تكبّدت كبرى الشركات الأوروبية ما لا يقل عن 100 مليار يورو (109.8 مليار دولار أمريكي) من الخسائر المباشرة من عملياتها في روسيا منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، وفق ما كشفه تحليل أجرته صحيفة The Financial Times البريطانية، ونشرت نتائجه الأحد 6 أغسطس/آب 2023.
حيث أظهرت دراسة استقصائية شملت 600 مجموعة أوروبية من التقارير السنوية وبيانات مالية لعام 2023 أنَّ 176 شركة سجلت انخفاضاً في قيمة الأصول، ورسوماً متعلقة بالعملات الأجنبية، ومصروفات منفصلة نتيجة بيع أو إغلاق أو تقليص الأعمال التجارية الروسية.
لا يشمل الرقم الإجمالي الآثار غير المباشرة على الاقتصاد الكلي للحرب؛ مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والسلع. بينما أدت الحرب أيضاً إلى زيادة أرباح مجموعات النفط والغاز وشركات الدفاع.
مزيد من المعاناة في المستقبل
يقول المحللون إنَّ قرار موسكو بسط السيطرة على الشركات الروسية لموردي الغاز Fortum وUniper في أبريل/نيسان، متبوعاً بمصادرة Danone وCarlsberg الشهر الماضي، يشير إلى مزيد من المعاناة في المستقبل.
وفقاً للبيانات التي جمعتها كلية كييف للاقتصاد، فإنَّ أكثر من 50% من الكيانات المملوكة لأوروبا، البالغ عددها 1871 في روسيا قبل الحرب، لا تزال تعمل في البلاد.
من بين الشركات الأوروبية التي لا تزال موجودة في روسيا: شركة UniCredit الإيطالية، وشركة Raiffeisen النمساوية، وشركة Nestlé السويسرية، وشركة Unilever البريطانية.
حيث قال نبي عبد الله، الشريك في شركة Control Risks للاستشارات الاستراتيجية: "حتى لو خسرت شركة ما الكثير من الأموال عند مغادرة روسيا، فإنَّ تلك الباقية تخاطر بخسائر أكبر بكثير. واتضح أنَّ سياسة وقف الأعمال والهرب كانت أفضل استراتيجية تتبعها الشركات مع بداية الحرب. وكلما غادرت أسرع، قللت خسارتك".
أكثر الشركات الأوروبية تعرضاً للخسائر
تتركز أثقل تكاليف الانسحاب في عدد قليل من القطاعات المكشوفة. وكانت الشركات الأوروبية التي تحمّلت أكبر عمليات تخفيض لقيمة الأصول والنفقات هي مجموعات النفط والغاز، إذ أبلغت 3 شركات فقط -وهي BP وShell وTotalEnergies- عن إجمالي رسوم تبلغ 40.6 مليار يورو (44.6 مليار دولار أمريكي).
لكن ارتفاع أسعار النفط والغاز خيّم على هذه الخسائر الضخمة؛ ما ساعد هذه المجموعات على تسجيل أرباح إجمالية وفيرة بلغت نحو 95 مليار يورو (104 مليارات دولار) العام الماضي. وقد انتعشت أسهم شركات الدفاع بفعل الصراع.
بينما تلقت شركات المرافق ضربة مباشرة بلغت 14.7 مليار يورو (16.15 مليار دولار أمريكي)، وتعرضت الشركات الأوروبية الصناعية، بما في ذلك شركات صناعة السيارات، لخسائر بلغت 13.6 مليار يورو (14.9 مليار دولار أمريكي).
كما سجّلت الشركات الأوروبية المالية، بما في ذلك البنوك وشركات التأمين وشركات الاستثمار، عمليات خفض لقيمة أصولها تُقدَّر بـ17.5 مليار يورو ورسوم أخرى (19.2 مليار دولار أمريكي).
قال سايمون إيفينت، أستاذ الاقتصاد بجامعة سانت غالن: "لديك عدد قليل من الشركات التي تعرضت لضربة كبيرة. بمجرد الابتعاد عن النفقات الضخمة، من المحتمل أن يكون متوسط تراجع قيمة الأصول قابلاً للإدارة إلى حد ما نظراً لمحدودية البصمة الروسية في الاقتصاد العالمي".
فيما تحمّلت 11 شركة لصناعة السيارات نفقات مجمعة تبلغ 6.4 مليار يورو (7 مليارات دولار أمريكي). وشطبت Renault ما يصل إلى 2.3 مليار يورو (2.5 مليار دولار أمريكي) من ديونها بعد بيع مصنعها في موسكو وحصتها في شركة Avtovaz الروسية في مايو/أيار 2022.
بينما أبلغت شركة Volkswagen عن خفض بقيمة ملياريْ يورو في أصولها، وفي مايو/أيار وافقت موسكو على بيع الأصول المحلية لشركة Volkswagen، بما في ذلك مصنع يعمل به 4000 شخص كان لا يزال مُقدّراً بقيمة 111.3 مليار روبية (1.6 مليار دولار أمريكي) العام الماضي، وفقاً للإقرارات المالية للشركة.
مجازفة خطيرة لمن بقي في روسيا
في القطاع المالي، استسلم بنك Société Générale الفرنسي في أبريل/نيسان 2022، وباع شركة Rosbank المصرفية وأنشطتها التأمينية إلى فلاديمير بوتانين، حليف الرئيس بوتين، ما كبّدها ضربة قدرها 3.1 مليار يورو (3.4 مليار دولار أمريكي) في هذه العملية.
لكن عدداً قليلاً فقط من البنوك الغربية البالغ عددها 45 هو الذي له فروع روسية خرجت من البلاد، ويرجع ذلك جزئياً إلى القيود التي تفرضها موسكو.
حيث قالت آنا فلاسيوك، الزميلة الباحثة في كلية كييف للاقتصاد، إنَّ الشركات الأوروبية التي لا تزال تعمل في روسيا تعرض نفسها لمجازفات خطيرة. وأضافت أنَّ قواعد الخروج من السوق الأكثر صرامة، التي فرضتها موسكو منذ بداية الحرب، ستُمكّنها من مصادرة أصول الشركات الأجنبية، بجانب أنَّ الخروج بأية أرباح من هذه الشركات يكاد يكون مستحيلاً.