ينظر كثير من الفلسطينيين في الداخل المحتل، إلى أن العام الجاري 2023، هو الأكثر دموية بالنسبة لحوادث إطلاق النار التي راح ضحيتها 165 فلسطينياً، منهم 9 نساء و5 فتيان لم يتجاوزوا الـ18 من العمر، لتعود الجرائم في المجتمع العربي بإسرائيل إلى الواجهة، مع تصفية عدد من الرموز الوطنية فيه، ووصولها إلى مرشحين في الانتخابات المحلية المقبلة.
يأتي ذلك في حين تستعد المدن الإسرائيلية بما فيها البلدات العربية في الداخل، البالغ عددها 75 مجلس بلدية، لانتخابات الهيئات المحلية المقررة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
استهدفت الجرائم في المجتمع العربي بشكل لافت رموز الحركة الوطنية في الداخل، آخرها اغتيال الشيخ سامي عبد اللطيف، إمام مسجد قباء في بلدة "كفر قوع" قضاء حيفا، الذي قُتل بإطلاق نار من مسلحين مجهولين استهدفوه بشكل مباشر أثناء خروجه من "بيت عزاء" في بلدته، السبت، 2 من سبتمبر/أيلول 2023.
يُعرف عن الشيخ عبد اللطيف أنه أحد الرموز الوطنية التي تدعو للحفاظ على السلم الأهلي والاجتماعي، كما أنه محسوب على تيار الحركة الإسلامية في الشمال بقيادة الشيخ رائد صلاح.
سبق ذلك، اغتيال غازي صعب، المرشح لرئاسة المجلس المحلي في بلدة أبو سنان رفقة 3 من أقاربه في 23 من أغسطس/آب 2023، وسبقه بيوم واحد مقتل عبد الرحمن قشوع مدير عام بلدية الطيرة.
في منتصف يوليو/تموز 2023، نجا أيضاً المرشح لرئاسة بلدية الناصرة مصعب دخان من الموت، بعد قيام مسلحين بإطلاق وابل من الرصاص استهدف منزله.
أما في أبريل/نيسان 2023، فتعرّض منزل رئيس بلدية الطيبة لإطلاق نار أدى لمقتل حارسه الشخصي.
مرشحو الانتخابات المحلية مهدَّدون بالاغتيال
أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، نقلاً عن مسؤول في شرطة الاحتلال، أن 25 مرشحاً من فلسطينيي الداخل يستعدون لخوض الانتخابات المحلية وهم مهددون بالقتل، ويتلقون مستويات مختلفة من التأمين الأمني من الشرطة وجهاز الشاباك.
فيما أعلنت تيارات واسعة من الوسط الفلسطيني في الداخل عن تعليق مشاركتها في الانتخابات المحلية القادمة تصويتاً وترشيحاً.
وأعلن مرشحون انسحابهم من السباق الانتخابي، حفاظاً على حياتهم، بعد وصول تهديدات بالقتل، حال قرروا المنافسة في هذه الانتخابات.
بحسب ناشطين فلسطينيين، فإنه يستفيد من هذا الوضع التيار اليميني في إسرائيل الذي يشارك بقوة في هذه الانتخابات بما فيها البلدات العربية، بسبب انسحاب الكثير من المرشحين من المجتمع العربي، ما قد يضمن لها فوزاً وسيطرة على الهيئات المحلية العربية، بعد أن سيطرت سابقاً على المؤسسة التشريعية في انتخابات الكنيست الأخيرة.
تعليقاً على ذلك، قال مصدر سياسي مقرّب من لجنة المتابعة العربية في الداخل لـ"عربي بوست" إن "هنالك مؤامرة يحيكها اليمين الإسرائيلي داخل الحكومة بمساعدة أجهزة الشرطة والشاباك لإسقاط الفلسطينيين في الانتخابات المحلية القادمة، من خلال بث الرعب والتهديد بالقتل والتصفية في صفوف المرشحين واللجان الدعائية في حال قرروا المشاركة في الانتخابات القادمة، وهذا ما تحقق للأسف من خلال انسحاب العشرات من السباق الانتخابي".
