قالت وكالة The Associated Press الأمريكية، نقلاً عن مسؤول ليبي إن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة منح الضوء الأخضر للقاء وزيرة خارجيته نجلاء المنقوش مع الجانب الإسرائيلي، عندما كان في زيارة للعاصمة الإيطالية روما في يوليو/تموز الماضي، لافتاً إلى أن مكتب الدبيبة رتب المقابلة بالتنسيق مع المنقوش.
وقال مسؤول آخر للوكالة إن اللقاء استمر لحوالي ساعتين، وإن الوزيرة أطلعت رئيس الوزراء مباشرة بعد عودتها إلى طرابلس، مشيراً إلى أن الاجتماع تَوّج جهوداً ذات وساطة أمريكية لدفع ليبيا نحو الانضمام إلى سلسلة من البلاد العربية، التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
مناقشة التطبيع قبل شهور!
وأضاف المسؤول أن تطبيع العلاقات بين ليبيا وإسرائيل، نوقش للمرة الأولى في اجتماع بين الدبيبة ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، وليام بيرنز، الذي زار العاصمة الليبية في يناير/كانون الثاني الماضي.
حيث أعطى رئيس الوزراء الليبي الموافقة المبدئية على الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية ذات الوساطة الأمريكية، لكنه كان قلقاً من ردة الفعل الشعبية في بلد عُرف في الماضي بدعمه للقضية الفلسطينية، وذلك حسبما قال المسؤول لأسوشيتد برس.
وأوضح المسؤول أنه في غضون ذلك، هربت الوزيرة نجلاء بسرعة، التي تفاجأت بالإعلان الإسرائيلي، من العاصمة الليبية على متن رحلة جوية خاصة متوجهة إلى إسطنبول.
في سياق متصل، أوضحت وكالة أسوشيتد برس، أن كلا المسؤولَين تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بالسلامة.
امتصاص الغضب الشعبي
من جانبه، قال جليل حرشاوي، الباحث المتخصص في الشؤون الليبية لدى المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن (RUSI) الذي يتخذ من لندن مقراً له، إن الدبيبة سعى لإرضاء الحكومات الأجنبية، في الوقت الذي يتعرض خلاله لضغوط متزايدة من الأمم المتحدة والبلاد الأخرى، حول المأزق السياسي المشهود في بلاده.
وأوضح حرشاوي أن قرار رئيس الوزراء الليبي بتعليق وزيرة خارجيته عن العمل كان الهدف منه "بلا أدنى شك" امتصاص الغضب الشعبي.
يجدر بالذكر أن الدبيبة قرر إقالة وزيرة الخارجية المنقوش، وذلك خلال زيارة أجراها للسفارة الفلسطينية بالعاصمة طرابلس، الإثنين، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول عن مصدر ليبي لم تذكر اسمه.
في المقابل، لم ترد وزارة الخارجية الإسرائيلية عن تساؤلات المراسلين في صباح الإثنين 28 أغسطس/آب، بما في ذلك التساؤلات التي تتعلق بما إذا كان إعلان كوهين جاء بالتنسيق مع ليبيا.
لكن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن وزارة الخارجية أُجبرت على الإعلان عن الأمر بعد أن خططت منصة إعلامية إسرائيلية لنشر تقرير حول الاجتماع، وفق أسوشيتد برس.
وأوضح المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة أمور دبلوماسية دارت خلف الكواليس، أن إسرائيل أبلغت الليبيين بشأن التسريب، وأوضح أن كلا البلدين اتفق من قبل على الإعلان عن الاجتماع في تاريخ غير محدد.
كواليس اللقاء
كانت إسرائيل أعلنت الأحد 27 أغسطس/آب أن وزير خارجيتها إيلي كوهين التقى نظيرته الليبية نجلاء المنقوش الأسبوع الماضي في إيطاليا، وهو أول اجتماع رسمي على الإطلاق بين وزيري خارجية البلدين.
لكن رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة سارع إلى تبرئة ساحته من هذه الخطوة، وأوقف المنقوش عن عملها وفتح تحقيقاً، في حين أكدت وزارة الخارجية الليبية أن الوزير والوزيرة التقيا صدفة ونفت وجود أي تحركات للتطبيع مع إسرائيل.
وفي أعقاب إعلان إسرائيل عن الاجتماع، وجهت وسائل إعلام ليبية متعددة أصابع الاتهام إلى رجل واحد: رافائيل لوزون، رئيس اتحاد يهود ليبيا.
البداية مع رافائيل لوزون!
