في تطور لافت في سوريا بدأت تتزايد الأصوات المعارضة لرئيس النظام بشار الأسد في منطقة الساحل، التي دائماً ما كان يصورها النظام على أنها قلعته الحصينة، ويزعم أن فيها حاضنته الشعبية التي تكنّ له الولاء المطلق، فضلاً عن أنها المنطقة التي ينحدر منها أبرز قادة الجيش الذي يساند الأسد منذ بدء الثورة عام 2011 وحتى الآن.
هذا الحدث الاستثنائي والعلني يأتي في وقت تعيش فيه البلاد أسوأ حالاتها الاقتصادية، فقيمة العملة تدهورت إلى مستويات قياسية، حتى وصل سعر الدولار الواحد إلى 15500 ليرة، وذلك في وقت تبلغ فيه رواتب الموظفين بالدولة نحو 20 دولاراً في الشهر فقط.
يتحدث سوريون عن أنهم باتوا عاجزين عن تأمين الاحتياجات الأساسية اليومية لعوائلهم، وأنهم باتوا غير قادرين حتى على تغطية تكاليف مدارس أطفالهم، وأن النظام وضباطه الكبار والمسؤولين في نظامه غير مكترثين باجتياح الفقر للبلاد، فضلاً عن التضييق الكبير على الحريات في البلاد.
فسوء الأوضاع الاقتصادية والتدهور المستمر في الخدمات وغياب الكهرباء وقلة المياه عن مناطق البلاد، واستمرار الاعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية لأي صوت معارض، أشعلت جذوة احتجاجات جديدة في محافظتي السويداء ودرعا جنوب سوريا، وهي من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام.
في موازاة ذلك، بات السوريون يشاهدون مقاطع فيديو بشكل مستمر لشخصيات تعيش في الساحل السوري، تتحدث علناً عن معارضتها للنظام وتدعوه للرحيل عن السلطة، حتى إن بعضهم أبدى بشكل علني تحدياً للأسد ونظامه وأجهزته الأمنية.
هذه المعارضة التي تزعج النظام لكونها قادمة من مناطق الساحل السوري- التي ينحدر منها بشار الأسد نفسه- دفعت النظام إلى شن حملة اعتقالات، لكن هذه الاعتقالات تؤجج من مشاعر الغضب والتحدي للنظام.
من بين أبرز الشخصيات في الساحل السوري التي أعلنت عن معارضتها للأسد علناً وأظهرت تحدياً له، أيمن فارس، وهو ناشط من مدينة بانياس، وظهر في مقطع فيديو يوم 20 أغسطس/آب 2023، وجه فيه رسالة تحدٍّ واضحة لبشار الأسد، وذلك بعدما حاولت أفرع أمنية اعتقاله، على خلفية معارضته للنظام، وانتقاد الوضع المعيشي في سوريا.
فارس قال في الفيديو موجهاً كلامه للأسد: "بشار الأسد لم يبقَ لديه هم بسوريا إلا أيمن فارس"، وأضاف: "إذا كنت رجلاً تعال، ولا ترسل كلابك إليّ"، بحسب قوله.
يتلقى فارس على شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من التعليقات المؤيدة له، لا سيما بعدما أعلن عن أنه أصبح ملاحقاً من الفروع الأمنية للنظام.
ومنذ مساء الإثنين 21 أغسطس/آب 2023، تحول الناشط ماجد دواي، من بلدة صلنفة بريف اللاذقية، إلى حديث السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي، بعدما ظهر في فيديو وجه فيه الشتائم والانتقادات اللاذعة لبشار الأسد.
دواي قال موجهاً كلامه للأسد: "انقلع من سوريا وتنحى قبل أن نجبرك على الرحيل وبالبوط العسكري، لست بخائف منك أو من أي شخص يعمل لديك أو لأجلك"، وحذّر دواي الأسد من أن يستخدم جيشه وأجهزته الأمنية ضد منطقة الساحل السوري، قائلاً إن ذلك سيؤدي إلى حمام دم سيكون من الصعب إيقافه.
سبق الظهور اللافت لفارس ودواي الموقف اللافت من الصحفي كنان وقاف، الذي كان يعمل سابقاً في صحيفة "الوحدة" الحكومية في محافظة طرطوس الساحلية، والذي تم اعتقاله من قبل النظام على خلفية حديثه عن الفساد في البلاد.
وقاف، المطلوب حالياً للأجهزة الأمنية، خرج مؤخراً من سوريا، وصعّد من انتقاده لبشار الأسد ونظامه، ووجه رسائل إلى أهل الساحل يدعوهم للتحرك ضد النظام، وكان قد كشف مؤخراً أن كميات كبيرة من المساعدات الأممية التي أُرسلت لسوريا عقب الزلزال تم دفنها تحت الأرض في طرطوس إلى أن فسدت.
تسبب هذا الكشف المدعوم بالصور بإثارة ردود أفعال غاضبة حتى من الموالين للنظام، ولكونه تزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، كذلك دعا وقاف إلى تنفيذ إضرابات وعصيان مدني رداً على سياسات النظام.
الغضب في الساحل السوري تأجج أيضاً مع اعتقال النظام للناشط أحمد إبراهيم إسماعيل بعد ظهوره في فيديوهات انتقد فيها الأوضاع المعيشية في البلاد، وهاجم أداء حكومة الأسد، وعقب اعتقاله ظهرت ابنته في مقطع فيديو على صفحته في "فيسبوك" تحدثت فيه عن ملابسات اعتقالته وطالبت بالتحرك للإفراج عنه.
في موازاة الغضب بالساحل السوري، أُعلن في أغسطس/آب 2023، عن حركة في سوريا تحت اسم "حركة 10 آب"، والتي قالت إنها تهدف إلى إنهاء معاناة الشعب السوري من سوء إدارة الحكومة للبلاد، وتجاهلها لمستقبلهم.
الحركة عرّفت عن نفسها "بأنها مجموعة من السوريين الذين يعيشون داخل سوريا وليس خارجها، وأنهم رافضون للوصاية من أي أطراف خارجية، وأن حركتهم هذه حركة سلمية، ترفض أي دعوة لحمل السلاح".
الحركة أعلنت عن مجموعة أهداف لها تتعلق بالحريات العامة، والإفراج عن المعتقلين، وتحسين الاقتصاد، والتجنيد، وذكرت تقارير لوسائل إعلام سورية أن النظام بات يلاحق أيضاً أعضاء هذه الحركة.
وتُشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 12 مليون مواطن سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، وعلى الرغم من تطبيع دول عربية عدة لعلاقاتها مع الأسد فإنها لم تستطع حتى الآن مساعدته لتجاوز أزمة الاقتصاد، فيما تُصر أوروبا وأمريكا على أنها لن تشارك بإعادة الإعمار بما يخدم نظام الأسد نفسه.