يثير قرار رئيس المجلس السيادي في السودان، عبد الفتاح البرهان، بحل قوات الدعم السريع تساؤلات عن تداعياته والنتائج المترتبة عليه، بالإضافة إلى توقيت هذا الأمر، لماذا الآن رغم مرور نحو 5 أشهر على بدء الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع بقيادة محمد دقلو (حميدتي).
وأصدر البرهان قراره الأربعاء 6 سبتمبر/أيلول 2023، عبر مرسومين دستوريين أحدهما يقضي بحل قوات "الدعم السريع" والآخر معنيّ بإلغاء "قانون الدعم السريع" الذي أجاز عام 2017 بأن تتبع تلك القوات الجيش السوداني.
قرارات أخرى بعد حل قوات الدعم السريع
كشف مصدر عسكري مطلع في الجيش السوداني لـ"عربي بوست"، الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2023، أن قرار البرهان الأخير بحل قوات الدعم السريع وإلغاء قانونيتها ستتبعه مجموعة من القرارات الهامة الأخرى، موضحاً كذلك الهدف منها.
أوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن القرار سيتبعه "فرض حالة الطوارئ، وتعيين حكام عسكريين للولايات في المستقبل القريب".
أما الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد الفكي، فرجّح في حديثه لـ"عربي بوست"، أن يتم تشكيل "حكومة تنفيذية، كحكومة طوارئ، وأن تكون هي بمثابة "حكومة حرب" لإدارة شؤون البلاد، ولمحاولة توفير الخدمات التي تضررت سواء كانت من خدمات المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات والمرافق التي عانت من الحرب".
وتوقع كذلك "حل مجلس السيادة، ومراجعة اتفاقية سلام جوبا، والموقف من بعض الحركات التي اتخذت موقفاً انحازت فيه للدعم السريع، وتضييق الخناق على الدعم السريع ومناصريه ومسانديه حتى تكون هناك حكومة قوية بعد انتهاء هذه الحرب".
تداعيات على قوات الدعم السريع
المصدر الحكومي أورد لـ"عربي بوست" أن الهدف من قرار حل قوات الدعم السريع يتمثل بمحاور عدة قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية.
وأوضح أنه بالنسبة للشق الاقتصادي، فإنه "سيتم الاستيلاء على الأموال وشركات الدعم السريع لصالح الشعب السوداني بعد أن تم نهبها من هذه القوات".
وأشار إلى أن "نشاطات هذه القوات بما يتعلق بالذهب بشكل رئيسي سيتم وقفها وبشكل ممنهج، كذلك فإن استخراج الذهب من الشركات المحلية والإقليمية مثل الجنيد وغيرها 20 شركة من شركات الذهب ستتم السيطرة عليها بواسطة بنك السودان المركزي بموجب قرار الحل".
وأضاف إلى ذلك أن "كل القوة الموجودة في "جبل عامر" بالإضافة إلى المرتزقة المحليين ومن البلدان المجاورة المتحالفين مع قوات الدعم السريع، سيتم تجميد جميع أصولهم بقرار البرهان، وحظر أملاك قياداتها وأموالها، ما يؤثر سلباً على قدرتها في إطالة أمد الحرب في السودان".
أما سياسياً، فقال مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية السودانية لـ"عربي بوست"، إن "الدعم السريع ليس لها صبغة سياسية معروفة، ولا هي مع الحرية والتغيير ولا مع غيرها، وإن كان هناك أي اعتبار، فهو مرتبط برئيس الحُكم البائد عمر البشير ولا أحد غيره، فليس للحرية والتغيير حق في اعتبار نفسها جناحاً سياسياً لها على سبيل المثال".
وأضاف أن "قرار حل قوات الدعم السريع وفرض عقوبات أمريكية عليها، وعلى قائدها الثاني عبد الرحيم حميدتي، هو خطوة مهمة لمحاصرتها داخلياً وخارجياً، فحتى لو تأخرت الخطوة بعد أن ارتكبت هذه الميليشيا جرائم وفظائع، لكنها ليست أمراً مفاجئاً لأي شخص أو جهة تتبع انتهاكاتها".
