تظهر الخلافات بين فرنسا وألمانيا بصورة متزايدة حول مسائل مختلفة، بدءاً من الطاقة إلى قواعد الميزانية مروراً بالدفاع، الأمر الذي يهدد بحدوث شقاق في أوروبا، وذلك في وقت تتراكم فيه التحديات على الساحة الدولية، فيما تأمل أوساط دبلوماسية في أن يتمكن مسؤولو البلدين من تسوية خلافاتهما قريباً.
إضافة إلى التباعد بين المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أصبحت الملفات الرئيسية "ساحات مواجهة أيديولوجية" بين البلدين، حسبما قال الأمين العام للجنة دراسات العلاقات الفرنسية الألمانية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إريك-أندريه مارتان.
وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن أوساط دبلوماسية في برلين قولها إنه رغم الاختلاف في وجهات النظر، تتفق دائماً الدولتان على الأمور الأساسية، باعتبار أن التقدم في أوروبا مستحيل في غياب "المحرّك" الفرنسي الألماني.
وتشدّد باريس على الرغبة المشتركة في التغلب على الصعوبات، وأشارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ونظيرتها الألمانية أنالينا بيربوك إلى أنهما على اتصال دائم.
بيربوك قالت يوم الجمعة الماضي لصحيفة "ويست فرانس" الفرنسية، إنه "من المعروف أن ألمانيا وفرنسا أفضل صديقتَين في العالم، لكننا نتشاجر أحياناً مثل زوجَين مسنَّين"، متحدثة عن الإصلاح الصعب لسوق الكهرباء الأوروبية.
في خلفية خلافات البلدين أيضاً، هنالك معركة حول النووي الذي تعتبره فرنسا أولوية لإمدادات الكهرباء، في حين أغلقت ألمانيا محطتها النووية الأخيرة في أبريل/نيسان 2023، وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك: "لسنا متفقين على شيء".
النبرة مماثلة في باريس، حيث تتحدث الأوساط الدبلوماسية عن "مناقشات صعبة" حول الطاقة وإصلاحات قواعد الميزانية وعن الرغبة في أن تكون برلين أكثر "تعاوناً".
مدير المعهد الفرنسي الألماني في لودفيعسبرغ، فرانك باسنر، قال في تعليقه على العلاقات الألمانية الفرنسية: "بدأنا نشهد تحوّلاً في التصورات والتحليلات والأولويات على كل الصعد تقريباً"، مضيفاً: "نعود إلى مواقف يفكر فيها كلٌّ بنفسه أولاً، وينسون أن الحلول لا يمكن أن تكون إلا على الصعيد الأوروبي".
يأتي هذا فيما يغذّي ركود الاقتصاد الألماني والشكوك الألمانية المتزايدة حول قدرة البلد على التعافي، التباينات في المواقف مع فرنسا، وعنونت مجلة "دير شبيغل" الألمانية مؤخراً، بنبرة مستفزّة إلى حد ما: "فرنسا هي نسخة أفضل من ألمانيا".
في موازاة ذلك، تواجه أوروبا سلسلة من حالات الطوارئ، أبرزها ضمان أمنها منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتسريع تحوّلها البيئي، وزيادة قدرتها التنافسية في مواجهة الصين والولايات المتحدة.
إذ لا يزال مشروع دبابة المستقبل الفرنسي الألماني يكافح باستمرار، هذا المشروع الذي يُفترض أن يكتمل بين عامَي 2035 و2040 ليحلّ مكان دبابات "لوكلير" الفرنسية ودبابات "ليوبارد 2" الألمانية.
ورغم تأكيد وزيرَي الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، ونظيره الفرنسي سيباستيان لوكورنو في منتصف يوليو/تموز 2023 رغبتهما في تقدّم المشروع، وفيما سيبحثان هذه المسألة في اجتماع في فرنسا في 22 أيلول/سبتمبر 2023، أشارت الصحافة الألمانية هذا الأسبوع إلى إنشاء اتحاد صناعي يمكن أن يتنافس مع مشروع دبابة المستقبل.
سيضمّ هذا الاتحاد شركات ألمانية وسويدية وإيطالية وإسبانية. ولن تشارك فرنسا إلا عبر مجموعة "نكستر" الفرنسية في شركة "كي إن دي إس" الفرنسية الألمانية.
اعتبر إريك-أندريه مارتان أن "العلاقات الفرنسية الألمانية تقف عند نقطة تحوّل"، متسائلاً عن قدرة البلدَين على "الاستجابة للتحديات"، وقال: "إنهما بلدان يملك كلّ منهما نماذج عمل ومصالح متباينة، يتواجهان ويشكّلان قطبين متضادّين على المستوى الأوروبي، ما يسهم في تفتيت أوروبا من خلال إيجاد أغلبيات ظرفية".
كما لفت إلى ظهور مجموعتَين من الدول، أولاها هي مجموعة دول "البنلوكس، التي تشعر ببعض الأسف للتعثر الأوروبي"، والأخرى تضم دولاً مثل بولندا التي ترى في ذلك "فرصة لدفع بيادقها من خلال القيام بنشاط دبلوماسي أقوى".
وبعد نحو عامين من وصول أولاف شولتز إلى المستشارية، لم ينسج بعد مع ماكرون علاقة قرب شبيهة بالتي كانت تجمع الرؤساء الفرنسيين السابقين بالمستشارين الألمان السابقين، وتأمل باريس أن يجتمعا مجدداً في بداية تشرين الأول/أكتوبر 2023 في هامبورغ لتسوية خلافاتهما بطريقة "منفتحة" في جو "غير رسمي".