ينظر الفلسطينيون بقلق للأزمة السياسية الراهنة في إسرائيل، بعد إقرار قانون الحد من المعقولية، الذي من شأنه أن يقوّض ويحدّ من تدخل القضاء في قرارات الحكومة.
ووجد الفلسطينيون أنفسهم، بعد المصادقة على قانون الحد من المعقولية، في مواجهة مباشرة مع اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي بات مسيطراً على الجهازين التنفيذي والقضائي في تل أبيب.
ومع دخول قانون الحد من المعقولية حيز التنفيذ بعد المصادقة عليه بأغلبية 64 صوتاً، سيفقد الفلسطينيون إحدى الأدوات التي يعتمدون عليها لتعطيل أو طعن قرارات الحكومة الصادرة بحقهم، التي يقدمونها للمحاكم الإسرائيلية.
كيف سيتأثر الفلسطينيون بقانون الحد من المعقولية؟
منذ قيام دولة الاحتلال عقب نكبة عام 1948، فرضت إسرائيل واقعاً سياسياً وأمنياً، أتاح لها سيطرة مطلقة على مناطق السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية، قطاع غزة، القدس الشرقية).
فتحولت الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع والمتحكم الأول والرئيسي في كل ما يتعلق باحتياجات الفلسطينيين، سواء على صعيد منح رخص البناء وتنقل الأفراد عبر الحواجز العسكرية والمعابر.
وقد أسهم هذا الواقع الذي سعت دولة الاحتلال لتثبيته عبر فرض سياسة الأمر الواقع، لترسيخ معادلات قيدت بشكل كبير من قدرة الفلسطينيين على الصمود والبقاء في مناطقهم، فارتفعت معدلات التهجير وزاد الاستيطان الذي حوّل الضفة الغربية لتجمعات متناثرة الأطراف، يحدها الاستيطان من كل حدب وصوب.
على مدار السنوات الماضية، كانت المحكمة العليا الإسرائيلية أداة يلجأ إليها الفلسطينيون للطعن في القرارات الصادرة عن وزارة الدفاع والإدارة المدنية.
وقد نجح الفلسطينيون كثيراً في إبطال قرارات الهدم ومصادرة الأراضي، بعد تقديم التماسات ومسوغات أمام المحكمة العليا الإسرائيلية تثبت ملكيتهم للأراضي المقيمين عليها.
إلا أن هذا الخيار لم يعد موجوداً بعد مصادقة الكنيست على مشروع قانون يحد من بند المعقولية، حسب ما أشار إليه الأكاديمي الحقوقي عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق.
وقال المتحدث إن "جهاز القضاء في إسرائيل لم يعد مستقلاً، وبإمكان المستوطنين الذين يقودون الحكومة إصدار ما يحلو لهم من قرارات الهدم بحق القرى والبلدات الفلسطينية لتسريع مشروع ضم الضفة الغربية دون أن يعارضها أحد".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "جهاز القضاء في إسرائيل لم يكن منصفاً مع الفلسطينيين، ولكنه على الأقل كان يمتلك تأثيراً يوازي عمل السلطة التنفيذية".
وأشار المتحدث إلى أن الفلسطينيين، وتحديداً في الضفة الغربية استفادوا من إبطال قرارات كانت قد أصدرتها وزارة الدفاع والإدارة المدنية المتعلقة بمصادرة الأراضي والهدم وسحب تصاريح العمل وترحيل الفلسطينيين للمنفى".
ما هو قانون الحد من المعقولية؟
قانون الحد من المعقولية هو واحد من 8 مشاريع قوانين صاغها وزير القضاء، ياريف ليفين، لإحداث توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويعتبر الحد من بند المعقولية أحد القوانين الإدارية التي تسمح للمحاكم بممارسة المراجعة القضائية للقرارات الصادرة عن الجهات التنفيذية، ثم إصدار حكم نهائي بالموافقة أو رفض القرارات، حال تعارضت المصالح.
وبدأ قانون المعقولية مع الانتداب البريطاني، وأخذت به الدول المتأثرة به، بما في ذلك دولة الاحتلال التي ورثته وطورته ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي.
وتبلورت النسخة الإسرائيلية المعدلة من سبب المعقولية، بعد أن وسعتها المحكمة العليا كجزء من زيادة النشاط القضائي، باعتبارها أعلى جهاز قضائي في إسرائيل.
يسمح بند المعقولية، في شكله الحالي، برفض القرارات التي لا تعطي الوزن الواجب للمصالح المختلفة التي يجب على السلطة الإدارية مراعاتها في قرارها.
الفلسطينيون والمحكمة العليا الإسرائيلية
تثبت العديد من الشواهد دور المحكمة العليا في إبطال قرارات كانت قد أصدرتها الحكومة الإسرائيلية، وتمس بشكل مباشر واقع الفلسطينيين، ومن أبرزها:
- في 7 من فبراير/شباط 2017، مررت حكومة نتنياهو مشروع قانون الكنيست، الذي يسمح بالبناء الاستيطاني على أراضٍ فلسطينية، بهدف بناء مستوطنات في الضفة، إلا أن المحكمة العليا أبطلت هذا القانون في يونيو/حزيران 2020.
- في القدس المحتلة كان دور المحكمة العليا حاسماً في إبطال قرار لصالح المستوطنين بترحيل المقدسيين من حي الشيخ جراح، وهي القضية التي كانت سبباً في اندلاع معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، حيث قضت المحكمة ببقاء 500 مقدسي في منازلهم، وعدم ترحيلهم لحين التوصل لتسوية.
- وليس بعيداً عن القدس، قضت المحكمة العليا بإبطال قرار تنفيذي لمنظمة "ريغافيم" الاستيطانية لترحيل سكان الخان الأحمر، لعدم وجود سبب قانوني مقبول، يتيح ترحيل 200 فرد يقيمون في الحي.
في المقابل، ورغم الدور الذي لعبته المحكمة العليا في الصدام مع المستوطنين لصالح الفلسطينيين، فإنها كثيراً ما تمادت مع الحكومة، وقدمت لها مبررات:
- كقضية بناء جدار الفصل العنصري، ومنح غطاء قانوني للحكومة لفرض حصار على قطاع غزة منذ عام 2006 وحتى اليوم.
- لتبرير آلة القتل الإسرائيلية من خلال التغاضي عن عمليات الإعدام الميداني، وقصف المدنيين والمرافق الحيوية بذريعة التهديدات الأمنية.
المحكمة العليا وتجميل دور الاحتلال
صالح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) قال إن "عمل المحكمة العليا وجهاز القضاء في إسرائيل، هو تجميل دور الاحتلال وسياسات المستوطنين، ومنحه مسوغات ومظلة قانونية لممارسة سياسات الفصل العنصري".
وقال المتحدث لـ"عربي بوست": "رغم إصدارها عشرات القرارات لصالح الفلسطينيين، ولكن علينا أن ندرك أن غالبيتها جاءت بضغط دولي، وتحديداً من الاتحاد الأوروبي والمنظمات اليسارية في الولايات المتحدة الأمريكية".
ويضيف "هنالك أبعاد خطيرة وراء قانون إلغاء الحد من المعقولية، ويتمثل في تحييد دور المنظمات اليسارية والحقوقية الإسرائيلية التي تنشط للدفاع عن الفلسطينيين، وتحديداً "بيتسيلم" وجيشاه مسلك"، التي تعتبر وسيطاً في نقل شهادات الفلسطينيين أمام المحاكم الإسرائيلية، لأن دورها سينتهي الآن عملياً، ولن يعود بإمكانها التحدث عن سياسات وممارسات الحكومة ضد الفلسطينيين".