وأضاف، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "يرى اليمين في إسرائيل أن معركته الحالية هي السيطرة على المجالس المحلية داخل الوسط العربي، لإكمال خططه التي بدأها وتبناها في انتخابات الكنيست الأخيرة، من خلال دفع الفلسطينيين للهجرة نحو الضفة الغربية أو للخارج، لتقليل أثرهم الديموغرافي الذي بات هاجساً وتهديداً قومياً للدولة".
وتابع بأن ما يجري يهدف أيضاً "لإدخال الوسط العربي في مستنقع من الدم لتنفيذ مشروع أسرلة الوسط العربي، والاندماج ليبقوا تحت مظلة الدولة اليهودية دون أن يكون لهم أي مواقف رافضة للمشروع الصهيوني كما حدث في هبة الأقصى عام 2000 وهبة الكرامة في معركة سيف القدس في 2021".
تحدث المرشح المنسحب عن قائمة شباب التغيير في أم الفحم، عدنان بركات لـ"عربي بوست"، قائلاً إن "القائمة قررت الاستقالة من المجلس الحالي للبلدية، وانسحابها من سباق الانتخابات المقبلة، كرسالة احتجاج على أداء الحكومة في معالجة القضايا الأمنية داخل البلدات العربية".
وقال: "رسالتنا من هذه الإجراءات أن لا مسار ديمقراطياً حقيقياً يمكن أن يتحقق في ظل شعور الناخبين والمرشحين بالتهديد المستمر على حياتهم، دون أن تتحرك الحكومة لمعالجة لهذا الملف".
وأضاف أنه "على الرغم من جهوزيتنا الكاملة لخوض الانتخابات من جانب القائمة والانتهاء من الترتيبات كافة المتعلقة بخطط التطوير والبرنامج الانتخابي وترتيب مرشحي القائمة، فإن قرار المقاطعة كان لا بد منه لإجبار الحكومة على التحرك، وأن تضع أمن المجتمع العربي واحتياجاته كأولوية، باعتبار الأمن الشخصي أبسط الحقوق التي على الدولة أن تلتزم بها تجاه كل مواطن داخل حدودها".
وتابع: "نحن لم نترك أي وسيلة للتأثير إلا وقمنا بها، فقد نظمنا مظاهرات وإضرابات واحتجاجات بمستويات مختلفة وعلى مدار أشهر طويلة، إلا أننا نراهن أن يكون لقرار مقاطعة الانتخابات صدى داخل الحكومة قد يجبرها على الاستجابة لمطالبنا حتى لو كانت متأخرة"، وفق قوله.
مَن المسؤول عن الجريمة في الداخل؟
من جانبه، اتهم الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، المؤسسة الإسرائيلية الرسمية باغتيال الشيخ عبد اللطيف، وقال: "إنها المسؤولة عن كل ما نعاني منه من كوارث القتل في مجتمعنا العربي، لأنها ليست عاجزة عن كبح جماح العنف في الداخل، بل تتبنى سياسة التقاعس في البحث عن المتهمين".
أما نائبه الشيخ كمال الخطيب، فقال إن "ما يجري في هذا العام هو جزء من حرب إسرائيلية هدفها تمزيق النسيج الشعبي في الداخل، من خلال فتنة السلاح والجريمة، وذلك لمعاقبة الفلسطينيين على هبة الكرامة في مايو/أيار 2021، التي لا يزال الاحتلال يتألم منها ويتذكر تفاصيلها".
وتسود في البلدات العربية في الداخل المحتل موجة عارمة من الغضب الشعبي، في ضوء ارتفاع مستويات الجريمة وحوادث إطلاق النار التي راح ضحيتها 165 مواطناً من فلسطينيي الداخل، وأصيب آخرون يزيد عددهم على الألف، وسط اتهامات لشرطة الاحتلال بالتقاعس والتواطؤ في ملاحقة المتورطين في هذه الجرائم في المجتمع العربي.
