يعتقد مراقبون أنَّ دعم الرئيس النيجري المخلوع محمد بازوم لسياسات الاتحاد الأوروبي الهادفة إلى خنق طرق الهجرة عبر شمال إفريقيا كان سبباً في الإطاحة به من منصبه عبر انقلاب عسكري قبل شهر تقريباً، وفقاً لما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 23 أغسطس/آب 2023.
وأطاح ضباط الجيش ببازوم في 26 يوليو/تموز، لتصبح النيجر رابع دولة في غرب إفريقيا منذ 2020 تشهد انقلاباً عسكرياً، بعد بوركينا فاسو وغينيا ومالي.
بحسب الصحيفة، فقد كان بازوم مرتبطاً بشكل وثيق بقانون مكافحة تهريب الأشخاص الذي قدمته حكومة النيجر بدعم من سلطات الاتحاد الأوروبي في عام 2015، في ذروة أزمة اللاجئين الأوروبية.
بموجب شروط الاتفاق المبرم مع زعماء الاتحاد الأوروبي، تلقت النيجر -وهي واحدة من أفقر البلدان في العالم ونقطة عبور للأشخاص المتجهين إلى ليبيا ثم جنوب أوروبا- أموال المساعدات مقابل إغلاق الطرق شمالاً.
وأصبح بازوم وزيراً للداخلية في عام 2016، وهو العام نفسه الذي طُبِّقَ فيه القانون، وأصبح هذا التشريع يعرف باسم "قانون بازوم".
وفي عام 2021، أشاد به المجتمع الدولي، وضمن ذلك القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، بعد فوزه في الانتخابات التي بشرت بأول انتقال سلمي للسلطة في النيجر.
مستفيدون من التهريب
وقد عارض هذا التشريع شخصيات في الجيش النيجيري الذين استفادوا في السابق مالياً من الرشاوى التي يدفعها مهربو البشر.
وقال الكونتشي محمد، وهو زعيم مجتمعي في أغاديز، وهي مدينة صحراوية كان يمر عبرها آلاف الأشخاص، إن كل من له علاقة بتهريب البشر قد تأثر بالقانون. وأضاف: "ضباط الجيش الذين اعتادوا الوقوف على نقاط التفتيش، والأشخاص الذين قادوا المهاجرين، والأشخاص الذين كانوا يأخذون المهاجرين إلى ليبيا.. كان جميع السكان يعتمدون على هذا العمل".
واحتج أشخاص من مجتمعي الطوارق والتبو، الأحد، أمام مكاتب المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ للمطالبة بإلغاء القانون.
تتنوع أسباب قيام الجيش بالانقلاب، بحسب أستاذ جامعي في العاصمة النيجرية نيامي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، والذي أضاف: "من بين هذه الأسباب خسارة العائدات من الهجرة غير الشرعية، ولكن أيضاً حقيقة أن بازوم ينحدر من أقلية في النيجر".
وقال جيروم توبيانا، الباحث والصحفي الفرنسي الذي غطى قضايا الصراع والنزوح في جميع أنحاء منطقة الساحل والقرن الإفريقي، إن الاتحاد الأوروبي تجاهل التحذيرات من أن سياسته في النيجر يمكن أن تقوض التقدم الديمقراطي في البلاد.
وقالت توبيانا: "كما هو الحال في السودان، لم تستمع دول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وألمانيا، إلى التحذيرات بشأن الآثار المزعزعة للاستقرار لسياسة الهجرة، بل كانت مهووسة فقط بالحد من الهجرة".
وزاد الانقلاب من المخاوف الدولية بشأن عدم الاستقرار في منطقة الساحل، التي تواجه حركات تمرد جهادية متزايدة مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
تدخل عسكري محتمل
ورفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، خطة تشكيل حكومة انتقالية في النيجر لمدة 3 سنوات، كان قد اقترحها المجلس العسكري الذي نفذ انقلاباً أطاح بحكم الرئيس محمد بازوم، الأمر الذي يعقد من الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى حل الأزمة بعيداً عن الخيارات العسكرية.
عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في "إيكواس"، قال في مقابلة مع قناة "بي بي سي"، إن الخطة الانتقالية لمدة 3 سنوات في النيجر "غير مقبولة"، وأشار إلى أن هذا المقترح ما هو إلا "ستار دخان" على الحوار والدبلوماسية.
أضاف موسى أنه "كلما أسرع الجيش في إعادة السلطة إلى المدنيين والتركيز على مسؤولياته الأساسية مثل الدفاع عن وحدة أراضي النيجر، كان ذلك أفضل".
كان رئيس المجلس العسكري في النيجر، عبد الرحمن تياني، قد أعلن، الأحد 20 أغسطس/آب 2023، أن الانتقال إلى الحكم المدني في البلاد سيكتمل في مدةٍ أقصاها 3 سنوات.
كذلك شدّد تياني على أن أي تدخل عسكري محتمل من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا سيفتح "صندوق باندورا"، في إشارة إلى الفوضى المتوقعة، وحذّر من أن التدخل العسكري ستكون له عواقب وخيمة للغاية.
كما لفت إلى أن المجلس العسكري منفتح على جميع أشكال الحوار، بشرط مراعاة طلبات شعب النيجر.
يأتي هذا فيما يواصل قادة الانقلاب احتجاز الرئيس بازوم وأفراد من عائلته، بعد عزله عن الحكم يوم 26 يوليو/تموز 2023، وتعليق العمل بالدستور.
في موازاة ذلك، لا تزال مجموعة "إيكواس" على استعداد لتنفيذ تدخل عسكري في النيجر، في استمرار لأزمتها مع الانقلابيين الذين رفضوا مطالبها بالإفراج عن بازوم وإعادته لمنصبه رئيساً شرعياً للبلاد.
يُشار إلى أن النيجر، ورغم أنها واحدة من أفقر دول العالم، سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وهو مادة أساسية تستخدم في الطاقة النووية وعلاجات السرطان، وتزيد مساحة النيجر على ضعف مساحة فرنسا.