قانونياً، تابع المصدر أن "شرعية القوات كانت مستمدة من اعتبارها قوات نظامية ذات وضع رسمي في السودان، ومن وجهة نظر قانونية، فإنه وفقاً للوثيقة الدستورية، فإن البرهان هو الجهة المخولة له باتخاذ قرار الحل لهذه القوات".
وشدد على أن حل قوات الدعم السريع جرى "على أساس جميع الوثائق القانونية والاتفاقات السابقة، مع الأخذ في الاعتبار أن القوات تنتمي إلى القائد العام للجيش وتستمد شرعيتها من شرعيته. أما عن اعتبار أنها عهد الإنقاذ وتبعيتها مباشرة لحكم البشير، فقد انهار في أبريل/نيسان 2019".
تداعيات خارجية
من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، السفير بابكر الصديق، لـ"عربي بوست"، أن "هناك انعكاسات خارجية للقرار، في مقدمتها أنه لم يعد هناك أي مجال لأي دولة أو منظمة دولية أو أي كيان قانوني بالتعامل مع أعضاء قوات الدعم السريع على أنها قوات نظامية في الدولة السودانية، بل باعتبارها ميليشيا متمردة وإرهابية مصنفة ضمن قوات المتمردين الذين ينتهكون القانون".
وكشف أنه سيتم "اتخاذ مزيد من القرارات ضد هذه الميليشيا المتمردة"، دون أن يوضح تفاصيل عنها.
وقال إن "عدداً من أعضاء جامعة الدول العربية (لم يسمّها) أصدرت قراراً بالتضامن مع السودان، واعتبرت هذه القوات متمردة وخارجة عن القانون"، داعياً الدول إلى اتخاذ المزيد من الخطوات ضد قوات الدعم السريع "على ضوء ممارستها الفظيعة ضد المدنيين والنساء والأطفال واحتجاز عدد كبير من المدنيين لا علاقة لهم بأي أعمال عسكرية، والنظر في ممارساتها التي لا تختلف عن ممارسة الجماعات الإرهابية"، على حد تعبيره.
علق كذلك على ما ورد في قرار وزارة الخزانة الأمريكية بأن هذه القوات ترتكب قائمة طويلة من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح، ويجب على البلدان التعامل معها بالصفة ذاتها، وتجديد الدعوة لتصنيفها على أنها منظمة إرهابية إجرامية".
واعتبر أن هذه القوات "لم يعد لها أي سند قانوني من الدستور، وقد ثبت ذلك من خلال شهادات عدد من المنظمات والحكومات الدولية، بقيادة حكومة الولايات المتحدة وسفيرها لدى الأمم المتحدة، إلى جانب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومستشار الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، وعدد من مقرِّري الأمم المتحدة، خاصة في القرارات المتعلقة بالعنف ضد المرأة والهجرة غير القانونية والتهجير القسري للمواطنين السودانيين".
وأكد أن هذه المنظمات كلها اعتمدت الدعم السريع "قوات ترتكب فظائع كبيرة ضد حقوق الإنسان"، داعياً إلى أن "ينعكس ذلك عليها".
دور أمريكي بقرار الحل
وأكد المصدر الدبلوماسي أن وزارة الخارجية الأمريكية لعبت دوراً مشتركاً مع نظيرتها السودانية، في قرار حل قوات الدعم السريع، واتفقتا على حل هذه القوات قانونيا بالداخل وفرض عقوبات دولية عليها بالخارج، "وهي خطوة لا تخلو من التنسيق المشترك من أعلى مستوى في البلدين".
لكنه انتقد "متابعة الخارجية الأمريكية جميع الانتهاكات بصمت تحت ضغط منظمات المجتمع المدني الأمريكية، لذلك تأخر موقفها، فالأمريكيون كما قال عنهم ونستون تشرشل يتخذون القرار الصحيح بعد تجربة كل الوسائل الخاطئة"، وفق تعبيره.