وعمّ الإضراب البلدات العربية، في الثلاثاء، 5 سبتمبر/أيلول 2023 ليوم واحد، فأغلقت المرافق العامة والمؤسسات الخدماتية والمحال التجارية، ضمن سلسلة خطوات احتجاجية كانت قد أعلنت عنها لجنة المتابعة العليا ستشمل أيضا الدعوة لمظاهرات شعبية في مدن النقب والجليل جنوب وشمال فلسطين المحتلة رفضاً لمخططات التهجير ومصادرة الأراضي التي أقرها مؤخراً وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
الجرائم في المجتمع العربي بالأرقام
يشير رئيس حزب التجمع الوطني جمال زحالقة، إلى أن مستويات الجريمة في الفترة ما بين العام 1980-2000 لم يكن يتجاوز عدد القتلى من فلسطينيي الداخل 100 قتيل، ولكنه تضاعف بنحو 15 مرة في الفترة ما بين العام 2000-2021.
في حين سجل العامان 2021 – 2022، (111_ 109) على التوالي، لحالات القتل.
فيما يشير تقرير آخر للمركز من أجل الثقة والسلام والعلاقات الاجتماعية إلى أنه بالنظر للتوزيع الجغرافي لحالات القتل، نجد أن مناطق المركز (اللد، يافا، الرملة) يصل معدل القتلى من الفلسطينيين إلى 156 شخصاً لكل 100 ألف نسمة.
تنخفض النسبة قليلاً في مناطق الشمال والساحل إلى 138 قتيلاً لكل 100 ألف نسمة.
وبشأن التوزيع العمري للقتلى نجد أن نسبة 79% ممن لقوا مصرعهم هم من فئة الشباب في الفئة العمرية ما بين 15-30 عاماً.
تقاعس شرطة الاحتلال
تقيّد كثير من الجرائم في المجتمع العربي في الداخل ضد مجهول، بالتالي يغلق الملف من الشرطة، دون أن تتحرى شرطة الاحتلال عن الجناة.
يرى فلسطينيون أن هذا الأمر يشجّع عصابات المافيا على ارتكاب المزيد من جرائم إطلاق النار، نظراً لتقاعس أجهزة الشرطة في متابعة هذه القضايا.
وفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد استطاعت الشرطة تفكيك 5% فقط من حوادث إطلاق النار التي تم رصدها خلال النصف الأول من عام 2023، مقابل 83% من حوادث القتل في المجتمع اليهودي.
وأكدت أن "هذا التمييز يقابله انتشار السلاح بصورة كبيرة داخل إسرائيل 70% مصدره معسكرات الجيش والشرطة الإسرائيلية التي تغذي هذه الظاهرة، من خلال بيع هذه الأسلحة بصورة غير شرعية لنشر الجريمة على نطاق واسع".
يشير الناشط السياسي من أم الفحم محمد جبارين في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن "أجهزة الأمن ومخابرات الاحتلال تنشط بصورة كبيرة داخل الوسط العربي، وهي من تغذي ظاهرة نشر السلاح بين العائلات العربية".
وأضاف: "كما أن عناصر الاحتلال تقوم بنشر التحريض ضد بعض العائلات والرموز الوطنية باتهامات باطلة كانتهاك الشرف، واللعب على الوتر العشائري في تأجيج هذا الصراع، الذي يصل إلى حد الانتقام بإطلاق النار".
وأوضح أن "تقاعس الشرطة في حفظ الأمن في البلدات العربية له أشكال عدة، من بينها غياب دوريات الحراسة الليلية، بحجة وجود شواغر في أجهزة الشرطة، وتعطيل مشروع كاميرات المراقبة الذي من شأنه تسهيل الوصول للجناة، وإغلاق الملف عبر تقييد القضايا ضد مجهولين، وهذا ما يزيد من غريزة الانتقام لدى الكثيرين".
وتقول سلطات الاحتلال إن "المواطنين العرب يشكلون نحو 21% من عدد السكان"، في حين يؤكد هؤلاء أن الحكومة الإسرائيلية تمارس سياسة التمييز ضدهم، بما في ذلك عدم التعامل الجدي مع الجرائم في المجتمع العربي.