قالت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته الجمعة 15 سبتمبر/أيلول 2023، إن مآسي مدينة درنة الليبية الإنسانية تتجلى بوضوح بعيداً عن ساحة السياسة، إذ فقدت إحدى الأسر 40 من أقاربها بعد أن جرفت المياه منزلهم المطل على وادي درنة. وفي قصة أخرى تفطر القلب، نجا أب من الفيضان لكنه وقف عاجزاً ليشاهد ابنه الوحيد (22 عاماً)، وهو يموت أمام عينيه.
في حين يبحث عمر الرفادي عن ابنته المفقودة التي تبلغ من العمر 20 عاماً منذ أن ضربت الكارثة مدينة درنة الليبية يوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023. حيث اختفت ابنته يومها وضاعت في الظلام وسط الفيضانات الكارثية، التي حصدت أرواح الآلاف وجرفت كثيرين إلى البحر.
عائلات ليبية تبحث عن أولادها في درنة
قال الرفادي الذي يبلغ من العمر 52 عاماً، والدموع تنهمر على وجهه: "لقد بحثت عنها سيراً على الأقدام. وذهبت إلى كافة المستشفيات والمدارس. لكن الحظ لم يحالفني".
وأوضح أنه كان يعمل في ليلة وقوع الفيضان الذي دمّر مساحات شاسعة من المدينة الواقعة على ساحل المتوسط.
واتصل الرفادي بزوجته مرةً تلو أخرى دون رد، لأن هاتفها كان مغلقاً. وأضاف: "ما يزال مصير 50 فرداً على الأقل من عائلتي مجهولاً، سواءً كانوا في عداد المفقودين أو المتوفين".
بينما قال سالم عمر، المهندس البالغ 38 عاماً: "لقد نجوت أنا وزوجتي، لكنني فقدت أخي. كان أخي يعيش في وسط المدينة حيث وقع الشطر الأعظم من الدمار. لم نعثر على جثته. ونخشى أن تُصاب الجثث بأمراضٍ خطيرة".
وقد جرى العثور على جثتين في شقة عمر. وفي أثناء حديثه إلينا، انتشل فريق إنقاذ من الإمارات جثة جارته من مكانٍ قريب، فقال عمر: "هذه عمتي أمينة، رحمها الله".
وأضاف عمر: "لقد تحول عشرات الآلاف من الناس إلى مشردين. نحن بحاجة إلى مساعدةٍ دولية، فليبيا لا تمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه الكوارث".
في حين قال عبد المنعم الغيثي، عمدة درنة، إن حصيلة الوفيات في المدينة قد تصل إلى 20 أو 25 ألف حالة وفاة بناءً على عدد الأحياء التي ضربها الفيضان. كما أدت العاصفة دانيال إلى غمر بعض المناطق القريبة بالماء، ومنها مدينة سوسة السياحية.
وذكر الغيثي أن فرق الإنقاذ وصلت إلى درنة قادمة من مصر، وتونس، والإمارات، وتركيا، وقطر. ثم أردف: "نحتاج في الواقع إلى فرق متخصصة في انتشال الجثث. وأخشى أن تتفشى جائحة في المدينة نتيجة العدد الكبير من الجثث الموجودة تحت الأنقاض والماء".
نزوح عشرات الآلاف من درنة
بينما أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة بأن نحو 30 ألف شخصٍ على الأقل قد نزحوا في درنة، وصاروا جوعى وبلا مأوى.
وتواجه عمليات الإنقاذ تعقيدات ناجمة عن الانقسام السياسي في ليبيا، التي يصل تعداد سكانها إلى 7 ملايين نسمة.
لكن المآسي الإنسانية تتجلى بوضوح بعيداً عن ساحة السياسة. إذ فقدت إحدى الأسر 40 من أقاربها بعد أن جرفت المياه منزلهم المطل على وادي درنة. وفي قصة أخرى تفطر القلب، نجا أب من الفيضان لكنه وقف عاجزاً ليشاهد ابنه الوحيد (22 عاماً)، وهو يموت أمام عينيه.
وتحدث الرجل من داخل مستشفى درنة المكتظ بالجرحى، لكنه رفض ذكر اسمه. حيث روى القصة بألمٍ واضح قائلاً: "في الثانية صباحاً، بعد أن ارتفعت الفيضانات لمستويات خطيرة ووصلت إلى منزلنا، ذهبت لإحضار ابني. كان ابني في منزل صديقه. لكن المياه غمرتنا بعد لحظات من وصولي ودفعتنا نحو السطح، وظللنا نكافح هناك لساعات".
ثم تابع حديثه قائلاً: "جرفت المياه ابني أمام عيني في نهاية المطاف، فارتطم رأسه بالباب. وظل عالقاً هناك حتى الصباح. وآخر كلمةٍ سمعتها منه كانت: (سامحني يا أبي). لقد كان طالباً في الجامعة".
يُذكر أن درنة تعرضت لضربات الكوارث الطبيعية من قبل، وضمن ذلك فيضان عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية، والذي تسبب في خسائر فادحة للقوات الألمانية المتمركزة على أطراف المدينة. كما شهدت المدينة فيضانات كارثية شديدة أخرى في أعوام 1959 و1968 و1986، لكن وجود السدود لعب دوراً حاسماً في تخفيف شدتها وحماية المدينة من الأضرار.
ومع ذلك، سنجد أن تلك السدود التي لم تجر صيانتها بالشكل المطلوب قد انهارت في مواجهة فيضانات الأحد الماضي. ولا يمكن مقارنة تداعيات الفيضان الأخير بأي من تلك الفيضانات السابقة على الإطلاق، سواءً من حيث الخسائر المادية أو البشرية.