وقال إن "المطلوب من وزير الخارجية الأمريكي في هذا الوقت، ترجمة الكلمات إلى أفعال. فليست هناك حاجة إلى خطوات عملية في محاصرة الميليشيا من خلال التحرك في المؤسسات القضائية الدولية لتغيير الرؤية الأمريكية حول الإرهاب وتصنيف الدعم السريع كنظام إرهابي".
الدعم السريع: لا تأثير علينا
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع وقوع أي تأثيرات عليها جراء قرار الحل من البرهان، وقالت: "لا يوجد أي أثر للقرار المتعلق بقواتنا. سنستمر في القتال وتحقيق الانتصارات".
جاء ذلك في حديث لـ"عربي بوست"، مع إبراهيم مخير، عضو المكتب الاستشاري للجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، الذي أضاف: "لن يكون لقرار البرهان بحل قوات الدعم السريع أو غيره تأثير على قواتنا ومؤسساتنا".
وتابع مخير أن "البرهان رجل يجلس الآن على قارعة الطريق، وليس له وضع قانوني أو دستوري لحل قوات الدعم السريع، وليس لديه حتى حكومة، فمنذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتمكن من تشكيل حكومته الانقلابية"، وفق تعبيره.
وقال: "الانقلاب نفسه أفقد البرهان وضعه الذي أعطته له الوثيقة الدستورية كقائد عام للجيش ورئيس مجلس سيادي، وهو في حد ذاته طعنة مسمومة لنفسه بيده. وعليه تسليم نفسه للعدالة السودانية في نهاية المطاف"، مشدداً على أن "القرار المتعلق بحل قوات الدعم السريع لا يعني شيئاً بالنسبة لنا".
أكد كذلك تمسك قوات الدعم السريع بـ"منبر جدة"، مضيفاً: "سنجبر البرهان على الجلوس معنا هناك، لكي ننزع منه تهكمه وتسلطه، وسوف يجد نفسه لاحقاً وحيداً".
توقيت القرار
حول توقيت قرار حل قوات الدعم السريع، قال اللواء ركن محمد خليل الصائم، لـ"عربي بوست": "جاء القرار متأخراً، لكن من الناحية السياسية، تشير معلومات الجيش إلى أن نهاية الدعم السريع تقترب من النهاية، بعد كسر شوكتها باستراتيجية عسكرية".
في حين رأى المحلل السياسي خالد الفكي أن القرار "يأتي متزامناً ومتوافقاً مع قرارات العقوبات الأمريكية التي فرضت على عبد الرحيم دقلو وقيادات أخرى في الدعم السريع، ما يجعلها وقيادتها معرضين للملاحقات والمحاكمات الدولية".
وأكد أن ذلك "يفتح الباب واسعاً للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان".
وشدد على أن "قرار حل قوات الدعم السريع يجعل من هذه القوات معزولة، وينزع عنها أي شرعية تجارية واقتصادية وسياسية".
يُشار إلى أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مستمرة منذ أبريل/نيسان 2023، ولم تنجح الجهود المبذولة إقليمياً ودولياً لوقف القتال، في العديد من عواصم البلدان المجاورة والإقليمية لمناقشة سبل وقف الحرب، وسط تدهور الأوضاع الإنسانية.
يُذكر أنه في يناير/كانون الثاني 2017، أجاز البرلمان السوداني مشروع قانون "قوات الدعم السريع"، وهو قانون جعل تلك القوات تابعة للجيش السوداني، بعد أن كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات.
نص القانون على أن "قوات الدعم السريع تتبع القوات المسلحة، وتأتمر بأمر القائد الأعلى".
وقوات الدعم السريع أو "الجنجويد"، جرى تشكيلها لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لاحقاً لحماية الحدود وحفظ النظام، وتأسست في 2013 كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ولا توجد تقديرات رسمية لعددها، إلا أن المؤكد أنها تتجاوز عشرات الآلاف.
وخلفت حربها مع الجيش السوداني، أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
ويتبادل الجيش و"الدعم السريع" اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.