ورغم أن لوزون لا تربطه علاقة باللقاء الدبلوماسي الأخير، تحدَّث في مقابلة أجريت معه مساء الأحد مع صحيفة تايمز أوف إسرائيل، عن الاتصالات الأولى التي يسّرها بين مسؤولين إسرائيليين وليبيين رفيعي المستوى قبل حوالي ست سنوات، التي مهدت الطريق للقاء الأسبوع الماضي.
ففي يونيو/حزيران عام 2017، رتب لوزون اجتماعاً في جزيرة رودس اليونانية ضم وفداً من كلا البلدين. وكانت تمثل إسرائيل وزيرة المساواة الاجتماعية آنذاك جيلا جمليئيل، التي تعود أصول والدتها إلى ليبيا، ووزير الاتصالات آنذاك أيوب قرا، ونائب رئيس الكنيست يهيل بار واللواء المتقاعد يوم توف سامية، وهو أيضاً من أصل ليبي.
وترأس الوفد الليبي في رودس وزير الإعلام والثقافة والآثار آنذاك عمر الجويري. وكانت البلاد في ذلك الوقت تحت إدارة حكومتين منفصلتين، وهو وضع لا يزال قائماً حتى اليوم، وإن كان في شكل مختلف.
كما كان الجويري آنذاك وزيراً في حكومة شرق ليبيا برئاسة عبد الرحيم الكيب، في حين قيل إن خليفة الغويل، زعيم الحكومة المنافسة المتمركزة في الغرب، أعرب عن دعمه للقاء رودس عبر الفاكس.
وركز الاجتماع، الذي انعقد في فندق رودس بالاس واستمر ثلاثة أيام، على الذكرى الخمسين لطرد اليهود من ليبيا بعد حرب يونيو/حزيران عام 1967 بين إسرائيل والدول العربية. وتحدث الوفد الليبي في المؤتمر عن حق اليهود الليبيين في العودة إلى البلاد والحصول على تعويضات عن الخسائر التي لحقت بهم.
"ست سنوات من العمل"
وقال لوزون إن اجتماع رودس أعقبته في السنوات اللاحقة سلسلة من الاجتماعات الأخرى التي نظمها بين مسؤولين إسرائيليين وليبيين في روما وتونس واليونان.
أضاف: "كان لقاء الأسبوع الماضي بين وزيري الخارجية تتويجاً لست سنوات من العمل. كان يفترض أن يحدث في وقت أبكر بكثير، لكن انعدام الاستقرار الحالي في ليبيا حال دون ذلك".
وأردف: "من المؤسف أيضاًَ أن يهود ليبيا لم يشاركوا في الاتصالات الأخيرة بين الجانبين، لأن حقوقهم كانت أحد مواضيع النقاش. فبعد أن غادروا ليبيا عام 1967، تركوا وراءهم ممتلكات بقيمة 20 مليار دولار. وسعوا على مدى عقود لنيل تعويضات".
وعزا لوزون تحول ليبيا المفاجئ عن اللقاء الثنائي إلى الهجوم الداخلي العنيف الذي أعقب إعلان إسرائيل.
ووفقاً للوزون، اُستلهمت فكرة التقارب بين البلدين في البداية من اتفاقيات أبراهام. ولكن على عكس دول الخليج مثل الإمارات والبحرين، التي يجمعها عدو إقليمي مشترك مع إسرائيل هو إيران، فليبيا لا تواجه تهديداً خارجياً كبيراً. وأخطر مشاكلها هي عدم استقرارها الداخلي.
وزعم لوزون أيضاً أن بعض التقنيات الإسرائيلية تُستخدم في ليبيا بالفعل بشكل غير رسمي، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى وساطته، لكنه لم يخُض في التفاصيل.
وعامل مهم آخر لتعزيز العلاقات مع إسرائيل هو كسب تأييد الولايات المتحدة، فلا تزال ليبيا تحت حكومتين منفصلتين: غرب البلاد تحت حكم الدبيبة، الزعيم المعترف به دولياً، والحكومة المنافسة بقيادة العقيد خليفة حفتر في الشرق بدعم من روسيا ومصر.
وعام 2021، قيل إن نجل حفتر زار إسرائيل لعقد اجتماع سري مع مسؤولين إسرائيليين، عرض فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مقابل الدعم الإسرائيلي.
وكانت آخر مرة زار فيها لوزون ليبيا عام 2012، بُعيد سقوط القذافي، وخلال تلك الزيارة، اختطفته ميليشيا إسلامية واحتجزته ثمانية أيام قبل إطلاق سراحه.