أعلنت وزارة الموارد المائية المصرية، صباح الأحد، 27 أغسطس/آب 2023، انطلاق جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة بالقاهرة، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، وأن الجولة الجديدة جاءت على ضوء البيان الصادر في 13 يوليو/تموز 2023 عن لقاء القيادتين المصرية والإثيوبية بالقاهرة على هامش قمة دول جوار السودان، والتنسيق مع الخرطوم.
أكد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء السد وتشغيله، يراعي مصالح الدول الثلاث وشواغلها. وشدّد على أهمية التوقف عن أي خطوات أحادية في هذا الشأن، وأن استمرار ملء السد وتشغيله في غياب اتفاق يُعَد انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ المُوقع عام 2015.
مصر مستمرة في المفاوضات مع إثيوبيا
شدّد سويلم على أن مصر تستمر في بذل أقصى الجهود لإنجاح العملية التفاوضية، مؤكداً إيمان القاهرة بوجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي تتيح تلبية مصالح الدول الثلاث والتوصل إلى الاتفاق المنشود.
وفي يوليو/تموز 2023، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بياناً مشتركاً أعلنا فيه نيتهما بدء مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق بين البلدين، بالإضافة إلى السودان بشأن قواعد ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله، مشيرَين إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي خلال 4 أشهر.
وشهدت الأعوام الماضية الملء الأول والثاني والثالث للسد الإثيوبي دون توافق مع مصر أو السودان، وسط تنديد القاهرة والخرطوم وتمسُّك أديس أبابا بموقفها.
تجمد مفاوضات سد النهضة
تجمدت المفاوضات بشأن السد منذ أكثر من عام بين مصر وإثيوبيا والسودان، إذ تتمسك القاهرة والخرطوم بالاتفاق أولاً مع إثيوبيا على ملء السد وتشغيله، لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه المقدَّرة بـ55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
في المقابل، تواصل أديس أبابا رفض الاتهامات، بالتزامن مع ملئها 3 مراحل من السد دون توافق مع مصر أو السودان، معللة ذلك بأن السد الذي بدأت تشييده عام 2011 "لا يستهدف الإضرار بأحد".
وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، بينما ترفض إثيوبيا التوقف عن ملء السد بالمياه، وتشدد على أن السد، الذي بدأت تشييده في 2011، ضروري لجهود التنمية وأنها لا تستهدف الإضرار بدولتي مصب النيل (مصر والسودان).
وتأتي المفاوضات الجديدة مع اقتراب عملية الملء الرابع لخزان السد، وبعد تجميد أكثر من 3 أعوام، وتحديدا منذ أبريل/نيسان 2021، إثر فشل مبادرة للاتحاد الإفريقي في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.
هدوء في العلاقات بين إثيوبيا ومصر
في سياق متصل، يخيم منذ فترة هدوء مصري دبلوماسي وإعلامي لافت على أجواء ملف أزمة سد "النهضة" مع إثيوبيا، على خلاف سنوات سابقة كان فيها خطاب القاهرة مختلفاً وتحركاتها مكثفة وإعلامها ينتقد أديس أبابا.
"التهدئة"، وفقاً لخبير مصري معني بملف إفريقيا في حديث مع الأناضول، تعود إلى سببين رئيسيين هما أن الملء الإثيوبي للسد بالمياه في المرات الثلاث السابقة لم يمس بحصة مصر، وأن القاهرة لم تغلق باب التفاوض وتمنح أديس أبابا فرصة جديدة للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يشمل أيضاً السودان.
ولفت الخبير إلى أهمية النظر للموقف المصري من سد النهضة على ضوء أن إثيوبيا واجهت توترات أمنية داخلية مع جماعات مسلحة، ولم تستطِع أن تدير ملء السد بما يلبي رغباتها.
ومنذ أواخر 2020، شهدت إثيوبيا صراعاً مسلحاً مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تراجع مع توقيع اتفاق سلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قبل أن يندلع توتر جديد في إقليم أمهرة، ما دفع الحكومة المركزية إلى إعلان حالة الطوارئ في 4 أغسطس/آب الجاري.
اقتتال مستمر في السودان
بحسب مراقبين، يُضاف سبب ثالث لـ"التهدئة"، وهو الاقتتال المتواصل منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 في السودان (جار مصر وإثيوبيا) بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، والذي لا يسمح بأي تصعيد تجاه التداعيات المحتملة للسد، لا سيما تكرار التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، ما يعني أن استئناف المفاوضات هي المقاربة الأفضل حالياً.
ومنذ سنوات تطالب القاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل السد الذي بدأ بناؤه في 2011، وهو ما ترفضه أديس أبابا وتقول إن السد مهم لجهود التنمية، وخاصة عبر توليد الكهرباء، ولن يضر بمصالح أي دولة أخرى، مما أدى إلى تجميد المفاوضات أكثر من مرة أحدثها قبل ما يزيد عن عامين.