تعتلي راية بألوان خمسة مظاهرات الطائفة الدرزية في مناطق عدة في الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها سوريا، لا سيما في محافظة السويداء جنوباً وعرفت باسم "علم الدروز"، وأثار الأمر تساؤلات عن دلالة هذا العلم، وجدلاً بعد اتهامات من موالين للنظام السوري للمتظاهرين بحمل "نوايا انفصالية" بسبب رفع هذا العلم.
بحسب ناشطين من السويداء تحدثوا مع "عربي بوست"، فإن هذا العلم أو الراية لطالما جرى استخدامها في المحافظة خلال المحطات الحساسة التي عاشتها على مدار سنوات، وهي تتألف من 5 ألوان، وتعرف بين أوساط المجتمع هناك بـ"راية أو بيرق الخمسة حدود"، واستخدمت بينما كان المتظاهرون يرددون الهتافات المناهضة للنظام السوري.
ما هو "علم الدروز"؟
بحسب ناشطين من الدروز، تحدّث معهم "عربي بوست"، فإن أهالي محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية يعتبرون "راية الخمسة حدود" رمزاً يناهض الطغيان.
يتألف البيرق أو "علم الدروز" أو "راية الخمسة حدود" من خمسة ألوان وهي الأخضر، ويرمز إلى الطبيعة والأرض، والأحمر إلى الشجاعة والبطولة، والأصفر إلى النور والثقافة، والأزرق إلى الطهارة والحشمة، والأبيض إلى الأخوة والسلام، بحسب حمود أبو دياب، وهو أحد أبناء محافظة السويداء، الذين تحدثوا لـ"عربي بوست".
تاريخياً، كانت هي الرايةً التي وحّدت أهالي الجنوب السوري "دروزاً ومسيحيين وعرباً" ضد حملة السلطان إبراهيم محمد علي باشا عام 1838، وذلك عقب سيطرة قوات إبراهيم باشا (1789 – 1848)، على بلاد الشام في 1831، وإصداره قراراً يقضي بالتجنيد الإجباري لسكان المدن والقرى، بما فيها مناطق جبل العرب في جنوب سوريا.
قابل سكان الجبل هذا الأمر، بالثورة الكبرى، التي أنهكت قوات إبراهيم باشا وكبدتها خسائر بشرية، إذ قُتل فيها أكثر من 15 ألفاً من جيشه.
تشير المراجع التاريخية الحديثة إلى أن "راية الخمسة حدود" ظهرت مجدداً عند الدروز خاصةً في عهد سلطان باشا الأطرش، وهو أحد شيوخها البارزين في التاريخ الحديث، الذي قاد الثورة في جبل العرب، ومنها السويداء جنوبي سوريا ضد قوات "الانتداب الفرنسي"، خلال أربعينيات القرن الماضي.
جاء ظهورها الأخير، في المظاهرات المناهضة للنظام السوري، التي تخرج باستمرار منذ منتصف أغسطس/آب 2023، ويردد أهالي محافظة السويداء "الدرزية" وشيوخ الطائفة، في مظاهراتهم وهم يحلمون "علم الدروز": "واحد واحد.. الشعب السوري واحد" و"الشعب يريد إسقاط النظام".
وتخرج المظاهرات الشعبية الحاشدة المناهضة للنظام السوري عند ساحة السير/الكرامة في وسط المدينة، منذ نحو أسبوع، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
النظام السوري: "نوايا انفصالية"
من جانبه، اتهم النظام السوري وموالوه، المحتجين، بمحاولة الانفصال عن سوريا، وإقامة حكم ذاتي، بعد استخدامهم لعلم راية الخمسة حدود أو "علم الدروز".
وأثار منشور المستشارة الإعلامية في رئاسة النظام السوري، لونا الشبل، على صفحتها في "فيسبوك"، جدلاً، بعد أن وصفت فيه المحتجين على النظام في محافظة السويداء بـ"المرتزقة".
وقالت: "من لم تهزمه عشرات الدول ومليارات الدولارات ومئات آلاف الإرهابيين من كل أصقاع الأرض، لن يهزه عشرات المرتزقة هنا أو هناك. معك عالمرة قبل الحلوة ولعيونك".
وأعقبه هجوم حساب إعلامي معروف على منصة "إكس"، يقول ناشطون إن جهاز المخابرات العسكرية التابعة للنظام السوري يديره، جاء فيه: "كل مناطق سوريا تحت الجوع والحصار الخانق، ومع ذلك كله لم يخرج أحد منها يحمل راية طائفية (في إشارة إلى راية الخمسة حدود) إلا في السويداء.
