كشف كتاب جديد عن تفاصيل تُنشر لأول مرة بشأن العلاقات بين المخابرات التركية ونظيرتها في إسرائيل منذ بدايتها في تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى عام 2010 عندما ألغت أنقرة اتفاقات التعاون الاستخباراتي مع تل أبيب إثر غارة أسطول غزة، حين تسبب جنود إسرائيليون في مقتل تسعة مواطنين أتراك وجرح 50 آخرين.
موقع Middle East Eye البريطاني قال في تقرير له الإثنين 31 يوليو/تموز 2023، إن الكتاب The National Intelligence Agency 1826-2023، الذي كتبه المؤرخ التركي بولات صافي، يستكشف كيف أقامت تركيا علاقات وثيقة مع تل أبيب، وكيف تبخر هذا التعاون حين أرادت أنقرة سياسة خارجية أكثر استقلالية في المنطقة.
تقارب استخباراتي تركي إسرائيلي
كتب صافي، الذي تمكن من الاطلاع على الأرشيفات الأمنية الرسمية التركية في دراسة استمرت عاماً، أن تركيا تقاربت مع إسرائيل لأن أنقرة كانت بحاجة لشركاء في المنطقة لمحاربة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق في منتصف التسعينيات.
فوقّعت أنقرة في البداية اتفاقيات لتحديث الطائرات المقاتلة F-4 مع إسرائيل، ثم أتبعتها باتفاقيات تعاون عسكري عام 1996.
بعدها بعام، وقّعت وكالة المخابرات التركية الوطنية MIT والموساد اتفاقية تعاون استخباراتي حيوية في 2 مايو/أيار عام 1997، التي سمحت لجهازي استخبارات البلدين بإرسال وتنظيم مخبرين وعملاء في بلدي أحدهما الآخر، شريطة إبلاغ الطرف الآخر مسبقاً.
منعطف سلبي
كما قال صافي في كتابه إن العلاقات بين المخابرات التركية وإسرائيل اتخذت منعطفاً سلبياً عام 2008 بعد أن قررت أنقرة تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع إيران لوقف اعتمادها على غاز روسيا وأذربيجان.
نتج عن محاولات أنقرة التوسط في صفقة نووية بين إيران والغرب زيادة تآكل العلاقات الإسرائيلية التركية. وفي الوقت نفسه، كانت تركيا تتهم تل أبيب بعدم الالتزام بالشروط التي حددها اتفاق 1997.
توترت العلاقات الثنائية بين البلدين إثر انسحاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حوار غاضب مع الرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز خلال مناقشة عن غزة في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2009، واتهم إسرائيل بقتل الأطفال والمدنيين.
أخيراً، في 25 مايو/أيار عام 2010، بعد أربعة أيام فقط من تعيين هاكان فيدان رئيساً لجهاز المخابرات التركية، هاجمت إسرائيل سفينة مافي مرمرة التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة، ما أسفر عن مقتل تسعة مواطنين أتراك وإصابة 50 آخرين.
المخابرات التركية "لم تستفِد شيئاً"
كتب صافي: "لم تستفِد المخابرات التركية كثيراً من اتفاق التعاون الاستخباراتي، الذي وُقع مرتين، في 2 مايو/أيار عام 1997 و17 يناير/كانون الثاني عام 2001. ومن ناحية أخرى، كانت إسرائيل توجه عملاء وتديرهم في تركيا منذ أوائل الألفينات وفي أغلب الأحوال كانت تتجاهل إبلاغ الاستخبارات التركية بهذه الأنشطة، خلافاً لبنود الاتفاق".
أضاف الكاتب التركي: "وفضلاً عن ذلك، وفقاً لجهاز الاستخبارات التركي، كان الموساد ينتهك العلاقات الثنائية وينفذ عمليات تستهدف دولاً أخرى من تركيا. وبحلول عام 2010، حين تبين أن الموساد لم ينتهك بنود الاتفاق فحسب، بل أساء استغلالها، تدخلت الاستخبارات التركية وأغلق الموساد مكتبه في أنقرة نهاية ذلك العام".
كما أضاف في كتابه: "وكان إغلاق مكتب الموساد يعني أن العلاقة الوثيقة التي دامت نصف قرن تقريباً بين الاستخبارات التركية والإسرائيلية، والتي كانت هادئة بشكل عام رغم تقلباتها وبلغت عصرها الذهبي بين عامي 1990-2000، قد انتهت".
يقول صافي إن أولى علامات الاستياء الإسرائيلي من فيدان ظهرت في صحيفة هآرتس في 7 يونيو/حزيران عام 2010 حيث اتهمت مصادر إسرائيلية فيدان بالعمل عن كثب مع إيران.
بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك لراديو الجيش الإسرائيلي إنه قلق من أن ينتهي المطاف بالمعلومات الإسرائيلية السرية في أيدي إيران بعد تعيين فيدان رئيساً للاستخبارات التركية.
على أن العمل الاستخباراتي بين تركيا وإسرائيل لاحقاً ساعد كلا البلدين على حل مشكلاتهما. وتجدد التعاون بينهما مرة أخرى عام 2020، فطبّعت أنقرة وتل أبيب العلاقات بينهما، ويُتوقع أن يزور الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أنقرة العام المقبل.