كشفت وثائق رفعت عنها السرية لأول مرة، أن إسرائيل لم تتوقع تنفيذ هجوم ضدها قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، رغم الإشارات الواضحة على استعداد الجيوش العربية، بحسب ما نقلته صحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية، الخميس 7 سبتمبر/أيلول 2023.
بحسب الوثائق، فقد ظنت إسرائيل أن مصر بعد هزيمتها، قبل ست سنوات في حرب يونيو/حزيران 1967، لن تهاجم إلا إذا اكتسبت أولاً القدرة على شل سلاح الجو الإسرائيلي.
وقبل يوم واحد من اندلاع الحرب، قال رئيس المخابرات العسكرية إيلي زعيرا لرئيسة الوزراء غولدا مائير، إن التقييم السائد هو أن "استعدادها نابع أساساً من الخوف منا"، وأضاف: "أظن أنهم ليسوا على وشك الهجوم، لا دليل لدينا. ومن الناحية الفنية، فهم قادرون على التحرك. وأفترض أنهم لو على وشك الهجوم، فستأتينا مؤشرات أوضح".
وفي تقييم آخر بعد ساعات، أعاد زعيرا ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيد إليعازر، تأكيد تقديرهما بأن سوريا ومصر تخططان على الأرجح لهجوم محدود أو حتى مجرد نشر قوات دفاعية.
وأضاف إليعازر: "أعترف بأنه ليس لدينا دليل كافٍ على أنهم لا ينوون الهجوم. وليست لدينا مؤشرات قاطعة على أنهم يرغبون في الهجوم، لكن لا أستطيع أن أحدد ذلك بناءً على معلومات بأنهم لا يستعدون".
وفي صباح اليوم التالي في الساعة الـ7:30 صباحاً، قبل ست ساعات ونصف من اندلاع الحرب، قرأ السكرتير العسكري لمائير برقية ليلية من رئيس الموساد تسفي زمير، يشير فيها إلى أن الحرب مسألة ساعات.
ثم ركزت المناقشة بعد ذلك على ما إذا كان من الصواب شن ضربة استباقية، مثلما فعلت إسرائيل في حرب عام 1967 قبل أن تتمكن الجيوش العربية من تنفيذ خطة هجومها.
لكن وزير الدفاع موشيه ديان، قال: "من منظور دبلوماسي، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بتوجيه ضربة استباقية هذه المرة. في الموقف الحالي، حتى تنفيذ ضربة قبلها بخمس دقائق أمر مستحيل".
واتفقت مائير مع ذلك بالقول: "الضربة الاستباقية مغرية جداً، لكننا لسنا في عام 1968. فهذه المرة، يكشف العالم عن وجهه القبيح، ولن يصدقنا أحد".
وكان السؤال الآخر هو ما إذا كان من الصواب تسريب معرفة إسرائيل بأمر الهجوم الوشيك إلى العلن لمنع حدوثه.
وقال الوزير يسرائيل جليلي: "يقول مصدر زمير إنه يمكن إحباط الحرب بتسريب المعلومات: (تسفي يقترح أن نفعل ذلك)"، لكن جملته التالية لم ترفع عنها السرية.
وساند الوزير يجال ألون فكرة تسريب معلومات خطة الهجوم إلى وسائل الإعلام قبل جلسة مجلس الوزراء التي كان مقرراً عقدها ظهيرة ذلك اليوم. لكن مائير لم تؤيد إلا تسريب المعلومات إلى دبلوماسيين أجانب، وانتهى بها الحال إلى إخبار السفير الأمريكي كينيث كيتنغ بعد أن قال ديان: "علينا أن نتحرك بحذر، ولا داعي للذعر".
وطلبت مائير من كيتنغ خلال لقائهما، نقل رسالة إلى مصر: "لا نشك في أننا سننتصر، ولكننا نريد أن نعلن… أننا لا نخطط لهجوم، ولكننا بالطبع مستعدون لصد هجومهم".
وحين سأل كيتنغ عما إذا كانت إسرائيل ستنفذ ضربة استباقية، أجابت مائير بأنها لن تفعل "رغم أن ذلك كان سيسهّل الأمر علينا كثيراً".
بعد يوم من وقوع الهجوم، وهو ما فاجأ إسرائيل مرة أخرى لأنه حدث في وقت أبكر مما كانت تتوقع، اعترف ديان لمائير وألون بأنه أخطأ في تقديراته.
وقال: "تقييمنا كان يستند إلى الحرب السابقة، وكان خاطئاً. تقييماتنا أنا والآخرين حول ما سيحدث أثناء العبور كانت خاطئة".
وقالت مائير: "هناك قرار مبدئي اتخذه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بخصوص طائرات الفانتوم الحربية. المسألة الآن هي تنفيذه. ويبحث وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنغر، عن طريقة لنقلها".
