ضربت الجائحة حاملةً معها الأمطار الغزيرة والرياح العاتية، وبالتزامن مع الانهيار المفاجئ لسدين قديمين كانا يحجزان ماء النهر على المرتفعات المجاورة للمدينة. فمزّقت سيول مياه الفيضان درنة، وجرفت بناياتها وطرقها وسياراتها وسكانها نحو البحر المفتوح، قبل أن تودي بحياة أكثر من 11 ألف إنسان.
تبادل الاتهامات بخصوص كارثة درنة
بعد مرور قرابة الأسبوع، بدأ تبادل الاتهامات داخل البلد المنقسم الذي تحمَّل أكثر من عقدٍ كامل من الفوضى والصراعات. وأسفر ذلك العقد عن تداعي البنية التحتية، وضعف وتفريغ المؤسسات الحكومية.
وربما يحذر الخبراء منذ وقتٍ طويل من أن سدود درنة معرضة للانهيار، لكن السلطات سارعت إلى تبرئة نفسها من المسؤولية.
إذ قال عقيلة صالح، الذي يرأس البرلمان الموجود في الشرق، إن ما حدث ليس مسؤولية أحد. حيث صرّح خلال الجلسة الطارئة في البرلمان قائلاً: "قدر الله وما شاء فعل. لا تقولوا لو درنا كذا أو كذا.. ما حدث في بلادنا كان كارثةً طبيعية".
بينما صرّح أحمد المسماري، المتحدث باسم خليفة حفتر، قائلاً إن الكارثة "لم تكن متوقعةً على الإطلاق". وجاء تصريحه بالرغم من تحذيرات الأرصاد الجوية التي صدرت قبل وصول العاصفة إلى اليابسة. ثم أردف المسماري في المؤتمر الصحفي: "يحدث هذا في جميع الدول".
لكن الإخفاق في صيانة سدود درنة أثار غضب الليبيين، لأن تلك الصيانة كانت ستتكلف جزءاً بسيطاً من الأموال التي أنفقها حفتر على المرتزقة الروس والسودانيين لدعم قواته بحسب التقديرات.
في ما قال الصحفي البارز خليل الحاسي أثناء حديثه عن المسؤولين، الذين يؤمن هو والعديد من الليبيين بأنهم مذنبون: "يجب أن يستقيل الجميع".
ثم أردف الحاسي خلال مقابلته التلفزيونية: "نحن ننتشل الجثث من البحر بالشباك وكأنها أسماك. لقد أمضينا 14 عاماً مع هؤلاء الأشخاص المسؤولين عن هذه الكارثة. ونحن لا نثق في تحقيقاتهم أو قضائهم. ولا نثق في أي شيء يصدر عن هذه الدولة الليبية الفاشلة".
اتهامات للمسؤولين بسوء الإدارة في درنة
قال عماد الدين بادي، الباحث الليبي والمحلل الأقدم في Global Initiative: "هذا ليس نتاج العاصفة، بل هي نتيجة مباشرة لحوكمة ومحسوبية المسؤولين طيلة سنوات، وهذا هو ما أدى لانهيار السدود تحت وطأة ذلك الحمل".
وأضاف بادي أن "العاصفة دانيال كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن النخب السياسية والسلطات الأمنية هي التي مهّدت الطريق أمام درنة لتتحول إلى مسرح للجريمة اليوم".
ويُمكن القول إن الفترة التي سبقت الكارثة تسلط الضوء على حجم الخلل الوظيفي في الدولة. حيث نشرت دورية في إحدى الجامعات الليبية دراسةً أكاديمية العام الماضي، للتحذير من وجود تشققات في السدود، ومن "التداعيات الخطيرة" التي ستقع حال انهيارها.
ومع اقتراب العاصفة دانيال، طلبت سلطات درنة من البعض المغادرة، بينما فرضت حظر تجولٍ على الآخرين.
وقد عانى الناجون من أجل التعبير عن حجم الكارثة بالكلمات. حيث قال أحدهم من سرير المستشفى في فيديو متداول على الشبكات الاجتماعية: "يصعب وصف الأمر. كانت الجثث تطفو على الماء، والسيارات تسبح بجوارنا، والفتيات يصرخن. دامت العاصفة لساعة أو ساعة ونصف، لكنها بدت وكأنها دامت لأكثر من عام كامل".
ورغم تنافس العديد من الأطراف على السلطة والنفوذ في البلاد، لم يعِر أحدهم أي اهتمام لسكان درنة وسدودها المتداعية إلا بعد فوات الأوان.
في ما تحدث دبلوماسي غربي سابق في البلاد عن وجود غضب شعبي كبير في ليبيا، مضيفاً: "أتمنى أن يكون الغضب كافياً للإطاحة بجميع هؤلاء المجرمين".