سيجد طلاب المدارس الثانوية في روسيا، عندما يبدأ العام الدراسي في الشهر المقبل، كتب تاريخ جديدة في انتظارهم، وستكون متضمنة للروايات المعتمدة من قبل الكرملين، عن الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، وعن الخصومة بين موسكو والغرب، إضافة لأقوال للرئيس فلاديمير بوتين، وذلك في مسعى من الحكومة لتشكيل نظرة أجيال الروس الشباب عن الحرب ومكانة روسيا بالعالم.
صحيفة The Washington Post الأمريكية، ذكرت الأحد 13 أغسطس/آب 2023، أن الكتاب الجديد الموجه لطلاب بعمر الـ17 عاماً، سيغطي الفترة الزمنية من عام 1945 حتى الآن.
يحمّل كتاب التاريخ الجديد الولايات المتحدة مسؤولية الحرب المستمرة في أوكرانيا، ويحوي مقولة للرئيس فلاديمير بوتين، يؤكد فيها أن "روسيا لم تبدأ أي أعمال عسكرية، وإنما تحاول إنهاءها".
كذلك فإن كتاباً مخصصاً للطلاب بعمر الـ16 عاماً يغطي الحرب العالمية الثانية، وقَدَّم الكتاب رسمياً يوم الإثنين، 7 أغسطس/آب، وزير التعليم سيرغي كرافتسوف، وسيتوفر في المدارس بحلول الأول من سبتمبر/أيلول 2023.
تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن دروس التاريخ في كل مكان تتأثر بالأيديولوجية الوطنية في أغلب الأحيان، وغالباً ما تُصوَّر البلدان الأخرى من منظور الدولة التي تطبع هذه الكتب.
أضافت الصحيفة أن "التحوّل الجذري في تصوير روسيا لأوكرانيا وبقية العالم يوضح تصميم بوتين الشرس على محو الصفحات المظلمة من ماضي روسيا تماماً، وتصوير نفسه في التاريخ بصورة الفاتح المنتصر".
إضافة لذلك، رأت الصحيفة أن هذه الكتب "هي جزء من حملة غير اعتيادية يحاول فيها بوتين إقناع شعبه، والعالم، بأن روسيا ضحية في أوكرانيا وليست المعتدي".
على سبيل المثال، يُشبه فصلٌ مخصص للحرب في أوكرانيا، التي يسميها الكرملين والكتاب الجديد "العملية العسكرية الخاصة"، موجزاً دعائياً، ويعج بالاقتباسات المباشرة من الكثير من الخطب المنقحة التي ألقاها بوتين خلال العامين الماضيين، والتي يتحدث فيها عن معاداته للغرب ونظريات المؤامرة.
في هذا الفصل يحاول المؤلفون تبرير الحرب، بالاستشهاد بقول بوتين إن روسيا لم تبدأ يوماً حرباً عسكرية، ويُعرِّف الكتاب أهداف الحرب الروسية بأنها "حماية إقليم دونباس وحماية أمن روسيا".
كذلك يشيد الفصل بالحرب، ويصفها بالمادة اللاصقة التي "وحّدت المجتمع الروسي"، ويلعب على صدمة مقتل ملايين السوفييت خلال الحرب العالمية الثانية، التي استغلها بوتين أيضاً لتبرير سياساته الداخلية القاسية.
يقول الكتاب عن الجنود الروس في أوكرانيا: "مثل أجدادهم يقاتلون من أجل الخير والحقيقة كتفاً بكتف، يفجرون أنفسهم في العدو، ويسحبون رفاقهم الجرحى من تحت النار، ويقاتلون في دبابات محترقة، ويقودون وحداتهم حتى آخر نفس. شجاعة أن تتخلى عن حياتك من أجل الوطن صفة متأصلة في الجندي الروسي السوفييتي".
أيضاً يتضمن الكتاب قسماً بعنوان "تزوير التاريخ"، ويقول إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "ذهبا إلى أبعد الحدود لغسيل أدمغتنا، بكتابة نصوص تاريخ مدرسية تُقنع الروس بطبيعة بلدهم العدوانية والاستعمارية".
كما يحثّ الكتاب الطلاب أيضاً على عدم الثقة بالصحفيين المستقلين و"الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الغربية"، في محاولة واضحة لتقويض مزاعم جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا".
يقول الكتاب في هذا الصدد: "حين تقرأ أي معلومات عن أوكرانيا على الإنترنت، تذكر أن الصناعة العالمية لإنتاج مقاطع وصور مفبركة تعمل بلا توقف. كن يقظاً وفكِّر لماذا يعمل بعض نشطاء المعارضة والمدونين وقادة الرأي على محو بعض الأخبار؟ لمصلحة من يحدث هذا؟ فكِّر، ولن تقع ضحية للتلاعبات الرخيصة".
بعد كل فصل تُطرح على الطلاب أسئلة إرشادية مثل: لماذا دعمت الأغلبية المطلقة من المواطنين الروس العملية الخاصة؟ لماذا اضطرت روسيا لخوض هذه العملية؟.
وبحسب The Washington Post، فإن المسؤول عن تعديل هذه الكتب فلاديمير ميدينسكي، القومي المحافظ المتطرف، الذي شغل منصب وزير الثقافة، وكان مفاوضاً في محادثات قصيرة العمر مع أوكرانيا خلال الأيام الأولى من الغزو الروسي.
كانت تقارير في وسائل إعلام روسية مستقلة عدة، قد وثّقت حالات شهدت تعرُّض معلمين روس للضغط والتخويف لدعم الحملة العسكرية الروسية علناً، وتلقين الطلاب رواية الكرملين والرئيس بوتين عن "العملية العسكرية الخاصة".
واجه عدة معلمين روس عقوبات، تضمّنت الغرامات أو الفصل، بسبب الإدلاء بتصريحات مناهضة للحرب، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 1 أغسطس/آب 2022.
كان بوتين قد وقّع في يوليو/تموز 2022، قانوناً لإنشاء منظمة شبابية حديثة على غرار منظمات "الرواد الشباب" في الحقبة السوفييتية، والتي كانت من أولى الخطوات التي اتُّخذت لدمج المواطنين في الأيديولوجية الشيوعية آنذاك، لكن المسؤولين الروس نفوا أن تكون المنظمات الجديدة استدعاءً مباشراً للتراث السوفييتي.
يُذكر أنه في 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، وتشترط موسكو لإنهائها "تخلي" كييف عن خطط الانضمام إلى كيانات عسكرية، وهو ما تعده الأخيرة "تدخلاً" في سيادتها.