وهذه الإجراءات الرسمية موثقة في المذكرات الشخصية المكتوبة بخط اليد لإيلي مزراحي، مدير مكتب رئيسة الوزراء في ذلك الوقت، التي نُشرت بعض أجزاء منها في السابق.
نشر وثائق لأول مرة
وأفرجت إسرائيل، الخميس، عن أرشيفها السري الكامل لحرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 مع مصر وسوريا، بعد 50 عاماً على اندلاعها، وفق ما أعلنه الأرشيف الوطني الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني.
وفي عام 1973، كانت إسرائيل تحتل شبه جزيرة سيناء في مصر، كما كانت ولا تزال تحتل القطاع الأكبر من مرتفعات الجولان السورية منذ 1967، وتسمي القاهرة ودمشق هذه الحرب بحرب أكتوبر، بينما تطلق عليها تل أبيب حرب يوم الغفران.
وقال الأرشيف الوطني الإسرائيلي: "لقد كانت أيام القتال ونتائجه أياماً صعبة إلى حد لا يطاق بالنسبة للدولة التي كانت قد احتفلت قبل بضعة أشهر فقط بيوم استقلالها الخامس والعشرين".
أضاف: "في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، أصبح أرشيف الدولة متاحاً للجميع. مجموعة كبيرة من المواد الأرشيفية، معظمها معروض للاطلاع عليه لأول مرة".
وأوضح أنه نشر "آلاف الملفات المودعة في الأرشيف، والتي تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات التي توثّق لحظياً الأحداث في جميع المجالات: السياسية والعسكرية والدولية والعامة والمدنية".
هذه الوثائق تتضمن "محاضر مداولات الحكومة، والمشاورات السياسية العسكرية (مجلس الوزراء الحربي)، ومداولات لجان الكنيست (البرلمان)، ومراسلات وزارة الخارجية، والوثائق العسكرية والسياسية والمدنية والشهادات والتقارير والمناقشات وتقييمات الوضع في ما يتعلق بسير الحرب والدفاع المدني وإعداد الجبهة الداخلية خلالها"، إضافة إلى صور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية وأفلام، وفقاً للأرشيف الوطني.
وأفاد بأن هذه "المجموعة تتيح لمحة رائعة عن عملية صنع القرار، في ظل ظروف عدم اليقين لدى القادة، والقتال على الجبهات، والجبهة الداخلية الإسرائيلية، والاتصالات السياسية التي جرت في نهاية الحرب وانتهائها مع مصر وسوريا بوساطة أمريكية، والمسار الذي أدى إلى ترتيبات فصل القوات مع مصر وسوريا وانتهت في نهاية مايو/أيار 1974″.
وبالنسبة لسبب الكشف عن تلك الوثائق، أوضح الأرشيف الإسرائيلي أنه "مع انتهاء فترة التقادم (50 عاماً) التي حددها القانون بشأن الاطلاع على هذه المواد، عملت أرشيفات الدولة على الكشف عن أكبر عدد ممكن من المواد التي يمكن إتاحتها للجمهور وتوحيدها في هذه المجموعة".
وسبق أن نشر الأرشيف الإسرائيلي في سنوات ماضية وثائق عن الحرب، لكنه أوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، كما أشار إلى أنه في تلك الحرب قُتل نحو 2656 جندياً إسرائيلياً، وجرى أسر المئات، وأصيب أكثر من 7200 جندي ومدني.
وعن يوم الحرب، قال الأرشيف الإسرائيلي إنه "في ظهيرة يوم الغفران 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، قطعت صفارات الإنذار صمت العيد، وأطلقت الإشارة لبداية حرب يوم الغفران، التي أصبحت جرحاً دموياً منذ ذلك الحين".
وتابع: "تم تسجيل اللحظات الدرامية التي أدت إلى الحرب في الوقت الحقيقي، في عشرات النصوص والملخصات، التي يلقي الاطلاع عليها الضوء على ما حدث بالفعل في الغرف المغلقة عندما تم اتخاذ القرارات، وتظهر سجلات اجتماعات الأيام الأولى للحرب خيبة الأمل المصحوبة بضغوط ثقيلة.. المخاوف والمشاعر العاصفة".
الأرشيف أفاد بأنه "يمكن الوصول إلى اجتماعات الحكومة من أكتوبر/تشرين الأول 1972 إلى مارس/آذار 1974 بشكل كامل، بطريقة تسمح بإلقاء نظرة خاطفة على المناقشات التي رافقت الأشهر التي سبقت الحرب، وقد تم تسجيل اجتماعات الحكومة كاملة حتى أثناء الحرب".