وزعم الإعلامي السوري رفيق لطف الموالي للنظام، في تسجيل مصور، بثه عبر صفحته على "فيسبوك"، تعليقاً على الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري والمطالبة بإسقاط رأس النظام بشار الأسد وحكومته، في محافظة السويداء، أن رفع العلم، "مسعى واضح إلى إقامة حكم ذاتي منفصل في السويداء عن سوريا، وما المظاهرات سوى محض افتراء، ومعظم ما يجري فيها هو مفبرك".
أهالي السويداء ينفون
يرد الناشط السوري من السويداء، أبو دياب، على مزاعم النظام وادعائه باعتبار رفع "راية الخمسة حدود" خلال المظاهرات الشعبية الحاشدة في السويداء على أنه مؤشراً يدل على السعي لفصل السويداء عن سوريا وإقامة حكم ذاتي فيها، قائلاً: "إن رفع المتظاهرين لـ(بيرق الخمسة حدود) خلال المظاهرات، بمثابة رسالة إلى النظام السوري تدل على وحدة أبناء جبل العرب والسويداء والدروز، لقطع الطريق على محاولاته في تفريق أبناء المنطقة ليس إلا".
وأضاف في حديثه لـ"عربي بوست": "لا يحمل رفع البيرق أو الراية أي بُعد سياسي أو مذهبي أو طائفي حتى".
من جانبه، قال رأفت شجاع، أحد منظمي الاحتجاجات في السويداء لـ"عربي بوست"، إن "ترويج النظام ومؤيديه على أن رفع "راية الخمسة حدود" دعوة لفصل السويداء عن سوريا، محض كذب وافتراء، ودليل على إفلاس النظام في التعامل مع الاحتجاجات وقمعها".
وأضاف: "حتى نقطع الطريق على النظام السوري بترويج الأكاذيب، وإلصاق التهم بأهالي السويداء، لتضليل الرأي العام بالاحتجاجات السلمية، بادر المحتجون إلى رفع علم الثورة السورية (الأخضر) في ساحات التظاهر وفي ساحة السير/الكرامة وسط المدينة، إضافة إلى ذلك مشاركة العشائر السورية الاحتجاجات".
وأوضح عامر شقيرة، وهو ناشط في محافظة السويداء، أنه "خلال أعوام الحرب السورية الـ12 الماضية، بقيت محافظة السويداء معقل الأقلية الدرزية في جنوب البلاد، بمنأى عن المعارك والاشتباكات بشكل عام".
وقال لـ"عربي بوست": "لم يجرؤ النظام السوري على معاقبتها أمام حياديتها في الصراع بشكل واضح، واقتصر الأمر بالتضييق على سكانها اقتصادياً ومعيشياً، وجعل منها ممراً للمخدرات العابرة إلى الأردن ودول الخليج العربي، فضلاً عن تصفية بعض رموزها، ومنهم القائد المؤسس لحركة (رجال الكرامة) العسكرية في السويداء وحيد البلعوس في 2015، الذي عارض بشدة تجنيد أبناء الطائفة الدرزية ومشاركتهم في الحرب السورية".
وتابع: "كانت تلك الحادثة بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ووضعت النظام السوري في مرمى هتافات واحتجاجات أهالي مدينة السويداء، وخروجها عن صمتها الأخير في الاحتجاجات الأخيرة والمطالبة بإسقاط النظام ورأسه بشار الأسد".
أبو مازن أحد الناشطين أيضاً من السويداء، قال لـ"عربي بوست"، إن "الدروز طائفة دينية تعيش في لبنان وقرب دمشق وجبل حوران والسويداء، وهم عرب أصلاء ينتمون لقبيلة عربية تُدعى بني معروف".
وأضاف: "تأسست الطائفة في عهد الحاكم بأمر الله، مؤسس الديانة الدرزية والداعية الأول لها هو الخليفة الفاطمي، وبدأت في بداية القرن العاشر الميلادي (سنة 1017) في مصر، واستمرت لمدة 21 سنة في كل أنحاء الأرض".
وأشار إلى أن أبناء الطائفة الدرزية يفضلون أن يشار إليهم بـ"الموحدين"، وذلك نسبة إلى اعتقادهم الأساسي في توحيد الله وعدم الإشراك به.
ومنذ نحو أسبوع، ينظم آلاف السوريين مظاهرات في محافظتي درعا والسويداء جنوبي البلاد، احتجاجاً على قرار النظام رفع أسعار الوقود في 16 أغسطس/آب 2023، وأطلقوا هتافات تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد، وإطلاق سراح المعتقلين كافة.